الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[133/ 4] أخذ الجزية من أهل الكتاب:
• تعريف أهل الكتاب:
أهل الكتاب: هم من يعتقد دينًا سماويًّا، أي: منزلًا بكتاب؛ كاليهود والنصارى.
فاليهود كتابهم التوراة، والنصارى كتابهم الإنجيل، وهم الذين توجَّه إليهم الخطاب في القرآن الكريم بقوله تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} (1).
• والمراد بالمسألة: أن الجزية يُشرع أخذها وتقبل من أهل الكتاب، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: عبد القاهر البغدادي (429 هـ) حيث يقول: (وأجمع فقهاء الإسلام على استباحة ذبائح اليهود والسامرة والنصارى، وعلى جواز نكاح نسائهم وعلى جواز قبول الجزية منهم)(2).
وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على وجوب أخذ الجزية من اليهود والنصارى، ممن كان منهم من الأعاجم (3) الذين دان أجدادهم بدين من الدينين قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكن معتقًا ولا بَدَّلَ ذلك الدين بغيره) (4).
والبغوي (516 هـ)، وابن عادل الدمشقي الحنبلي (بعد 880 هـ) حيث يقولان:
(1) انظر: "الملل والنحل" لابن حزم (2/ 47)، و"أحكام أهل الذمة"(1/ 19)، وقد وقع الخلاف بين العلماء فيمن يدخل ضمن مفهوم أهل الكتاب غير اليهود والنصارى، فعند الحنفية: كل من آمن بكتاب نبي من الأنبياء، كالزبور وصحف إبراهيم، يدخل في أهل الكتاب، وفي مذهب الحنابلة وأحد الوجهين عند الشافعية: لا يدخل هؤلاء في أهل الكتاب. انظر: "در المنتقى شرح الملتقى"(10/ 670)، و"روضة الطالبين"(10/ 304)، و"المغني"(10/ 559).
(2)
"الفرق بين الفرق"(1/ 348).
(3)
الأعاجم في اللغة: جمع، واحده أعجمي، نسبة إلى العجم وهم: ضد العرب كالروم وفارس وغيرهم، وهم المقصودون هنا، وقد يُطلق الأعجمي أيضًا على الشخص الذي لا يفصح ولا يبين كلامه وإن كان من العرب، فيُقال: فلان فيه عُجمة. وأعاجم أهل الكتاب: هم اليهود والنصارى من غير العرب. ويدخل فيهم جميع من دان بدينهم من جميع فرقهم الذين يدينون بالتوراة والإنجيل. انظر: "لسان العرب"(12/ 385)، و"مختار الصحاح"(ص 175)، مادة (عجم).
(4)
"مراتب الإجماع"(ص 196).
(اتَّفَقَتِ الأمةُ على جواز أخذ الجزية من أهل الكتاب، وهم اليهودُ والنصارى إذا لم يكونوا عربًا)(1).
وابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أن الجزية تضرب على أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى. وكذلك على ضرب الجزية على المجوس)(2).
والدمشقي (780 هـ) حيث يقول: (اتفق الأئمة على أن الجزية تضرب على أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى، وعلى المجوس، فلا تؤخذ من عبدة الأوثان مطلقًا)(3).
• الموافقون للإجماع: وافق على أخذ الجزية من أهل الكتاب في الجملة: الحنفية، (4) والمالكية، (5) والشافعية، (6) والحنابلة (7)، والظاهرية (8).
• مستند الإجماع:
1 -
قول اللَّه تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29].
• وجه الدلالة: حيث أمر اللَّه تعالى بقتال أهل الكتاب، ولم يجعل لذلك غاية إلا أن يسلموا، أو يؤدوا الجزية.
2 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "صالح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أهل نجران على ألفي حلة، النصف في صفر، والنصف في رجب، يؤدونها إلى المسلمين. . "(9).
• وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من أهل نجران، وكانوا من النصارى.
قال الزهري: (أول من أعطى الجزية أهل نجران، وكانوا نصارى)(10).
(1)"اللباب في علوم الكتاب"(10/ 66)، و"تفسير البغوي"(4/ 34)، و"شرح السنة"(11/ 170).
(2)
"الإفصاح"(2/ 326).
(3)
"رحمة الأمة"(ص 354).
(4)
انظر: "المبسوط"(10/ 119)، و"فتح القدير"(4/ 370).
(5)
انظر: "المقدمات الممهدات"(1/ 375)، و"القوانين الفقهية"(ص 163).
(6)
انظر: "الأم"(4/ 96)، و"العزيز شرح الوجيز"(13/ 506).
(7)
انظر: "كشاف القناع"(3/ 108)، و"أحكام أهل الذمة"(1/ 1).
(8)
انظر: "المحلى"(7/ 345)، و"أصول الأحكام"(1/ 244).
(9)
سبق تخريجه.
(10)
أخرجه أبو عبيد في "الأموال"(ص 35).
2 -
عن معاذ رضي الله عنه "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما وجَّهه إلى اليمن، أمَره أنْ يأخذ من كل حالمٍ -يعني: محتلمٍ- دينارًا، أو عَدله من المعافر -ثيابٌ تكون باليمن"(1).
• وجه الدلالة: فيه دلالة أن الجزية تعقد لليهود والنصارى؛ لأن أهل اليمن كان فيهم أتباع لهاتين الديانتين (2).
• الخلاف في المسألة: ذهب الحسن البصري وأبو يوسف من الحنفية إلى أن العرب من أهل الكتاب لا تؤخذ منهم الجزية، وإنما الأعاجم منهم (3).
وخصَّصوا عموم الآية، ناظرين إلى شرف العرب، وكون النبي صلى الله عليه وسلم منهم، ومستدلين لرأيهم:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقريش: "إني أريد منهم كلمة واحدة، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم العجم الجزية"(4).
قال ابن القيم رادًّا على هذا القول: (ولم يفرق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولا خلفاؤه في الجزية بين العرب والعجم، بل أخذها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من نصارى العرب، وأخذها من مجوس هجر، وكانوا عربًا، فإن العرب أمة ليس لها في الأصل كتاب، وكانت كل طائفة منهم تدين من جاورها من الأمم، فكانت عرب البحرين مجوسًا لمجاورتها فارس، وتنوخ وبهرة وبنو تغلب نصارى (5) لمجاورتهم للروم، وكانت قبائل من اليمن يهود لمجاورتهم ليهود اليمن، فأجرى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحكام الجزية، ولم يعتبر آباءهم، ولا متى دخلوا في دين أهل الكتاب) (6).
(1) سبق تخريجه.
(2)
انظر: "الأموال" لأبي عبيد (ص 35).
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء"(3/ 486)، و"المغني"(13/ 206)، و"معالم السنن"(3/ 31).
(4)
أخرجه الترمذي في "سننه"(5/ 366، برقم 3232)، وقال عنه: حسن صحيح، وضعفه الألباني في تعليقه على "الروضة الندية"(3/ 489).
(5)
تنوخ هو اسم لعدة قبائل اجتمعوا قديمًا بالبحرين وتحالفوا على التناصر، فأقاموا هناك فسموا تنوخًا، والتنوخ الإقامة منهم، والنسبة (تنوخي)، وبنو بهرة -بفتح الباء وسكون الهاء وبالراء المهملة- بطن من قضاعة من القحطانية، النسبة إليهم بهرائي، وبنو تغلب: من القبائل العدنانية كانت تسكن العراق وهي ممن حارب خالد بن الوليد أيام الفتح الإسلامي. انظر: "اللباب في تهذيب الأنساب"(1/ 225)، و"التعريف بالأنساب والتنويه بذوي الأحساب"(1/ 15)، و"قلائد الجمان"(1/ 35).
(6)
"زاد المعاد"(3/ 157).