الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القيامة عليه: رجل استشهد، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به، فسحب على وجهه، فالقي في النار. . . " (1).
• وجه الدلالة: دلَّ الحديث أنه إن كان الباعث على الجهاد الرياء والسمعة أو المباهاة فصاحبه متعرض لمقت اللَّه وعقابه.
4 -
وعن أبي أمامة الباهلي قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذكر، ما له؟ فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا شيء له"، فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا شيء له"، ثم قال: "إن اللَّه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا له، وابتغي به وجهه" (2).
• وجه الدلالة: دلَّ الحديث أن من شرط الجهاد وفرضه وصحة كونه عملًا للَّه، وجهادًا في سبيل اللَّه، أن يقصد به وجه اللَّه -تعالى- وإعلاء كلمته، فيجب أن يجاهد الرجل غضبًا في اللَّه، وانتصارًا لدينه، وصونًا لحرماته.
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على تحريم طلب السمعة من المبارزة وغيرها من الأعمال القتالية في الجهاد في سبيل اللَّه، ولم يخالف في ذلك أحد، واللَّه تعالى أعلم.
[53/ 32] جواز المبارزة في الحرب:
• المراد بالمسألة: بيان جواز المبارزة في الحرب إذا كانت بإذن الإمام، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا على أن للمرء أن يبارز، ويدعو للبراز بإذن الإمام، وانفرد الحسن فكان يكرهه ولا يعرف البراز)(3).
والقاضي عياض (544 هـ) حيث يقول: ". . . وجواز المبارزة، ولا خلاف بين
(1) أخرجه مسلم، كتاب "الإمارة"، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار (6/ 47، برقم 5032).
(2)
أخرجه النسائي في "سننه"، كتاب "الجهاد"، باب من غزا يلتمس الأجر والذكر (6/ 25 رقم 3140). وقال الألباني رحمه الله:"حسن صحيح". انظر: "السلسلة الصحيحة"(برقم 52).
(3)
"الإجماع"(ص 58).
العلماء في جوازها بإذن الإمام، إلا الحسن فإنه شذَّ ومنعها" (1).
وابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (ولم يزل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبارزون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، ولم ينكره منكر، فكان ذلك إجماعًا)(2).
والخطابي (388 هـ) حيث يقول: (فيه من الفقه -أي: الحديث- إباحة المبارزة في جهاد الكفار، ولا أعلم اختلافًا في جوازها إذا أذن الإمام فيها)(3).
• الموافقون للإجماع: اتفقت المذاهب الفقهية من الحنفية (4)، والمالكية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة (7) على جواز المبارزة بإذن الإمام.
• مستند الإجماع:
1 -
واستدلوا على ذلك بفعل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يوم أحدٍ، فقد "دعا أبي ابن خلفٍ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى البراز فبرز إليه فقتله"(8).
2 -
عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه "أن ابني عفراء (9) رضي الله عنهما خرجا إلى البراز -أي المبارزة- فلم ينكر عليهما النبي صلى الله عليه وسلم (10).
قال ابن مفلح (793 هـ): (يجوز بإذنه لمبارزة الشباب الأنصاريين يوم بدر لما طلبها عتبة بغير إذن النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر ذلك)(11).
3 -
كان أبو ذر رضي الله عنه يقسم أن قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19]. نزلت في الذين تبارزوا يوم بدر، وهم حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم، بارزوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة، وكان ذلك بإذن
(1)"إكمال المعلم"(6/ 200).
(2)
"المغني"(13/ 39).
(3)
"معالم السنن"(2/ 279).
(4)
انظر: "شرح السير الكبير"(1/ 122).
(5)
انظر: "مواهب الجليل" لشرح مختصر خليل (4/ 557).
(6)
انظر: "البيان"(12/ 157).
(7)
انظر: "المبدع"(3/ 335).
(8)
أخرجه الحاكم في "المستدرك"(2/ 357)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(9)
هما معاذ ومعوذ، وقيل: عوف ومعوذ.
(10)
قصة عبد الرحمن بن عرف مع الغلامين الأنصاريين أخرجها البخاري، كتاب "الجهاد"، باب من لم يخمس الأسلاب (3/ 1144، برقم 2972).
(11)
"الفروع"(6/ 208).
النبي صلى الله عليه وسلم (1).
4 -
و"بارز علي رضي الله عنه مرحبًا أحد سادة يهود وشجعانهم يوم خيبر"(2).
وجاء في رواية أخرى أن الذي بارزه هو عم سلمة بن الأكوع رضي الله عنهما، وجاء في أخرى أنه محمد بن مسلمة رضي الله عنه (3).
5 -
و"بارز علي رضي الله عنه عمرو بن عبد وُد أحد شجعان قريش في غزوة الخندق فقتله"(4).
6 -
قال أبو قتادة رضي الله عنه: "بارزت رجلًا يوم حنين فقتلته"(5)، وجاء نحوه عن سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه (6).
ودلالة الأحاديث السابقة في: إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم وعدم الإنكار عليهم.
7 -
و"بارز البراء بن مالك رضي الله عنه مرزبان الزأرة (7) فقتله وأخذ سلبه"، وكان ذلك بحضور الصحابة رضي الله عنهم وعلمهم، ولم ينكر عليه أحد، وقد كان على الجيش خالد بن الوليد رضي الله عنه (8).
• الخلاف في المسألة: اتفق الفقهاء على مشروعية المبارزة في الجملة، واختلفوا في اشتراط إذن الإمام للمبارزة على أقوال: القول الأول: أنه شرط، وهو مذهب الثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأحد قولي المالكية (9).
(1) أخرجه البخاري، كتاب "التفسير"، باب هذان خصمان (4/ 1768، برقم 4466).
(2)
أخرجه مسلم، كتاب" الجهاد والسير"، باب: غزوة ذي قرد (5/ 189، برقم 4779).
(3)
أخرجه أحمد في "مسنده" ضمن قصة (3/ 385)، قال الشوكاني: قال الحافظ: الأخبار المتواترة أن علما هو الذي قتل مرحبًا، ثم قال: ويمكن الجمع في ذلك بأن يقال: إن محمد بن مسلمة وكذلك عم سلمه بن الأكوع بارزاه أولا ولم يقتلاه، ثم بارزه علي أخيرا فقتله. ويدل عليها رواية عند الحاكم. انظر:"نيل الأوطار"(7/ 293).
(4)
أخرجه الحاكم في "مستدركه"(3/ 33)، وقال: وهذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(5)
أخرجه أحمد في "مسنده"(4/ 45)، وابن ماجه، باب المبارزة والسلب (2/ 946).
(6)
أخرجه أحمد في مسنده (5/ 296)، وعبد الرزاق في "مصنفه"(5/ 236).
(7)
الزأرة: قرية كبيرة وكان مرزبان الزأرة منها. "لسان العرب"(3/ 338).
(8)
أخرجه البيهقي في "سننه الكبرى"(6/ 311)، وعبد الرزاق في "مصنفه"(5/ 233)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(6/ 478)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل"(1224).
(9)
انظر: "التاج والإكليل"(4/ 557)، و"الفروع"(6/ 208).