الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في الفيء
تمهيد: في تعريف الفيء:
• الفيء في اللغة: مأخوذ من فاء يَفِيء، إذا رجع، كأنه كان في الأصل لهم فرجع إليهم. ومنه قيل للظِّل الذي يكون بعد الزوال: فيء؛ لأنه يرجع من جانب الغرْب إلى جانب الشرق (1).
• وفي الاصطلاح: هو المال الحاصل للمسلمين من أموال الكفار بغير قتال (2).
ومما يدخل في الفيء: مال الجزية، والخراج، وعشور تجارة أهل الحرب والذمة، ومال المرتد، وما يتركه الكفار فزعًا أو اختيارًا، ومال الذمي إذا هلك ولم يكن له وارث خاص.
[152/ 1] الإمام هو من يتولَّى جباية الفيء، وتفريقه حسب المصلحة:
• المراد بالمسألة: بيان أن من يتولى جباية الفيء وتحصيله ممن هم أهله هو الإمام، أو من يقوم مقامه، وذلك يُعد ضمن واجباته ومسؤولياته الجسام في استيفاء الحقوق المالية للدولة، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: الطحاوي (321 هـ) كما نقله عنه ابن حجر حيث قال: (كان أبو عبد اللَّه رجل من الصحابة يقول: "الزكاة، والحدود، والفيء، والجمعة إلى السلطان". قال الطحاوي: لا نعلم له مخالفًا من الصحابة)(3).
والجصاص (370 هـ) حيث يقول: (وقال عبد اللَّه بن محيريز: "الحدود والفيء والجمعة والزكاة إلى السلطان". . . والسلف قد روي عنهم ذلك ولا نعلم عن أحد من الصحابة خلافه)(4).
وشيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): (أما ما يأخذه ولاة المسلمين من العشر، وزكاة
(1) انظر "النهاية"(3/ 482).
(2)
انظر: "التعريفات" للجرجاني (ص 148)، و"أنيس الفقهاء"(ص 183)، و"طلبة الطلبة"(ص 80).
(3)
"فتح الباري"(12/ 163).
(4)
"أحكام القرآن" للجصاص (5/ 131).
الماشية والتجارة وغير ذلك، فإنه يسقط ذلك عن صاحبه، إذا كان الإمام عادلًا يصرفه في مصارفه الشرعية باتفاق العلماء) (1).
وابن رجب الحنبلي (795 هـ) حيث يقول: (للإمام ولاية المطالبة بالخراج، كجزية الرؤوس، وقد كان عمر وعثمان وعلي ومن بعده يبعثون عمالهم على جباية الخراج، وهذا متفق عليه)(2).
• الموافقون للإجماع: الحنفية (3)، والمالكية (4)، والشافعية (5)، والحنابلة (6).
• مستند الإجماع: أن هذا هو ما جرت عليه سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، وولاة المسلمين من بعدهم، أنهم كانوا يتولون جباية الفيء وقسمته، ومما يدل على ذلك ما يأتي:
عن الحكم قال: "كتب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل وهو باليمن: أن يأخذ من كل حالم أو حالمة دينارًا، أو قيمته، ولا يفتن يهودي عن يهوديته"(7).
أن بلالًا قال لعمر بن الخطاب: "إن عمالك يأخذون الخمر والخنازير في الخراج فقال: لا تأخذوا منهم، ولكن ولوهم بيعها، وخذوا أنتم من الثمن"(8).
• وجه الدلالة من الحديث والأثر: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وخلفاءه من بعده كانوا يقومون على جباية الفيء، ولم يتركوا ذلك لآحاد الرعية.
وعن مسلم بن يسار، عن أبي عبد اللَّه رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال مسلم: كان ابن عمر يأمرنا أن نأخذ عنه، قال: هو عالم فخذوا عنه، فسمعته يقول: "الزكاة والحدود والفيء والجمعة إلى السلطان ثم قال: أرأيتم لو أخذتم لصوصًا، أكان لكم
(1)"مجموع الفتاوى"(25/ 81).
(2)
"الاستخراج لأحكام الخراج"(ص 465).
(3)
انظر: "الاختيار"(4/ 150)، العناية (8/ 121).
(4)
انظر: "التلقين"(1/ 246)، و"الجامع لأحكام القرآن"(18/ 14).
(5)
انظر: "التنبيه"(1/ 249)، و"الحاوي الكبير"(16/ 20).
(6)
انظر: "الأحكام السلطانية" لأبي يعلى (ص 28).
(7)
أخرجه أبو عبيد في "الأموال"(ص 65)، ويحيى بن آدم في "الخراج"(ص 229)، والبيهقي في "سننه الكبرى"(9/ 193).
(8)
أخرجه أبو عبيد في "الأموال"(ص 62).
أن تقطعوا بعضهم وتدعوا بعضهم؟ قال: قلنا: لا، قال: أفرأيتم لو رفعتموهم إليهم، فقطعوا بعضهم وتركوا بعضهم، أكان عليكم منهم شيء؟ قال: قلنا: لا، أما نحن فقد قضينا ما علينا، قال: فهكذا تجري الأمور" (1).
وعن عبد اللَّه بن محيريز قال: "الحدود والفيء والجمعة والزكاة إلى السلطان"(2).
وقال الحسن البصري: "أربع من أمر الإسلام إلى السلطان: الحكم والفيء والجهاد والجمعة"(3).
ولأن الفيء يُصرف في المصالح العامة، ويحتاج إلى اجتهاد، ويتعلق بها جميع المسلمين، والإمام هو النائب لهم، والمجتهد في تعيين مصالحهم (4).
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على أن الإمام هو من يتولَّى جباية الفيء، وتفريقه حسب المصلحة؛ لعدم المخالف المعتبر في ذلك، واللَّه تعالى أعلم.
[153/ 2] من أسلم من أهل العنوة فأرضه فيء (5) للمسلمين:
• المراد بالمسألة: بيان أن أرض الكفار التي يستولي عليها المسلمون بالقوة والقهر، وينقاد أهلها عنوة، ثم يُسلم أهلها عليها، أن أرضهم تكون فيئًا للمسلمين لا تقسم، بل تكون وقفًا في مصالح المسلمين، على حكم الفيء، لا يستأثر أحد بملك أعيانها، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: ابن حجر العسقلاني (852 هـ) حيث يقول: (وقال المهلب. . . فاتفق العلماء على أن من أسلم من أهل الصلح فهو أحق بأرضه، ومن أسلم من أهل العنوة فأرضه فيء للمسلمين)(6).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: المالكية في المشهور (7)، ورواية
(1)"الأموال" لابن زنجويه (4/ 377).
(2)
المصدر السابق.
(3)
"مسائل الإمام أحمد رواية حرب الكرماني"(ص 293).
(4)
انظر: "الاستخراج لأحكام الخراج"(ص 461).
(5)
فرَّق بعض العلماء بين أرض الفيء، والخراج، والعشر فقالوا: الفيء ما يؤخذ من أرض العنوة، والخراج ما يؤخذ من أرض الصلح، والعشر ما يؤخذ من زكاة الأرض التي أسلم أهلها عليها، أو التي أحياها المسلمون من الأرضين. انظر:"مفاتيح العلوم"(1/ 39).
(6)
"فتح الباري"(6/ 177).
(7)
انظر: "الكافي"(1/ 482)، و"المعونة"(1/ 626).
للحنابلة (1). وقال به من السلف: الحسن البصري، وعطاء بن السائب، وشريك النخعي، وغيرهم (2).
• مستند الإجماع: وحجتهم: فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأرض مصر، والشام، والعراق، إذ إنه لم يقسم الأراضي بل وقفها على مصالح المسلمين، ولم ينكر عليه أحدٌ من الصحابة، إلا نفرٌ يسير (3).
قال مالك: (بلغني أن بلالًا وأصحابه سألوا عمر في قسم الأرض المأخوذة عنوة، فأبى ذلك عليهم، وكان بلال من أشد الناس عليه كلامًا، فزعم من حضر ذلك أن عمر دعا عليهم فقال: "اللهم اكفنيهم" فلم يأت الحول وواحد منهم حي، ولم ينكر أحد من الصحابة عليه ذلك، وتلاه عثمان وعلي على مثل ذلك، وقد غنم عليه الصلاة والسلام غنائم وأراضي فلم ينقل أنه قسم منها إلا خيبر، وهذا إجماع من السلف)(4).
• الخلاف في المسألة: وللفقهاء في هذه المسألة قولان آخران عدا القول المحكي عليه الإجماع:
• القول الأول: ذهب الشافعية (5)، والظاهرية (6)، وأبو ثور وغيرهم (7) إلى تقسيم الأرض المفتوحة عنوة بين الغانمين، كسائر ما ظهر عليه الإمام من قليل أموال المشركين أو كثيره، وحكم اللَّه عز وجل في الغنيمة أن تخمس.
• وحجتهم:
1 -
عموم قوله -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41].
• وجه الدلالة: أن هذا نصٌّ عامٌّ فيدخل في ذلك جميع ما غنموا من الأرض أو غيرها.
2 -
وما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم خيبر على الغانمين (8).
(1) انظر: "الفروع"(6/ 240)، و"الإنصاف"(4/ 190).
(2)
انظر: "الاستخراج لأحكام الخراج"(ص 198).
(3)
انظر: "الأموال" لأبي عبيد (ص 149).
(4)
"حاشية الخرشي على مختصر خليل"(3/ 129).
(5)
انظر: "مغني المحتاج"(4/ 234)، و"المجموع"(21/ 420).
(6)
انظر: "المحلى"(7/ 341).
(7)
انظر: "فقه الإمام أبي ثور"(ص 790).
(8)
أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب في غزوة خيبر (4/ 1543، برقم 3994).