الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه، وقاموابنصره وصارت لهم دار إسلام ومعقلًا يلجؤون إليه- شرع اللَّه جهاد الأعداء، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك، فقال تعالى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} [الحج: 39، 40](1).
• المخالفون للإجماع: لم أجد من خالف في ذلك سوى ما نُسب إلى الضحاك بن مزاحم، ولكن لا يصح عنه، قال ابن جرير:(وهذا قول ذُكر عن الضحاك بن مزاحم من وجه غير ثبت)(2).
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن هناك طائفة قالت: إن الإذن بالجهاد كان بمكة وغلَّط هذا القول وردَّه من وجوه منها:
أ - أنه لم يكن لهم شوكة في مكة يتمكنون بها من القتال.
ب- أن سياق آية الإذن بالجهاد يدل على أن الإذن كان بعد الهجرة قال تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} [الحج: 40](3).
النتيجة:
أن الإجماع متحقق، وما ذكر من خلاف بعض العلماء لا يثبت عنهم، واللَّه أعلم.
[3/ 3] حكم دفع الكفار إذا هاجموا بلاد المسلمين: (جهاد الدفع):
• المراد بالمسألة: هذه هي المرحلة الثالثة من مراحل تشريع الجهاد وهي: الأمر بقتال من قاتل المسلمين من الكفار والكف عمن كف عن قتالهم (4) ويمكن أن تسمى مرحلة جهاد الدفع (5).
(1)"تفسير القرآن العظيم"(5/ 434).
(2)
"جامع البيان"(18/ 642).
(3)
"زاد المعاد" لابن القيم (3/ 69).
(4)
"أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية"(ص 143).
(5)
ومن العجيب أن بعض المعاصرين يتوقفون عند هذه المرحلة، ويجعلونها المرحلة النهائية للجهاد، ويقولون: إن الجهاد في الإسلام هو جهاد الدفع فقط. انظر على سبيل المثال: "رسالة التوحيد" لمحمد عبده (ص 235)، و"فتاوى رشيد رضا"(ص 892)، و"آثار الحرب في الفقه الإسلامي" لوهبة الزحيلي (ص 110)، و"الجهاد في الإسلام -كيف نفهمه؟ " للبوطي (ص 94)، وغيرها من كتب المعاصرين. وقد تعلَّقوا بأدلة هذه المرحلة. وانظر للرد عليهم بالتفصيل: محاضرة نافعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بعنوان (ليس الجهاد للدفاع فقط) في "مجموع فتاواه"(3/ 171). والشيخ صالح اللحيدان في =
فإذا دهم الكفار بلاد المسلمين فإن جهادهم ودفعهم حينئِذٍ فرض عين على أهل الوجوب من تلك البلاد، كلٌّ على قدر طاقته لإجماع المسلمين (1).
• وممن نقل الإجماع: أبو بكر الجصاص (370 هـ) حيث يقول: (ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور (2) من العدو ولم تكن فيهم مقاومة لهم فخافوا على بلادهم، وأنفسهم، وذراريهم أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة؛ إذ ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حتى يستبيحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم) (3).
وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن دفاع المشركين وأهل الكفر عن بيضة الإسلام (4) وقراهم وحريمهم إذا نزلوا على المسلمين فرض على الأحرار البالغين المطيقين) (5).
وإمام الحرمين (478 هـ) حيث يقول: (فأما إذا وطئ الكفار ديار الإسلام فقد اتفق حملة الشريعة قاطبة على أنه يتعين على المسلمين أن يخفوا ويطيروا إلى مدافعتهم زَرَافاتٍ)(6).
والقرطبي (671 هـ) حيث يقول: (إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار أو بحلوله بالعقر (7) فإذا وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافًا
= كتاب: "الجهاد في الإسلام بين الطلب والدفاع"، وغيرهما مما لا يتسع المجال لبسط ردودهم هنا. وسأذكر بمشيئة اللَّه في المرحلة الأخيرة من مراحل تشريع الجهاد الأدلة من الكتاب والسنة واتفاق الفقهاء على أن الجهاد ليس للدفاع فقط؛ للرد على مثل هذا القول.
(1)
وهذا النوع من الجهاد قال ابن القيم عنه في "الفروسية"(ص 187): "أصعب من جهاد الطلب، فإن جهاد الدفع يشبه باب دفع الصائل، ولهذا أبيح للمظلوم أن يدفع عن نفسه".
(2)
الثُّغُور: جمع ثَغْر وهو موضع المخافة من العدو. وهي البلاد المتاخمة للعدو من المشركين وأهل الكتاب التي يُخيف العدو أهلها ويُخيف أهلها العدو. انظر: "طلبة الطلبة"(ص 178).
(3)
"أحكام القرآن" للجصاص (4/ 312).
(4)
بيضة الإسلام: مجتمعه وحوزته على طريق الاستعارة والتشبيه. انظر: "ثمار القلوب في المضاف والمنسوب"(ص 498)، و"معجم مقاييس اللغة"(1/ 326).
(5)
"مراتب الإجماع"(ص 200).
(6)
"غياث الأمم"(1/ 191). ومعنى الزَّرافات: الجماعات. انظر: "لسان العرب"(9/ 133)، مادة (زرف).
(7)
العقر: من قولهم: عقر الدار وهي أصلها، وقيل: وسطها. انظر: "لسان العرب"(4/ 591)، مادة (عقر).
وثقالًا، شبانًا وشيوخًا، كل على قدر طاقته. . . . حتى يظهر دين اللَّه وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة (1) ويخزى العدو ولا خلاف في ذلك) (2).
وابن عطية (541 هـ) حيث يقول: (الذي استقر عليه الإجماع أن الجهاد على كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم فرض كفاية فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين، إلا أن ينزل العدو بساحة الإسلام فهو حينئذٍ فرض عين)(3).
وحكى الاتفاق أيضًا ابن القطان الفاسي (628 هـ)(4).
وشيخ الإسلام (728 هـ) حيث يقول: (وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعًا)(5). وقال رحمه الله-أيضًا: (. . . فأما إن هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه فإن دفع ضررهم عن الدين والنفس والحرمة واجب إجماعًا)(6).
والمرداوي (885 هـ) حيث يقول: (ومن حضر الصف من أهل فرض الجهاد، أو حضر العدو بلده تعيَّن عليه بلا نزاع)(7).
• الموافقون للإجماع: وافق الحنفية (8)، والمالكية (9)، والشافعية (10)، والحنابلة (11)، والظاهرية (12) على تعيُّن الجهاد في هذه الحالة.
• مستند الإجماع: دلَّ على هذا الحكم أدلة كثيرة منها ما يلي:
1 -
قول اللَّه تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190].
2 -
وقوله سبحانه: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} [النساء: 75].
(1) الحوزة: كل ما يدخل في حيِّزك ويجب عليك حفظه ومنه حوزة الإسلام لما يدخل في حدوده ونواحيه مما يجب أن يمنعه المسلمون ويحفظوه. "لسان العرب"(5/ 339)، مادة (حوز).
(2)
"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (10/ 223).
(3)
أورده القرطبي في "تفسيره"(3/ 38).
(4)
"الإقناع في مسائل الإجماع"(3/ 1015).
(5)
"الاختيارات الفقهية"(ص 309).
(6)
"الفتاوى المصرية"(4/ 507).
(7)
"الإنصاف"(10/ 14).
(8)
انظر: "بدائع الصنائع"(7/ 98)، و"البناية في شرح الهداية"(6/ 493).
(9)
انظر: "مواهب الجليل"(4/ 99)، و"الشرح الكبير"(2/ 174).
(10)
انظر: "الأم"(4/ 170)، و"الوجيز"(2/ 189).
(11)
انظر: "المغني"(13/ 8).
(12)
انظر: "مراتب الإجماع"(ص 200).