الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النهي عن السفر بالمصحف إلى أرض العدو محمولٌ على الزمن الأول (1).
وحجتهم: أن الزمن الأول حين كانت المصاحف قليلةٌ نُهي عن السفر بها مخافة أن يفوت شيء من القرآن في دار الكفر، فيتأثر المسلمون بفواته. فأما في زماننا فقد كثرت المصاحف، وكثر الحافظون للقرآن عن ظهر قلب، فلا بأس بحمل المصاحف إلى أرض العدو؛ لأنه لا يُخاف فوت شيء من القرآن وإن وقع بعض المصاحف في أيديهم.
النتيجة:
أن الإجماع غير متحقق في النهي عن السفر بالمصحف إلى أرض العدو بالسرية الصغيرة ونحوها، للخلاف المعتبر من بعض الشافعية، والحنفية، واللَّه تعالى أعلم.
[31/ 10] استحباب توصية وتوجيه الجيش قبل الحرب:
• المراد بالمسألة: بيان أنه يستحب للإمام أن يوصي أمير السرية والجند قبل القتال بعدد من الوصايا التي لا غنى لهم عنها، كالوصية بتقوى اللَّه وطاعته، والاحتياط والتيقظ، ويحذرهم الشتات والفرقة والإهمال والغفلة، ويأخذ على الجند أن يسمعوا ويطيعوا أميرهم، ولا يختلفوا عليه وينصحوا له، إلى غير ذلك من الآداب التي يحتاجون إلى معرفتها مما يلزم ويحل أو يحرم من أمر القتل والأسر والمغنم ونحو ذلك، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: (وفي هذه الكلمات من الحديث فوائد مجمع عليها، وهي تحريم الغدر، وتحريم الغلول، وتحريم قتل الصبيان إذا لم يقاتلوا، وكراهة المثلة، واستحباب وصية الإمام أمراءه وجيوشه بتقوى اللَّه تعالى، والرفق بأتباعهم، وتعريفهم ما يحتاجون في غزوهم، وما يجب عليهم، وما يحل لهم، وما يحرم عليهم. وما يكره وما يستحب)(2).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (3)، والمالكية (4)، والشافعية (5)،
(1) انظر: "فتح القدير"(4/ 288)، و"البناية"(5/ 648).
(2)
"شرح صحيح مسلم" للنووي (37/ 12).
(3)
انظر: "شرح السير الكبير"(1/ 39).
(4)
انظر: "المفهم"(3/ 511)، و"شرح الزرقاني على موطأ مالك"(3/ 18).
(5)
انظر: "تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام"(1/ 161)، و"روضة الطالبين"(10/ 238).
والحنابلة (1)، والصنعاني (2).
• مستند الإجماع:
1 -
عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى اللَّه ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: "اغزوا باسم اللَّه في سبيل اللَّه، قاتلوا من كفر باللَّه، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال -أو خلال- فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. . . " (3).
• وجه الدلالة: أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لذلك دليل على استحباب بذل الوصية لأمراء الجيش وأمرهم بتقوى اللَّه، وأمر الناس بطاعتهم حتى لا يختلف أمرهم (4).
2 -
أن توصية أمراء الجيوش سنة مضى عليه الخلفاء الراشدون، وأئمة الإسلام من السلف الصالح حيث حفظ لنا التاريخ جملة من تاك الوصايا نورد منها ما يلي:
1 -
أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أوصى يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه حين وجهه إلى الشام، فقال:"يا يزيد! سر على بركة اللَّه، فإذا دخلت بلاد العدو؛ فكن بعيدًا من الحملة؛ فإني لا آمن عليك الجولة، واستظهر في الزاد، وسر بالأدلاء، ولا تقاتل بمجروح؛ فإن بعضه ليس معه، واحترس من البيات. . واقبل من الناس علانيتهم، وكلهم إلى اللَّه عز وجل في سرائرهم، ولا تجسسن عسكرك فتفضحه، ولا تهملنه فتفسده. وأستودعك اللَّه الذي لا تضيع ودائعه"(5).
ب- وكتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما ومَن معه من الأجناد: "أما بعد فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى اللَّه على كل حال؛ فإن تقوى اللَّه أفضلُ العدَّة على العدوّ، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمُرك ومن معك أن تكونوا أشدّ احتراسًا من المعاصي منكم من عدوّكم، فإن ذنوب الجيش أخوفُ عليهم من عدوّهم، وإنما يُنصَرُ المسلمون بمعصية عدوّهم للَّه، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة
(1) انظر: "زاد المعاد"(3/ 100).
(2)
انظر: "سبل السلام"(4/ 46).
(3)
أخرجه مسلم، كتاب "الجهاد" والسير، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها (5/ 139، برقم 4619).
(4)
انظر: "شرح السنة" للبغوي (11/ 7).
(5)
أخرجه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(4/ 356).