الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عُدَّتنا كعدّتهم، فإذا استَوَينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة. ." (1).
ج - وأوصى عبد الملك بن مروان أميرًا سيَّره إلى أرض الروم فقال: "أنت تاجر اللَّه لعباده، فكن كالمضارب الكيِّس الذي إن وجد ربحًا تجر، وإلا تحفظ برأس المال، ولا تطلب الغنيمة حتى تحوز السلامة، وكن من احتيالك على عدوك أشد حذرًا من احتيال عدوك عليك"(2).
ألا ما أروع هذه الوصايا التي تبرز بوضوح الأهداف السامية، والمثل العليا، التي كانت تحملها الجيوش الإسلامية، وهي تفتح القلوب قبل البلدان، وإنها لمصدر فخر واعتزاز للأمة الإسلامية سطرت آداب الحرب وأخلاقيات القتال بمداد من ذهب.
3 -
وأن توجيه الوصية للجيش وأميره أجمع لكلمتهم ورأيهم، وتوحيد صفهم، مما يُبشر بالظفر والنصر بإذن اللَّه.
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على استحباب توصية الأمير والجيش قبل القتال، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
[31/ 10] ما يجب قبل الحرب (دعوة أهل الكتاب قبل القتال وتخييرهم):
• المراد بالمسألة: بيان أن مَنْ عُلِمَ، وتُحقِّق أنه لم تبلغه دعوة الإسلام، ولا عَلِمَ ماذا يراد منه بالقتال، فإنه يجبُ أن يُدعَى إلى الإسلام أو الجزية قبل إعلان القتال عليه، فإن امتنع قوتل حينئذٍ، إلا أنه في حالة معالجة الكفار للمسلمين بالقتال وهجومهم عليهم، فإنهم يقاتلون في هذه الحالة من غير دعوة؛ لضرورة الدفاع عن الأنفس والأعراض، (3) وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: أبو جعفر الطبري (310 هـ) حيث يقول: (أجمعت الحجة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يقاتل أعداءه من أهل الشرك إلا بعد إظهار الدعوة وإقامة الحجة، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر أمراء سراياه بدعوة من لم تبلغه الدعوة)(4).
(1) أورده ابن عبد ربه في "العقد الفريد"(1/ 119)، ولم أقف على من أخرجه مسندًا.
(2)
أخرجه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(4/ 520).
(3)
انظر: "زاد المعاد"(2/ 369)، و"المدونة"(2/ 2)، و"المعونة"(1/ 604).
(4)
"اختلاف الفقهاء"(ص 2).
وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن قتال أهل الكفر بعد دعائهم إلى الإسلام أو الجزية إذا امتنعوا من كليهما جائز)(1).
وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (شرط الحرب بلوغ الدعوة باتفاق، فلا يجوز حربهم حتى تبلغهم الدعوة وذلك شيء مجمع عليه من المسلمين)(2).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (3)، والمالكية (4)، والشافعية (5)، والحنابلة (6).
• مستند الإجماع:
1 -
قول اللَّه تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]
• وجه الدلالة: حيث تضمَّن ظاهرُ الآية الكريمة الأمْرَ بالدعاء إلى الإسلام قبل القتال.
2 -
عن بريدة رضي الله عنه قال: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أمرَّ أميرًا على جيش، أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى اللَّه ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: ". . . وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال فأيتهن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا، فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن باللَّه وقاتلهم. . " (7).
3 -
عن سهلٍ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: "لأُعطينَّ الراية غدًا رجلًا يفتح اللَّه على يديه، يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله"، فبات الناس ليلتهم: أيهم يُعطى، فغدوا، كُلُّهم يرجوه، فقال:"أين عليٌّ؟ "، فقيل: يشتكي عَيْنَيْهِ، فبصق في عينيه، ودعا له؛ فبرأ، كَأَنْ لم يكن به وَجَعٌ، فأعطاه، فقال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: "انْفُذْ على رِسْلِكَ حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب
(1)"مراتب الإجماع"(ص 204).
(2)
"بداية المجتهد"(1/ 389).
(3)
انظر: "شرح السير الكبير"(1/ 57)، و"بدائع الصنائع"(7/ 100).
(4)
انظر: "المعونة"(1/ 394)، و"الذخيرة"(3/ 402).
(5)
انظر: "روضة الطالبين"(10/ 239)، و"البيان"(12/ 120).
(6)
انظر: "المغني"(13/ 30)، و"كشاف القناع"(2/ 369).
(7)
سبق تخريجه.
عليهم، فواللَّه لأَنْ يَهْدِيَ اللَّه بك رجلًا خيرٌ لك من أن تكون لك حُمْرُ النَّعمَ" (1).
• وجه الدلالة من الحديثين: أنه بدأ صلى الله عليه وسلم بالأمر بدعوتهم إلى الإسلام قبل قتالهم، والأمر يقتضي الوجوب، فدل على وجوب دعوتهم أولا إذا لم تبلغهم الدعوة.
4 -
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "ما قاتل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قومًا حتى دعاهم إلى الإسلام"(2).
5 -
إعلامهم بالدعوة إلى الإسلام قبل القتال ماذا يقاتلون عليه؛ فربما ظنوا أن من يقاتلهم لصوص يريدون أموالهم وسبي ذراريهم، فإذا علموا أنهم يقاتلون على الدعوة إلى الدين، ربما أجابوا وانقادوا للحق من غير قتال (3).
• الخلاف في المسألة: ذكر الشوكاني، والصنعاني أن دعوة الكفار قبل القتال لا تجب مطلقًا، ذكراه على أنه قول، ولم يعزياه لأحد (4).
وقال النووي عنه: "إنه باطل"(5).
وقد نسب ابن الملقِّن هذا القول إلى ابن شاهين (385 هـ) حيث قال: (ادعى ابن شاهين في "ناسخه ومنسوخه" نسخ حديث ابن عباس: "ما قاتل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قومًا حتى دعاهم" بحديث ابن عمر هذا (6)، قال: والناسخ هو قول نافع: "إنما كان ذلك في أول الإسلام" وهذا عجيب منه، وقد تعقبه عليه ابن الجوزي الحافظ في كتابه
(1) أخرجه البخاري، كتاب "الجهاد"، باب فضل من أسلم على يديه رجل (3/ 1096، رقم 2847).
(2)
أخرجه أحمد في "مسنده"(1/ 231)، والبيهقي في "سننه الكبرى" (9/ 107) وقال في "مجمع الزوائد" (5/ 552):(أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني، ورجاله رجال الصحيح).
(3)
"المبسوط"(10/ 6)، و"فتح القدير"(5/ 196)، و"المعونة"(1/ 604).
(4)
انظر: "نيل الأوطار"(8/ 53)، و"سبل السلام"(4/ 45).
(5)
"شرح صحيح مسلم"(12/ 36)، وقال:(حكاه المازري والقاضي)، ولم يذكر ما احتجوا به.
(6)
حديث ابن عمر المشار إليه هو: ما جاء عن ابن عون قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، قال: فكتب إلي: إنما كان ذلك في أول الإسلام قد أغار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقَتَلَ مقاتلتهم وسَبَى سبيهم وأصاب يومئذٍ قال يحيى: أحسبه قال: جويرية -أو قال: البتة ابنة الحارث، وحدثني هذا الحديث عبد اللَّه بن عمر وكان فى ذاك الجيش. أخرجه مسلم في "صحيحه"، كتاب "الجهاد" والسير، باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام من غير تقدم الإعلام بالإغارة (5/ 139، برقم 4616).