الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أبو العباس القرطبي (656 هـ) رحمه الله: (فأما إذا قلنا: لم يكن للعدو عهد فينبغي أن يُتحيل على العدو بكل حيلة وتدار عليهم كل خديعة)(1).
2 -
عن كعب مالك رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورى (2) بغيرها"(3).
• وجه الدلالة: أن التورية جائزة في الحرب، وهي من الخديعة، فيدل هذا على جواز خداع الكفار في الحرب.
إلا أن جواز خداع الكفار في الحرب مشروط بألا يكون فيه نقض عهد أو أمان، فإن كان فيه شيء من ذلك فهو محرم (4)، ومستند هذا: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وقوله جل وعلا:{فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 4]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا جمع اللَّه الأولين والآخرين يوم القيامة، يرفع لكل غادر لواء، فقيل: هذه غدرة فلان بن فلان"(5).
• وجه الدلالة من النصوص السابقة: أن خداع الكفار إذا كان فيه نقض عهد أو أمان، فهو غدر وخيانة، وذلك محرم في الشريعة الإِسلامية.
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على جواز خداع الكفار في الحرب ما لم يكن فيه نقض عهد أو أمان؛ فإنه يحرم، حيث لم أجد من خالف في هذه المسألة، وكذلك فإن هذا الإجماع له مستند قوي من النصوص الشرعية. واللَّه تعالى أعلم.
[69/ 48] تحريم الغدر:
• تعريف الغدر:
الغدر لغة: نقض العهد وترك الوفاء به (6).
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.
(1)"المفهم"(3/ 531).
(2)
وَرَّى: ستر، وتستعمل في إظهار شيء مع إرادة غيره. انظر:"فتح الباري"(6/ 138).
(3)
أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من أراد غزوة فورى بغيرها (3/ 1078، رقم 2787).
(4)
انظر: "شرح صحيح مسلم"(12/ 289)، و"طرح التثريب"(7/ 215).
(5)
أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب ما يدعى الناس بآبائهم (5/ 2285، رقم 5823).
(6)
انظر: "لسان العرب"(5/ 8)، مادة (غدر).
• المراد بالمسألة: بيان أن من الغدر المحرم تأمين الحربي ثم قتله، أو أخذ العهد مع أهل الحرب على ترك القتال ثم إذا أمنوا، ووجد منهم غفلة نال منهم، وليس هذا من خداع الحرب بل هو من الغدر، وقد نُقل الإجماع على تحريمه.
• من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال عقب حديث بريدة في تحريم الغلول والغدر والمثلة: (أجمع العلماء على القول بهذا الحديث ولم يختلفوا في شيء منه، فلا يجوز عندهم الغلول ولا الغدر ولا المثلة ولا قتل الأطفال في دار الحرب. والغدر أن يؤمن الحربي ثم يقتل وهذا لا يحل بإجماع)(1).
وابن العربي (543 هـ) حيث يقول: (الغدر حرام في كل ملة لم تختلف فيه شريعة)(2).
والقاضي عياض (656 هـ) حيث يقول: (ولا خلاف في تحريم الغلول، والغدر، وكراهية المثلة)(3).
وابن المناصف (620 هـ) حيث يقول: (وأجمع المسلمون على وجوب الوفاء بعقد الأمان، وتحريم الخيانة فيه)(4).
والنووي (676 هـ) حيث يقول -عند حديث "إذا أمَّر أميرًا على جيش": (وفي هذه الكلمات من الحديث فوائد مجمع عليها وهي تحريم الغدر. .)(5).
والصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: (وتحريم الغدر والنكث مجمع عليه)(6)، وقال أيضًا:(وتحريم الغدر وتحريم المثلة وتحريم قتل صبيان المشركين وهذه محرمات بالإجماع)(7).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (8)، والمالكية (9)، والشافعية (10)، والحنابلة (11).
(1)"التمهيد"(24/ 233)، ونحوه في "الاستذكار"(14/ 80).
(2)
"عارضة الأحوذي"(7/ 76).
(3)
"المفهم"(5/ 512).
(4)
"الإنجاد في أبواب الجهاد"(ص 288).
(5)
"شرح صحيح مسلم"(12/ 37).
(6)
"سبل السلام"(3/ 80).
(7)
المصدر السابق (4/ 46).
(8)
انظر: "السير الكبير"(1/ 266)، و"حاشية ابن عبدين"(3/ 224).
(9)
انظر: "القوانين الفقهية"(ص 162)، و"التمهيد"(24/ 233).
(10)
انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (12/ 37).
(11)
انظر: "المغني"(13/ 195).