الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذراري للفتنة.
• الرابع: أن المجاورين لدار الإسلام إما أن يكونوا أقوياء أو ضعفاء، فإن كانوا أقوياء كان تعرضهم لدار الإسلام أشد وأكثر من تعرض الكفار المتباعدين، والشر الأقوى الأكثر أولى بالدفع، وإن كانوا ضعفاء كان استيلاء المسلمين عليهم أسهل، وحصول عز الإسلام لسبب انكسارهم أقرب وأيسر، فكان الابتداء بهم أولى.
• الخامس: أن وقوف الإنسان على حال من يقرب منه أسهل من وقوفه على حال من يبعد منه، وإذا كان كذلك كان اقتدار المسلمين على مقاتلة الأقربين أسهل لعلمهم بكيفية أحوالهم، وبمقادير أسلحتهم وعدد عساكرهم.
• السادس: أن دار الإسلام واسعة، فإذا اشتغل أهل كل بلد بقتال من يقرب منهم من الكفار كانت المؤنة أسهل، وحصول المقصود أيسر.
• السابع: أنه إذا اجتمع واجبان وكان أحدهما أيسر حصولًا وجب تقديمه، والقرب سبب السهولة، فوجب الابتداء بالأقرب (1).
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة، لعدم الاطلاع على المخالف فيها، واللَّه تعالى أعلم.
[8/ 8] مرتبة الجهاد بين التطوعات:
• المراد بالمسألة: بيان مرتبة تطوع الجهاد والذي لا يصل لحد الوجوب كالمشاركة في الجهاد بعد حصول الكفاية بالمجاهدين، فما هي منزلة هذا النوع من التطوع بالجهاد بين سائر الأعمال التطوعية، وقد نُقل الإجماع على أنه ليس في التطوعات أفضل من الجهاد (2).
• من نقل الإجماع: لم أجد من نقل الإجماع على ذلك سوى شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (اتفق العلماء -فيما أعلم- على أنه ليس في التطوعات أفضل من الجهاد)(3)، وقال أيضًا: (والأمر بالجهاد وذكر فضائله في الكتاب والسنة أكثر من
(1) المصدر السابق. (16/ 182 - 183).
(2)
وهذا في فضل بعض الأعمال على بعض لذاتها، فأما تفضيل، بعض الأعمال على بعض لزمانها أو مكانها فإنه قد يقترن بالعمل المفضول من زمان أو مكان ما يصير به فاضلًا. انظر:"فتح الباري" لابن رجب (4/ 22).
(3)
"مجموع الفتاوى"(28/ 418).
أن يحصر، ولهذا كان أفضل ما تطوع به الإنسان، وكان باتفاق العلماء أفضل من الحج والعمرة ومن الصلاة التطوع والصوم) (1).
• الموافقون على الإجماع: هو المذهب عند الحنابلة (2).
• مستند الإجماع: ما دلَّت عليه النصوص الصحيحة الكثيرة ومنها:
1 -
عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان باللَّه ورسوله". قيل: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل اللَّه". قيل: ثم أي؟ قال: "حج مبرور"(3).
2 -
وعن أبي ذر رضي الله عنه: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: "الإيمان باللَّه والجهاد في سبيله"(4).
3 -
وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الناس مؤمن آخذٌ بعنان فرسه في سبيل اللَّه، ثم رجل معتزل في شِعْبٍ من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره"(5).
قال ابن رجب: (فهذا نص في أن المجاهد أفضل من المتخلي لنوافل العبادات من الصلاة والذكر وغير ذلك)(6).
4 -
ولأن الجهاد بذل المهجة والمال، ونفعه يعم المسلمين كلهم صغيرهم وكبيرهم وقويهم وضعيفهم وذكرهم وأنثاهم، وغيره لا يساويه في نفعه وخطره، فلا يساويه في فضله (7).
• الخلاف في المسألة: اختلف الفقهاء في أي التطوعات أفضل على أقوال منها:
• القول الأول: أفضل التطوعات الصلاة؛ لأنها أعظم القربات؛ ولجمعها أنواعًا من العبادات. وهو المذهب عند الشافعية (8).
• واستدلوا بما يأتي:
1 -
عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على
(1) المصدر السابق (28/ 352).
(2)
"الإنصاف"(10/ 16).
(3)
أخرجه البخاري في كتاب "الحج"، باب الحج المبرور (2/ 553، برقم 1447).
(4)
أخرجه مسلم، كتاب "الإيمان"، باب بيان كون الإيمان باللَّه تعالى أفضل الأعمال. (1/ 62، برقم 260).
(5)
أخرجه البخاري، كتاب "الجهاد والسير"، باب أفضل الناس مؤمن يجاهد (3/ 1026 برقم 2634).
(6)
"فتح الباري" لابن رجب (4/ 121).
(7)
"الشرح الكبير"(10/ 19).
(8)
انظر: "التنبيه"(1/ 34)، و"إعانة الطالبين"(1/ 283).
الوضوء إلا مؤمن" (1).
2 -
ولأنها تجمع من القرب ما لا تجمع غيرها من الطهارة، واستقبال القبلة، والقراءة، وذكر اللَّه عز وجل، والصلاة على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ويمنع فيها من كل ما يمنع منه في سائر العبادات، وتزيد عليها بالامتناع من الكلام، والمشي، وسائر الأفعال (2).
• القول الثانى: طلب العلم أفضل أعمال البر والطاعات. وبه قال بعض علماء الحنفية، (3) والمالكية (4).
• واستدلوا بما يأتي:
1 -
عن أبى هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "ما عُبِدَ اللَّه بشيءٍ أفضل من فقهٍ فى دين، ولفقيهٌ أشدُّ على الشيطان من ألف عابدٍ، ولكل شيءٍ عمادٌ، وعمادُ هذا الدين الفقهُ"(5).
2 -
ولأن طلب العلم والفقه إذا صحت النية أفضل من جميع أعمال البر؛ لأنه أعم نفعًا (6).
• القول الثالث: اتباع الجنائز أفضل التطوعات. وبه قال مجاهد، وغيره (7).
واستدلوا بما روي أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل ما يعمل المرء في يومه شهود جنازة"(8).
• القول الرابع: أن أفضل الطاعات على قدر المصالح الناشئة عنها، فكلما عظمت المصلحة وتعدَّى نفعها كانت هي الأفضل. وبه قال الغزالي، واختاره عز الدين بن
(1) أخرجه ابن ماجه (1/ 102، رقم 278)، قال البوصيرى (1/ 41): إسناده ضعيف من أجل ليث بن أبى سليم، والبيهقي فى "شعب الإيمان"(3/ 37 رقم 2803)، وصححه الألباني بالشواهد. انظر:"إرواء الغليل"(1/ 135).
(2)
"المهذب"(1/ 82).
(3)
"حاشية ابن عابدين"(6/ 407).
(4)
"كفاية الطالب الرباني"(4/ 466).
(5)
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"(2/ 265 برقم 1712)، والدارقطني في "سننه":(3/ 79 برقم 294) وزاد: (فقال أبو هريرة: لأن أجلس ساعة فأفقه أحب إلي من أن أحيي ليلة إلى الغداة)، وضعَّفه الحافظ العراقي في "المغني عن حمل الأسفار"(1/ 14).
(6)
"حاشية ابن عابدين"(6/ 407).
(7)
انظر: "الزهد" لابن المبارك (2/ 1)، و"فتح الباري"(3/ 193).
(8)
ذكره الحطاب في "مواهب الجليل"(2/ 255)، ولم أجد من خرَّجه من أهل الحديث.