الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[179/ 1] الحربي ليس له حكم المحارب:
• تعريف المحارب:
• المحارب في اللغة: لفظ مشتق من الحرابة مصدر حَرِبَ، وحَرَبَه يَحْرُبه: إذا أخذ ماله، والمحارب: الغاصب الناهب (1).
• ويبين ابن عبد البر رحمه الله تعريفه الاصطلاحي بقوله: (كل من قطع السبل وأخافها، وسعى في الأرض فسادًا بأخذ المال، واستباحة الدماء، وهتك ما حرم اللَّه هتكه من المحارم، فهو محارب)(2).
• المراد بالمسألة: بيان أن من قاتل من أجل أخذ المال، أو إخافة السبيل، بأي نوع كان من أنواع القتال، فهو محارب قاطع، كما أن من قاتل المسلمين من الكفار بأي نوع كان من أنواع القتال فهو حربي (3).
وأن الحربي والمحارب لا يستويان في الحكم، فالحربي يُقاتَل حتى يسلم، أو يُعطي الجزية إن كان ممن تقبل منه، وأما المحارب فإنه إن تاب قبل القدرة عليه، فإن العقوبة تسقط عنه فيما بينه وبين اللَّه، ثم ينظر بعد في حقوق من تضرر منه من الآدميين، كما أن حكم الحربي في القتال هو القتل، وإن وقع أسيرًا خُيِّر فيه الإمام بين أمور وهي: القتل، والاسترقاق، والمن (إطلاق سراح الأسير بلا مقابل)، والفداء (تبادل الأسرى أو أخذ المال فدية عنهم)، وفرض الجزية على الرجال القادرين منهم. وأما المحارب فحكمه أن يقتل، أو يصلب، أو تقطع منه الأيدي والأرجل من خلاف، أو ينفى من الأرض، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (وإنما حكم الحربيين القتل في اللقاء كيف أمكن حتى يسلموا، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ومن كان منهم كتابيًّا في قولنا وقول طوائف من الناس. أو من كان منهم من أي دين كان ما لم يكن عربيًّا في قول غيرنا. أو يؤسر فيكون حكمه ضرب العنق فقط بلا خلاف، . . . أو يسترق، أو يطلق إلى أرضه. . . أو يفادى به. . . أو نطلقهم أحرارا ذمة، . . . فهذه أحكام الحربيين بنص القرآن، والسنن الثابتة، والإجماع المتيقن، ولا خلاف في أنه
(1) انظر: "لسان العرب"(1/ 302)، مادة (حرب).
(2)
"الكافي"(1/ 582).
(3)
"السياسة الشرعية"(ص 72).
ليس الصلب، ولا قطع الأيدي والأرجل، ولا النفي، من أحكامهم.) (1).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)، والظاهرية (6).
• مستند الإجماع:
1 -
أمْرُ الشارع في القرآن الكريم بقتال المشركين في كثير من الآيات، دون ذكر هذه العقوبة الخاصة بالمحاربين من (القتل، والصلب. .)، مما يدل على أنها لا تشمل الحربيين، ومن شواهد ذلك قول اللَّه تعالى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]، وقوله سبحانه:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29]، وغيرها من الآيات التي أمرت بقتال المشركين أمرًا مطلقًا، دون ذكر هذه العقوبة.
2 -
قول اللَّه تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} [المائدة: 33] ثم قال سبحانه: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 34].
• وجه الدلالة: أن في الآية دليل واضح أن الحكم الذي ذكره اللَّه في المحاربين يجري في المسلمين والمعاهدين دون المشركين؛ إذ لو كان حكمًا في أهل الحرب من المشركين لوجب أن لا يسقط إسلامهم عنهم إذا أسلموا أو تابوا بعد قدرتنا عليهم ما للمسلمين عليهم من حقوق، وقد أجمع المسلمون أن إسلام المشرك يضع عنه ما كان فعله قبل إسلامه من إتلاف للأموال والدماء. بخلاف المحارب فإنه تلزمه تلك الحقوق، فدلَّ ذلك أن الحكم في الآية لا يشمل أهل الحرب من المشركين (7).
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على أن الحربي ليس له حكم المحارب في إيقاع العقوبة الخاصة بالحرابة عليه، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
(1)"المحلى"(11/ 304).
(2)
انظر: "حاشية ابن عابدين"(3/ 112).
(3)
انظر: "المدونة"(6/ 268)، و"بداية المجتهد"(2/ 491).
(4)
انظر: "روضة الطالبين"(10/ 154).
(5)
انظر: "كشاف القناع"(6/ 146).
(6)
انظر: "المحلى"(11/ 304).
(7)
"جامع البيان"(6/ 225).