الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه، ومن كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يلبس ثوبًا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه" (1).
ولأن الغنيمة مشتركة بين الغانمين وأهل الخمس فلم يجز لواحد الاختصاص بمنفعته كغيره من الأموال المشتركة. فإن دعت الحاجة إلى القتال بسلاحهم فلا بأس (2).
ويمنع الركوب على دوابهم لأنها تتعرض للعطب غالبًا، خلاف السلاح (3).
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على جواز استعمال سلاح الأعداء حال الحرب عند الحاجة؛ لعدم المخالف المعتبر في ذلك.
وغير متحقق بالنسبة لثيابهم ودوابهم؛ لوجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
[108/ 38] استهلاك طعام العدو وعلفه في دار الحرب بغير إذن الإمام:
• المراد بالمسألة: إذا دخل الغزاة المسلمون دار الحرب جاز لهم أن يأكلوا ما يحتاجون إليه من الطعام وما يكون له حكم الطعام: من أعلاف الدواب، وما أشبه ذلك، ولو بغير إذن الإمام. وذلك بشرطين:
أحدهما: الاقتصار بذلك على دار الحرب.
• والثاني: أخذ قدر الحاجة هناك دون ما زاد. وقد نقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: ابن جرير الطبري (310 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن للغزاة أن يأكلوا طعام العدو وأن يعلفوا دوابهم أعلافهم)(4).
وابن المنذر (318) حيث يقول: (أجمع عوام أهل العلم -إلَّا من شذ عنهم- على أن للقوم إذا دخلوا دار الحرب غزاة أن يأكلوا طعام العدو، وأن يعلفوا دوابهم من أعلافهم)(5).
وأبو جعفر الطحاوي (321 هـ) حيث يقول: (قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الآية. ظاهره: أن يكون الجميع غنيمة، إلا أنهم متفقون على إباحة
(1) سبق تخريجه.
(2)
"المغني"(13/ 192).
(3)
انظر: "شرح الزركشي"(3/ 316).
(4)
"اختلاف الفقهاء"(ص 86).
(5)
"الأوسط"(11/ 68).
أكل الأطعمة هناك، وإعلاف الدواب منها، فخص ذلك من الآية، وحكم العموم باق فيما عداها)، نقله عنه الجصاص (370 هـ)(1).
والخطابي (388 هـ) حيث يقول: (لا أعلم خلافًا بين الفقهاء في أن الطعام لا يخمس في جملة ما يخمس من الغنيمة، وإن لواجده أكله ما دام الطعام في حد القلة وعلى قدر الحاجة وما دام صاحبه مقيمًا في دار الحرب)(2).
والقاضي عياض (544 هـ) حيث يقول: (أجمع العلماء على جواز أكل طعام الحربيين ما دام المسلمون في دار الحرب، فيأكلون منه قدر حاجاتهم، ويجوز بإذن الإمام وبغير إذنه، ولم يشترط أحد من العلماء استئذانه). نقله عنه النووي (676 هـ)(3).
وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (أجمع جمهور علماء المسلمين على إباحة أكل الطعام إذا كان للحربيين، ما دام المسلمون في أرض الحرب، يأخذون منه قدر حاجتهم)(4).
وابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (أجمع أهل العلم إلا من شذ منهم على أن للغزاة إذا دخلوا أرض الحرب أن يأكلوا مما وجدوا من الطعام ويعلفوا دوابهم من أعلافهم)(5).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (6)، والمالكية (7)، والشافعية (8)، والحنابلة (9)، والظاهرية (10)، وهو قول الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد (11):
(1)"مختصر اختلاف العلماء"(3/ 463).
(2)
"معالم السنن"(2/ 195).
(3)
"شرح النووي على صحيح مسلم"(12/ 102).
(4)
"الاستذكار"(14/ 120). وانظر: "الأوسط"(11/ 77).
(5)
"المغني"(13/ 126).
(6)
انظر: "تحفة الفقهاء"(3/ 300)، و"بدائع الصنائع"(9/ 494).
(7)
انظر: "المعونة"(2/ 610)، و"الكافي"(1/ 471).
(8)
انظر: "روضة الطالبين"(10/ 261)، و"مغني المحتاج"(4/ 231).
(9)
انظر: "المغني"(13/ 126)، و"الفروع"(6/ 198).
(10)
انظر: "المحلى"(7/ 213).
(11)
انظر: "الأوسط"(11/ 69)، و"نيل الأوطار"(7/ 294).
أنه لا بأس أن يؤكل الطعام والعلف في دار الحرب بغير إذن الإمام.
• مستند الإجماع: عن ابن عمر قال: "كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب، فنأكله ولا نرفعه"(1).
وعن عبد اللَّه بن مغفل، قال:"أصبت جرابًا من شحم يوم خيبر، قال: فالتزمته، فقلت: لا أعطي اليوم أحدًا من هذا شيئًا قال: فالتفت فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم متبسمًا"(2).
عن محمد بن أبي مجالد، عن عبد اللَّه بن أبي أوفى، قال: قلت: هل كنتم تخمسون -يعني: الطعام- في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "أصبنا طعامًا يوم خيبر، فكان الرجل يجيء ويأخذ منه مقدار ما يكفيه، ثم ينصرف"(3).
• وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: حيث أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم في أكلهم وانتفاعهم بما وجدوه في أرض الحرب، وعدم استئذانهم في ذلك.
وعن عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: "كلوا واعلفوا ولا تحملوا"(4).
• وجه الدلالة: فيه التصريح بالرخصة في الأكل وأعلاف الدواب، بشرط عدم الحمل، بمعنى أن الانتفاع محصور ما داموا بدار الحرب.
ولأن الحاجة تدعو إلى هذا، وفي المنع منه مضرة بالجيش وبدوابهم، فإنه يعسر عليهم نقل الطعام والعلف من دار الإسلام، ولا يجدون بدار الحرب ما يشترونه، ولو وجدوه لم يجدوا ثمنه، ولا يمكن قسمة ما يأخذه الواحد منهم، ولو قسم لم يحصل
(1) أخرجه البخاري في "صحيحه" في كتاب الجزية والموادعة، باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب (3/ 1149، برقم 2985).
(2)
أخرجه مسلم في "صحيحه" في كتاب الجهاد والسير (باب جواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب (5/ 163، برقم 4704).
(3)
أخرجه أبو داود في "سننه" كتاب الجهاد، باب في النهي عن النُّهبى إذا كان في الطعام قلَّةٌ في أرض العدو (3/ 66، رقم 2704)، وأخرجه أحمد في "مسنده"(4/ 354)، وصححه ابن الملقن في "البدر المنير"(9/ 136).
(4)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"، كتاب السير باب ما فضل في يده من الطعام والعلف في دار الحرب (9/ 61، رقم: 17783)، وقال البيهقي:(في إسناده ضعف).