الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعيني (855 هـ) حيث يقول: (وفيه: قتل الجاسوس الحربي، وعليه الإجماع)(1)، ونقله الحافظ ابن حجر (852 هـ)(2)، والشوكاني (1250 هـ)(3).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (4)، والمالكية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة (7).
• مستند الإجماع:
1 -
عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم عينٌ (8) من المشركين -وهو في سفر- فجلس عند أصحابه يتحدث، ثم انفتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اطلبوه واقتلوه، فقتلته"، فقال: "من قتل الرجل؟ " فقالوا: ابن الأكوع، فقال: "له سلبه أجمع" (9).
• وجه الدلالة: أنه نص صحيح صريح في قتل الجاسوس الحربي الكافر.
2 -
أن في قتله مصلحة عظيمة للمسلمين، بل لا يندفع شره إلا بقتله؛ وذلك لعظم إفساده وإطلاعه على عورات المسلمين، ولا سيما أنه كافر حربي مهدر الدم، فكيف إذا أنضاف إلى ذلك التجسس (10).
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على قتل الجاسوس الكافر الحربي، حيث لم أقف على من خالف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم.
[183/ 5] الجاسوس المسلم يُعزَّر، ولا يقتل:
• المراد بالمسألة: إذا تجسَّس أحد المسلمين لصالح الأعداء؛ طمعًا، أو لأي سبب
(1)"عمدة القاري"(14/ 297).
(2)
"فتح الباري"(6/ 169).
(3)
"نيل الأوطار"(8/ 155).
(4)
انظر: "السير الكبير"(1/ 100)، و"الخراج"(ص 26).
(5)
انظر: "الشرح الكبير" للدردير (2/ 182)، و"مواهب الجليل"(3/ 357).
(6)
انظر: "الأم"(4/ 188)، و"تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام"(ص 237).
(7)
انظر: "الكافي" لابن قدامة (4/ 370)، و"المبدع"(3/ 394).
(8)
سمي الجاسوس عينًا؛ لأن جل عمله بعينه، أو لشدة اهتمامه بالرؤية واستغراقه فيها، كأن جميع بدنه صار عينًّا. انظر:"فتح الباري"(6/ 168).
(9)
أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان، (3/ 1110، برقم 2886).
(10)
انظر: "فتح الباري"(6/ 169).
عارض، فإن تجسسه لا يُخرجه عن الإسلام، ولا يُباح من أجله قتله، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• الناقلون للإجماع: أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) حيث يقول: (لم يختلفوا أن المسلم لو فعل ذلك -أي التجسس- لم يُبح دمه)، نقله عنه أبو بكر الجصاص (370 هـ)(1)، والحافظ ابن حجر (852 هـ) مقرًّا له (2).
• الموافقون للإجماع: وافق على أن الجاسوس المسلم يُعزَّر ولا يُقتل: الحنفية (3)، وبعض المالكية (4)، والشافعية (5)، وظاهر مذهب الحنابلة (6)، والأوزاعي، وابن القيم (7).
• مستند الإجماع: عن علي رضي الله عنه قال: "بعثني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد ابن الأسود قال: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ (8)، فإن بها ظعينة (9) ومعها كتاب، فخذوه منها". فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي من كتاب. فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب. فأخرجته من عقاصها (10)، فأتينا به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يا حاطب، ما هذا؟ ". قال: يا رسول اللَّه، لا تعجل علي، إني كنت امرأً ملصقًا في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة، يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم،
(1)"مختصر اختلاف العلماء"(3/ 451).
(2)
"فتح الباري"(12/ 310).
(3)
انظر: "الخراج"(ص 206)، و"شرح السير الكبير"(5/ 2040).
(4)
انظر: "تبصرة الحكام"(2/ 194)، و"الجامع لأحكام القرآن"(18/ 35).
(5)
انظر: "الأم"(4/ 166)، و"شرح صحيح مسلم"(12/ 67).
(6)
انظر: "الإنصاف"(10/ 189)، و"الفروع"(10/ 117).
(7)
انظر: "زاد المعاد"(2/ 189)، و"فقه الأوزاعي"(2/ 407).
(8)
روضة خاخ: موضع بقرب حمراء الأسد، بين مكة والمدينة بقرب المدينة. انظر:"فتح الباري"(12/ 307).
(9)
الظَّعِينة من الظعن وهو الرحل، وهي: المرأة في الهودج، ثم أطلق على المرأة مطلقًا. قيل: سميت المرأة ظعينة؛ لأنها تركب الظعين وهو الهودج. انظر: "فتح الباري"(12/ 307).
(10)
عقاصها: هي ذوائبها المضفورة. انظر: "فتح الباري"(6/ 191).
أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفرًا، ولا ارتدادًا، ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"لقد صدقكم". قال عمر: يا رسول اللَّه دعني أضرب عنق هذا المنافق. قال: "إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل اللَّه أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم، فقد كفرت لكم؟ "(1).
• وجه الدلالة: لو أن عمل حاطب يستوجب القتل كفرًا أو حدًّا لما تركه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وانتماؤه إلى أهل بدر لا يمنع ذلك، لذا فإن المسلم إذا تجسَّس للكفار على المسلمين، كأن يكتب بعورات المسلمين، وأقر بذلك، فإنه لا يُقتل. لكن أمره إلى الإمام يُعزِّره بما يرى أنه يردعه.
• الخلاف في المسألة: وخالف في ذلك بعض العلماء على قولين:
• القول الأول: يرى المالكية في المذهب عندهم (2)، وبعض الحنابلة (3): أن المسلم إذا صار عينًا للأعداء، فإنه يمتل.
• وحجتهم: حديث حاطب المتقدم، حيث لم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكونه من أهل بدر، لا لكونه مسلمًا فقط. والجاسوس بإضراره بالمسلمين، وسعيه بالفساد في الأرض، أضر من المحاربين (4).
• القول الثاني: ذهب ابن الماجشون من المالكية (5): إلى أنه يُقتل في حالة تكرار التجسس، واتخاذه عادة.
• وحجتهم: أن المرء لا يكون جاسوسًا بالفعل إلا إذا تكرر منه التجسس، واتخذه عادةً له، ولهذا يؤاخذ حاطب رضي الله عنه، لفعله مرة واحدة ولم يتكرر منه، ولهذا لم يقتله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
النتيجة:
أن الإجماع غير متحقق على أن الجاسوس المسلم يُعزَّر، ولا يقتل، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
(1) أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الجاسوس (3/ 1095، برقم 2845).
(2)
انظر: "مواهب الجليل"(3/ 357)، و"شرح الخرشي على مختصر خليل"(3/ 119).
(3)
انظر: "الإنصاف"(10/ 189)، و"الفروع"(10/ 117).
(4)
انظر: "زاد المعاد"(2/ 76).
(5)
انظر: "تبصرة الحكام"(2/ 194)، و"مواهب الجليل"(3/ 357).