الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
ولأن عقد الذمة بدل وخلف عن الإسلام في أحكام الدنيا. من حيث عصمة النفس والمال، فلم يملك المسلمون نقضه ما أقام الذميون على ما عوهدوا عليه.
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على أن عقد الذمة عقد لازم بالنسبة للمسلمين لا يملكون نقضه ما دام أن الذميين مقيمون على ما عاهدوا عليه، ولم يخالف في ذلك أحد فيما علمت، واللَّه تعالى أعلم.
[223/ 5] شمول عقد الذمة:
• المراد بالمسألة: بيان أن عقد الذمة يشمل أولاد أهل الذمة، ومن تناسل منهم عن طريق التبع، وتجري عليهم أحكامه، ولا يحتاج إلى تجديده مع من حدث معهم، فهم أهله بالعقد الأول الذي عقده آبائهم.
وقد نُقل الإجماع في ذلك.
والقول في هذه المسألة مِنْ حيث مَنْ نقل الإجماع، والموافقون عليه، ومستندهم، والخلاف في المسألة، والنتيجة، كالقول في المسألة السابقة في الفصل الخاص بالجزية وهي مسألة:
(أولاد أهل الجزية يجري عليهم الحكم الذي عقده أجدادهم، ولا يحتاجون إلى تجديده).
النتيجة:
أن الإجماع غير متحقق على أن أولاد أهل الجزية يجري عليهم الحكم الذي عقده أجدادهم ولا يحتاجون إلى تجديده؛ لوجود الخلاف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم.
[224/ 6] عقد الذمة يرتب للذمي الحق في عصمة دمه وماله وأهله، والدفاع عنه، وتحريم ظلمه:
• المراد بالمسألة: بيان أن أهل الذمة إذا التزموا ما وجب عليهم بعقد الذمة فلهم من المسلمين: الوفاءُ بالأمان، والحمايةُ ممن أرادهم بِعُدوان، ولهم بذلك على المسلمين عهدُ اللَّه وذمَّتُه؛ لا تَحِلُّ دماؤهم، ولا أموالهم، ولا بغي أو ظلم عليهم في وجه من الوجوه، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: الطبري (310 هـ) حيث يقول: (وقد أجمعوا على أنه يجب على الإمام أن يدفع عنهم من أرادهم بظلم، وأراد حربهم من الأعداء)(1).
وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا -وذكر إذا بذل أهل الذمة الجزية، والتزموا بالشروط العمرية المذكورة سابقًا- فإذا فعلوا كل ما ذكرنا، ولم يبدلوا ذلك الدين الذي صولحوا عليه بين الإسلام، فقد حرمت دماء كل من وفَّى بذلك، وماله وأهله وظلمه)(2).
والقرافي (684 هـ) حيث يقول: (والذي إجماع الأمة عليه، أن من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك، صونًا لمن هو في ذمة اللَّه تعالى، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن تسليمه دون ذلك، إهمال لعقد الذمة، ومنها: أن من اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء، أو غيبة في عرض أحدهم، أو نوع من أنواع الأذية، أو أعان على ذلك، فقد ضيع ذمة اللَّه تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذمة دين الإسلام، تعين علينا أن نبرهم بكل أمر لا يؤدي إلى أحد الأمرين: أحدهما: ما يدل ظاهره على مودات القلوب، وثانيهما: ما يدل ظاهره على تعظيم شعائر الكفر)(3).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (4)، والمالكية (5)، والشافعية (6) والحنابلة (7).
• مستند الإجماع:
1 -
لما كان من أهم ما يتمتع به الذمي بعقد الذمة في ظل الإسلام هو الحماية التامة في النفس والمال والأهل، كان الوفاء بذلك من أعظم
(1)"اختلاف الفقهاء"(ص 240).
(2)
"مراتب الإجماع"(ص 196).
(3)
"الفروق مع هوامشه"(3/ 29)، وآثرت نقل كلام القرافي على طوله؛ لكونه يبين بجلاء عظمة هذا الدين الإسلامي في رعاية الذمام وحفظ العهود، والحرص الشديد على ذلك، ولولا خشية الإطالة لسقت عشرات المواقف الرائعة لأهل الإسلام التي تؤكد احترام المسلمين لنفوس الذميين وأموالهم، وعدم الاعتداء عليهم.
(4)
انظر: "شرح السير الكبير"(4/ 1530)، و"فتح القدير"(4/ 369).
(5)
انظر: "شرح الخرشي على مختصر خليل"(3/ 149)، و"الذخيرة"(2/ 137).
(6)
انظر: "أسنى المطالب"(4/ 218)، و"حاشية قليوبي وعميرة"(4/ 235).
(7)
انظر: "المغني"(13/ 212).