الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وجه الدلالة: أن فيه التصريح بأن شان الرسل لا يقتلون في الإسلام، وعليه مضت سنة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم مهما صدر منهم.
3 -
وعن سعيد بن جبير قال: "جاء رجل من المشركين إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: يا خليفة المسلمين، إن أراد الرجل منا أن يأتي بحاجة قتل، فقال علي رضي الله عنه: لا، لأن اللَّه تبارك وتعالى يقول: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] "(1).
• وجه الدلالة: حيث استدل الصحابي الجليل خليفة المسلمين علي رضي الله عنه بعدم جواز قتل المشرك القادم في حاجة إلى دار الإسلام بتلك الآية، ومن الحاجات التي يقدم إليها المشركون لدار الإسلام تبليغ الرسائل.
4 -
أنه يجب الوفاء بالعهد للكفار كما يجب للمسلمين، والرسالة التي يحملها الرسول إلى المسلمين تقتضي جوابًا يصل على يد الرسول، فكان ذلك بمنزلة عقد العهد (2).
5 -
أن الحاجة تدعو إلى ذلك؛ فإننا لو قتلنا رسلهم لقتلوا رسلنا، فتفوت مصلحة المراسلة والسفارة بين الطرفين. ومن المعلوم أن الرسل هم مفاتيح العلاقات بين الدول، وهم وسائطها في حل الخلافات، فضلًا عن أن قتلهم ضرب من ضروب الغدر، فوجب صيانتهم وتجنب قتلهم.
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على تحريم قتل رسل الأعداء، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
[46/ 25] تحريم قتل نساء العدو وصبيانهم إذا لم يقاتلوا:
• المراد بالمسألة: بيان أنه لا يجوز قتل نساء العدو وصبيانهم إذا لم يقاتلوا، وقد حكي إجماع العلماء على ذلك.
• وممن نقل الإجماع: الجصاص (370 هـ) حيث قال: (لا خلاف أن قتل النساء والذراري محظور)(3).
(1)"الجامع لأحكام القرآن"(8/ 139).
(2)
انظر: "نيل الأوطار"(8/ 35).
(3)
"أحكام القرآن"(1/ 354).
وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أنه لا يحل قتل صبيانهم ولا نسائهم الذين لا يقاتلون)(1).
وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (وأجمع العلماء على القول بذلك، ولا يجوز عندهم قتل نساء الحربيين، ولا أطفالهم، لأنهم ليسوا ممن يقاتل في الأغلب)(2). وقال أيضًا عقب حديث بريدة في تحريم الغلول والغدر والمثلة: (أجمع العلماء على القول بهذا الحديث ولم يختلفوا في شيء منه فلا يجوز عندهم الغلول ولا الغدر ولا المثلة ولا قتل الأطفال في دار الحرب)(3).
والقاضي عياض (544 هـ) حيث يقول: (أجمع العلماء على الأخذ بهذا الحديث في ترك قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا)(4).
وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (وكذلك لا خلاف بينهم في أنه لا يجوز قتل صبيانهم ولا قتل نسائهم، ما لم تقاتل المرأة والصبي. . .)(5).
والنووي (676 هـ) حيث يقول: (أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث (6) وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا) (7).
وابن دقيق العيد (704 هـ) حيث يقول: (هذا (8) حكم مشهور متفق عليه فيمن لا يقاتل. . .) (9).
وشيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (ولا تقتل نساؤهم إلا أن يقاتلن بقول أو عمل باتفاق العلماء)(10).
وابن جماعة الكناني (733 هـ) حيث يقول: (والأصح: أن الراهب والشيخ الضعيف والأعمى والمزمن، يقتلون أيضًا بكل حال، وقيل: إن لم يكن لهم رأي في الحرب، ولم يقاتلوا، أما إذا قاتلوا أو كان لهم رأي في الحرب قتلوا بلا خلاف)(11).
(1)"مراتب الإجماع"(201).
(2)
"الاستذكار"(5/ 24)، و"التمهيد"(10/ 56).
(3)
"التمهيد"(24/ 233).
(4)
"إكمال المعلم بفوائد مسلم"(6/ 48).
(5)
"بداية المجتهد"(1/ 371).
(6)
يعني: حديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان. انظر: "شرح صحيح مسلم"(12/ 292).
(7)
المصدر السابق.
(8)
يعني: تحريم قتل النساء والصبيان.
(9)
"أحكام الأحكام"(2/ 310).
(10)
"مجموع الفتاوى"(28/ 414).
(11)
"تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام"(1/ 182).
والحطاب (954 هـ) حيث يقول: (وأما النساء فإن كففن أذاهن عن المسلمين ولَزَمْنَ قَعْرَ بيوتهن فلا خلاف (1) في تحريم قتلهن) (2).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (3)، والمالكية (4)، والشافعية (5)، والحنابلة (6).
• مستند الإجماع على تحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا:
1 -
قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)} [البقرة: 190].
• وجه الدلالة: حيث قال بعض السلف: ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان وأشباههم، لأنهم لا مقاتلة منهم في العادة فلا يقاتلون (7).
2 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم، فنهى صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان"(8).
• وجه الدلالة: أن الحديث نص صريح على النهي عن قتل النساء والصبيان، لكونهم يعتزلون الحرب، ولا يقاتلون في الغالب.
3 -
أن النساء والصبيان ليسوا في العادة ممن يقاتلون فلا يقتلون، وليس من غرض الشارع قصد إتلاف النفوس، وإنما غرضه إصلاح العالم، وذلك يحصل بقتل المقاتلين، أما من لا يقاتلون فلا نفع بقتلهم، ولا ضرر باستبقائهم، بل استبقاؤهم فيه نفع راجح.
4 -
أن النساء والصبيان غنيمة للمسلمين ينتفع بهم رقيقًا وخدمًا وفداءً، فلا ينبغي
(1) وقع تصحيف إلى فلا خوف (4/ 543) والصواب ما أثبتناه.
(2)
"مواهب الجليل"(3/ 351).
(3)
انظر: "الدر المختار"(3/ 244)، و"فتح القدير"(4/ 292).
(4)
انظر: "مواهب الجليل"(3/ 351)، و"حاشية الدسوقي"(2/ 176).
(5)
انظر: "منهاج الطالبين"(218/ 4)، و"مغني المحتاج"(4/ 222).
(6)
انظر: "المغني"(13/ 177)، و"المبدع"(3/ 322).
(7)
انظر: "الجامع لأحكام القرآن"(2/ 348).
(8)
أخرجه البخاري، كتاب "الجهاد والسير"، باب قتل النساء في الحرب (3/ 1098، رقم 2852).
قتلهم إذا اعتزلوا القتال (1).
• الخلاف في المسألة: أورد الحازمي (584 هـ) قولًا بجو از قتل النساء والصبيان، ولم يعزه لأحد (2).
قال الحافظ ابن حجر: (وحكى الحازمي قولًا بجواز قتل النساء والصبيان على ظاهر حديث الصعب (3)، وزعم أنه ناسخ لأحاديث النهي، وهو غريب) (4).
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على تحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا، لعدم المخالف المعتبر.
وأما ما حكاه الحازمي فلا يقدح في الإجماع لأمور:
1 -
أنه قولٌ لا يُعرف قائله.
2 -
أن الأئمة: الجصاص، وابن حزم، وابن عبد البر قد حكوا الإجماع، وهم متقدمون على الإمام الحازمي، فالقول الذي نقله الحازمي مردود، لأنه محجوج بالإجماع المنعقد قبله، وحكاه ابن رشد، وابن هبيرة، وهما في عصر الحازمي.
3 -
أن حديث الصعب محمول على حال البيات وهو مستثنى من عدم جواز قتلهم كما سيأتي بيانه فيما يأتي.
• ذكر الفقهاء حالات يجوز فيها قتل النساء والصبيان، وإن لم يقاتلوا، ومن ذلك:
1 -
أنه يجوز قتل النساء والصبيان في البيات (5)، لكن من غير تعمد وتقصد لهم، وهذا قول جمهور العلماء (6)، بل قال الإمام أحمد رحمه الله: (لا نعلم أحدًا كره بيات
(1) انظر لهذه الأوجه وغيرها من المصالح في عدم جواز قتل النساء والصبيان في كتاب "قضايا فقهية في العلاقات الدولية"(ص 224 - 225).
(2)
"الاعتبار في الناسخ والمنسوخ"(ص 212).
(3)
وحديث الصعب بن جثامة هر ما قال فيه: "مر بي النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء أو بودان، وسئل عن أهل الدار يبيتون من المشركين فيصاب من نسائهم وذراريهم، قال: "هم منهم" أخرجه البخاري، كتاب "الجهاد"، باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري (3/ 1097، برقم 2850).
(4)
"فتح الباري"(6/ 148).
(5)
البيات: هي الإغارة على العدو ليلًا بحيث لا يعرف الرجل من المرأة والصبي. انظر: "شرح صحيح مسلم"(12/ 294).
(6)
انظر: "المفهم"(3/ 529)، و"المغني"(13/ 140)، و"المحلى"(5/ 348)، و"الموسوعة الفقهية"(16/ 161).