الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودليل انعقاد الأمان بالإشارة المفهمة ما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: "واللَّه لو أن أحدكم أشار بأصبعه إلى السماء إلى مشرك، فنزل إليه على ذلك، فقتله؛ لقتلته به"(1).
5 -
ولأن الكفار في الغالب لا يفهمون كلام المسلمين، والمسلمون لا يفهمون كلامهم، فدعت الحاجة إلى التكليم بالإشارة (2). ولأن المراد الإشعار بالتأمين بكل شيء يحصل به الشعور (3).
6 -
ودليل انعقاد الأمان بالكتابة، لأن الكتاب أحد البيانين (4)، وقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه من مكاتبة ملوك الكفر يدعوهم إلى الإسلام.
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على انعقاد الأمان بأي لفظ أو إشارة مفهومة تدل عليه، لعدم وجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
[165/ 9] جواز إعطاء الأمان لمعرفة الإسلام، أو لمن يريد سماع كلام اللَّه:
• المراد بالمسألة: إذا طلب الكافر الحربي الأمان من المسلمين، لغرض معرفة الإسلام وشرائعه وأحكامه، أو لأن يسمع كلام اللَّه تعالى، وجب أن يُعطى الأمان لذلك، فإن أسلم وإلا وجب رده إلى مأمنه الذي جاء منه، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (ومن طلب الأمان ليسمع كلام اللَّه ويعرف شرائع الإسلام وجب أن يعطاه، ثم يرد إلى مأمنه لا نعلم في هذا
= (5/ 219 - 220 رقم 9429) وكلمة: (مترس): بفتح الميم وتشديد المثناة وإسكان الراء بعدها مهملة. ومعنى مَتَّرْس -بالفارسية-: لا تخف. وكذلك: لا تدْهل -بالقبطية- بمعنى: لا تخف. انظر: "فتح الباري"(6/ 275).
(1)
أخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(2/ 270 رقم 2597). وابن المنذر في "الأوسط"(11/ 264) وروى مالك (رقم 519) نحوه، عن رجل مبهم. وقال يحيى: سمعت مالكًا يقول: ليس هذا الحديث بالمجتمع عليه، وليس عليه العمل. اهـ. يعني: قتل المسلم بالمشرك. وذكره الحافظ في "التلخيص"(2/ 121)، وعزاه لابن أبي شيبة من طريق مجاهد عن عمر. وسكت عليه.
(2)
انظر: "المغني"(13/ 194).
(3)
"السيل الجرار"(4/ 569).
(4)
انظر: "شرح السير الكبير"(1/ 359).
خلافا) (1).
والقرطبي (671 هـ) حيث يقول: (قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} أي من الذين أمرتك بقتالهم. {اسْتَجَارَكَ} أي سأل جوارك، أي أمانك وذمامك، فأعطه إياه ليسمع القرآن، أي: يفهم أحكامه وأوامره ونواهيه. فإن قبل أمرًا فحسن، وإن أبى فرده إلى مأمنه. وهذا ما لا خلاف فيه. واللَّه اعلم)(2).
وابن مفلح (793 هـ) حيث يقول: (إذا طلب الكافر الأمان ليسمع كلام اللَّه ويعرف شرائع الإسلام لزم إجابته، ثم يرد إلى مأمنه بغير خلاف نعلمه للنص، قال الأوزاعي: هي إلى يوم القيامة)(3).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (4)، والمالكية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة (7). وبه قال قتادة ومكحول والأوزاعي وكتب عمر بن عبد العزيز بذلك إلى الناس (8).
• مستند الإجماع:
1 -
قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)} [التوبة: 6].
• وجه الدلالة: أن الآية نص في وجوب إعطاء الأمان لمن يريد سماع الشريعة، ومعرفة الإسلام، ووجوب إبلاغه مأمنه بعد السماع. وعللَّ اللَّه ذلك بقوله سبحانه:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} .
2 -
وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعطي الأمان لمن جاءه مسترشدًا (9).
النتيجة:
أن الإجماع متحقق في وجوب إعطاء الأمان لمن طلبه ليسمع كلام اللَّه، ويعرف شرائع الإسلام، لعدم وجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
(1)"المغني"(13/ 79).
(2)
"الجامع لأحكام القرآن"(8/ 76).
(3)
"المبدع"(3/ 302).
(4)
انظر: المحيط البرهاني (5/ 219)، و"أحكام القرآن" للجصاص (6/ 105).
(5)
انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (3/ 103).
(6)
انظر: "الأم"(4/ 190)، و"الأوسط"(11/ 267).
(7)
انظر: "كشاف القناع"(3/ 98)، و"شرح منتهى الإرادات"(1/ 653)، و"حاشية الروض المربع"(4/ 296)
(8)
"المغني"(13/ 79).
(9)
انظر: "جامع البيان في تأويل القرآن"(14/ 139).