الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا
(73)}
نزول الآية:
43636 -
عن عبد الله بن عباس، قال: إنّ أُمَيَّةَ بنَ خلفٍ، وأبا جهلِ بنَ هشامٍ، ورجالًا مِن قريشٍ أتَوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: تعالَ، فتمسَّحْ بآلهتِنا، ونَدْخُلَ معك في ديِنك. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتدُّ عليه فِراقُ قومِه، ويُحِبُّ إسلامَهم، فرقَّ لهم؛ فأنزَل الله:{وإن كادُوا لَيَفتِنُونَكَ} إلى قوله: {نَصِيرًا}
(1)
. (9/ 406)
43637 -
عن جابر بن عبد الله -من طريق الكلبيِّ، عن باذانَ-، مثلَه
(2)
. (9/ 407)
43638 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق العوفي- أنّ ثقيفًا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أجِّلْنا سنةً حتى يُهدى لآلهَتِنا، فإذا قبَضْنا الذي يُهدى للآلهةِ أحرَزْناه، ثم أسلَمْنا، وكسَّرنا الآلهةَ. فهمَّ أن يُؤَجِّلَهم؛ فنزلت:{وإن كادُوا لَيَفتِنُونَكَ} الآية
(3)
. (9/ 408)
43639 -
قال عبد الله بن عباس: قدِم وفدُ ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نبايعك على أن تعطينا ثلاث خصال. قال: «وما هُنَّ؟» قالوا: أن لا ننحني -أي: في الصلاة-، ولا نكسر أصنامنا بأيدينا، وأن تمتعنا باللات سنة من غير أن نعبدها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود، وأما أن تكسروا أصنامكم بأيديكم فذاك لكم، وأما الطاغية -يعني: اللات والعزى- فإني غير مُمَتِّعكم بها» . فقالوا: يا رسول الله، إنّا نُحِبُّ أن تسمع العربُ أنك أعطيتنا ما لم تعطِ غيرنا، فإن خشيت أن تقول العرب: أعطيتهم ما لم تعطنا. فقل: اللهُ أمرني بذلك. فسكت
(1)
عزاه السيوطي إلى ابن إسحاقَ، وابن أبي حاتم، وابن مَرْدُويَه.
قال ابن الجوزي في زاد المسير 5/ 67 - 68: «وهذا باطل، لا يجوز أن يُظَنَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ما ذكرنا عن عطية من أنه هم أن ينظرهم سنة، وكل ذلك محال في حقه وفي حق الصحابة أنهم رووا عنه ذلك» .
(2)
عزاه السيوطي إلى ابن مَرْدُويَه.
(3)
أخرجه ابن جرير 15/ 14 - 15. وعزاه السيوطي إلى ابن مَرْدُويَه.
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فطمِع القوم في سكوته أن يعطيهم ذلك؛ فأنزل الله عز وجل هذه الآية
(1)
[3886]. (ز)
43640 -
عن سعيد بن جبير -من طريق جعفر- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلِمُ الحجرَ، فقالوا: لا نَدَعُك تستلِمُه حتى تُلِمَّ بآلهتِنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما عليَّ لو فعلتُ واللهُ يعلمُ مني خلافَه؟» . فأنزَل الله: {وإن كادُوا لَيَفتِنُونَكَ} إلى قوله: {نَصِيرًا}
(2)
. (9/ 407)
43641 -
قال مجاهد بن جبر: مدح آلهتهم، وذكرها، ففرِحوا
(3)
. (ز)
43642 -
عن محمد بن كعب القرظي، قال: أنزَل الله: {والنَّجِمِ إذا هَوى} ، فقرَأ عليهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية:{أفَرَءَيتُمُ الَّلاتَ والعُزى} [النجم: 19]. فأَلْقى عليه الشيطانُ كلمتين: تلك الغرانيقُ العُلا، وإنّ شفاعتَهنَّ لتُرتَجى. فقرَأ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ما بَقِي مِن السورة، وسجَد؛ فأنزَل الله:{وإن كادُوا لَيَفتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أوحَينا إلَيكَ} الآية. فما زال مهمومًا مغمومًا حتى أنزل الله: {وما أرسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ ولا نَبِيٍ} الآية [الحج: 52]
(4)
. (9/ 407)
43643 -
عن محمد بن عمر، قال: حدَّثني يونس بن محمد بن فُضالة الظفري، عن أبيه، قال: وحدَّثني كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، قالا: رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من قومه كفًّا عنه، فجلس خاليًا، فتمنّى، فقال: ليته لا ينزل على شيء ينفرهم عني! وقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، ودنا منهم، ودنوا منه، فجلس يومًا مجلسًا في نادٍ مِن تلك الأندية حول الكعبة، فقرأ عليهم:{والنجم إذا هوى} حتى إذا بلغ: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} [سورة النجم: 19 - 20]. ألقى الشيطان كلمتين على لسانه: تلك الغرانيق العُلا، وإنّ شفاعتهن لتُرتجى. فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما، ثم مضى، فقرأ السورة كلها، وسجد، وسجد القوم جميعًا، ورفع الوليد بن المغيرة ترابًا إلى جبهته فسجد عليه، وكان شيخًا كبيرًا لا يقدر على
[3886] عَلَّقَ ابنُ عطية (5/ 519) على هذا القول بقوله: «يلزم قائل هذا القول أن يجعل الآية مدنية، وقد رُوِي ذلك، ورَوى قائلو الأقوال الأُخر أنها مكّيّة» .
_________
(1)
أورده الثعلبي 6/ 117 - 118، والبغوي في تفسيره 5/ 111 واللفظ له.
(2)
أخرجه ابن جرير 15/ 13 بنحوه. وعزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.
(3)
تفسير الثعلبي 6/ 117.
(4)
عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.
السجود. ويُقال: إنّ أبا أحيحة سعيد بن العاص أخذ ترابًا فسجد عليه، رفعه إلى جبهته، وكان شيخًا كبيرًا، فبعض الناس يقول: إنما الذي رفع التراب الوليد. وبعضهم يقول: أبو أُحيحة. وبعضهم يقول: كلاهما جميعًا فعل ذلك. فرضوا بما تكلَّم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: قد عرفنا أنّ الله يُحيي ويُميت، ويخلُق ويرزُق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، وأمّا إذ جعلتَ لها نصيبًا فنحن معك. فكبُر ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم حتى جلس في البيت، فلمّا أمسى أتاه جبريل عليه السلام، فعرض عليه السورة، فقال جبريل: ما جئتك بهاتين الكلمتين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلت على الله ما لم يقل. فأوحى الله إليه: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذًا لاتخذوك خليلًا} إلى قوله: {ثم لا تجد لك علينا نصيرًا}
(1)
. (ز)
43644 -
عن قتادة بن دعامة -من طريق معمر- في قوله: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره} ، قال: أطافوا به ليلة، فقالوا: أنت سيِّدُنا، وابن سيدنا. فأرادوه على بعض ما يريدون، فَهَمَّ النبي عليه الصلاة والسلام أن يقاربهم في بعض ما يريدون، ثم عصمه الله، قال: فذلك قوله تعالى: {لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا} للذي أرادوا فَهَمَّ أن يقاربهم فيه
(2)
. (ز)
43645 -
عن محمد ابن شهاب الزهري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طاف يقولُ له المشركون: استلِمْ آلهتَنا كي لا تضُرَّك. فكاد يفعلُ؛ فأنزَل اللهُ: {وإن كادُوا لَيَفتِنُونَكَ} الآية
(3)
. (9/ 407)
43646 -
عن جبيرِ بنِ نفيرٍ: أنّ قريشًا أتوا النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: إن كنتَ أُرْسِلتَ إلينا فاطرُدِ الذين اتَّبعوك ِمن سُقّاِط الناسِ وموالِيهم لِنكونَ نحنُ أصحابَك. فركَن إليهم؛ فأَوْحى الله إليه: {وإن كادُوا لَيَفتِنُونَكَ} الآية
(4)
. (9/ 407)
43647 -
قال مقاتل بن سليمان: وذلك أنّ ثقيفًا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نحن إخوانك، وأصهارك، وجيرانك، ونحن خير أهل نجد لك سلمًا، وأضره عليك حربًا، فإن نُسْلِم تُسْلِم نجد كلها، وإن نحاربك يحاربك مَن وراءنا؛ فأعطنا الذي نريد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«وما تريدون؟» . قالوا: نُسْلِم على ألا نجش، ولا نعش، ولا
(1)
أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 174.
(2)
أخرجه عبد الرزاق 2/ 383. وينظر: تفسير الثعلبي 6/ 117.
(3)
عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.
(4)
عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.
نحني -يقولون: على ألا نصلي-، ولا نكسر أصنامًا بأيدينا، وكلُّ رِبًا لنا على الناس فهو لنا، وكل رِبًا للناس فهو عنا موضوع، ومن وجدناه في وادي وج يقطع شجرها انتزعنا عنه ثيابه، وضربنا ظهره وبطنه، وحرمته كحرمة مكة وصيده وطيره وشجره، وتستعمل على بني مالك رجلًا، وعلى الأحلاف رجلًا، وأن تُمَتِّعنا باللات والعزى سنة، ولا نكسرها بأيدينا، من غير أن نعبدها؛ ليعرف الناس كرامتنا عليك، وفضلنا عليهم. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أما قولكم: لا نجشي، ولا نعشي، والربا؛ فلَكُم. وأما قولكم: لا نحني؛ فإنه لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود» . قالوا: نفعل ذلك، وإن كان علينا فيه دناءة، «وأما قولكم: لا نكسر أصنامنا بأيدينا. فإنا سنأمر من يكسرها غيركم». ثم سكت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: تُمَتِّعنا باللات سنة. فأعرض عنهم، وجعل يكره أن يقول: لا. فيأبون الإسلام، فقالت ثقيف للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كان بك ملامة العرب في كسر أصنامهم وترك أصنامنا، فقل لهم: إنّ ربي أمرني أن أُقِرَّ اللات بأرضهم سنة. فقال عمر بن الخطاب عند ذلك: أحرقتم قلب النبي صلى الله عليه وسلم بذكر اللات أحرق الله أكبادكم، لا، ولا نعمة، غير أنّ الله عز وجل لا يدع الشرك في أرض يعبد الله تعالى فيها، فإما أن تسلموا كما يسلم الناس، وإما أن تلحقوا بأرضكم. فأنزل الله عز وجل:{وإن كادوا ليفتنونك}
(1)
. (ز)
43648 -
قال يحيى بن سلّام: وذلك أن المشركين خلوا برسول الله بمكة ليلة حتى الصباح، فقالوا: يا محمد، إنّ الذي جئت به لم يجئ به أحد من قومك. ورفقوا به، وقالوا له: كف عن شتم آلهتنا وذمِّها، وانظر في هذا الأمر، فإنّ هذا لو كان حقًّا لكان فلان أحق به منك، وفلان أحق به منك. فأنزل الله:{وإن كادوا ليفتنونك} إلى قوله: {ولولا أن ثبتناك}
(2)
[3887][3888]. (ز)
[3887] ذكر ابنُ عطية (5/ 519) أن ابن إسحاق وغيره قالوا: بأن المشركين اجتمعوا ليلة، فعظموا النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا له: أنت سيدنا، ولكن أقْبل على بعض أمرنا ونُقبل على بعض أمرك. فنزلت الآية في ذلك، ثم علق بقوله:«فهي في معنى قوله تعالى: {ودُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9]» .
[3888]
اختُلِف في الفتنة التي كاد المشركون أن يفتنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بها عن الذي أوحى الله إليه إلى غيره على قولين: الأول: أنّ ذلك الإلمام بالآلهة؛ لأن المشركين دعوه إلى ذلك، فَهَمَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثاني: أنّ ذلك كان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم همَّ أن يُنظِرَ قومًا بإسلامهم إلى مُدَّة سألوه الإنظار إليها.
وذَهَبَ ابنُ جرير (15/ 15) إلى أنّ كِلا القولين جائز لعدم الدليل على تعيين أحدهما، فقال:«الصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله -تعالى ذكره- أخبر عن نبيه صلى الله عليه وسلم أن المشركين كادوا أن يفتنوه عما أوحاه الله إليه ليعمل بغيره، وذلك هو الافتراء على الله. وجائز أن يكون ذلك كان ما ذكر عنهم من ذكر أنهم دعوه أن يمسَّ آلهتهم ويُلِمَّ بها، وجائز أن يكون كان ذلك ما ذُكِر عن ابن عباس من أمر ثقيف، ومسألتهم إياه ما سألوه مما ذكرنا، وجائز أن يكون غير ذلك، ولا بيان في الكتاب ولا في خبر يقطع العذر أيّ ذلك كان، والاختلاف فيه موجود على ما ذكرنا، فلا شيء فيه أصوبُ من الإيمان بظاهره، حتى يأتي خبرٌ يجب التسليم له ببيان ما عنى بذلك منه» .
وعلَّقَ ابنُ عطية (5/ 519) على القولين، فقال:«وجمع ما أُريد من النبي صلى الله عليه وسلم بحسب هذا الاختلاف قد أوحى الله إليه خلافه؛ إما في مُعْجِز، وإما في غير مُعْجِز، وفعله هو -إن لو وقع- افتراء على الله؛ إذ أفعاله وأقواله إنما هي كلها شرع» .
_________
(1)
تفسير مقاتل بن سليمان 2/ 542 - 544.
(2)
تفسير يحيى بن سلام 1/ 151.