الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}
42358 -
عن زِرّ بن حُبَيش، قال: قلتُ لحذيفة بن اليمان: أصلّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس؟ قال: لا. قلتُ: بلى. قال: أنت تقول ذاك، يا أصلعُ، بِم تقول ذلك؟ قلتُ: بالقرآن، بيني وبينك القرآن. فقال حذيفة: مَن احْتَجَّ بالقرآن فقد فَلَجَ -قال سفيان: يقول: فقد احتج. وربما قال: أفْلَج- فقال: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} . قال: أفتراه صلى فيه؟ قلتُ: لا. قال: لو صلّى فيه لَكُتِبَ عليكم فيه الصلاة كما كُتِبَتْ الصلاة في المسجد الحرام. قال حذيفة: قد أُتِي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدابَّة طويل الظهر، ممدود هكذا، خَطْوُه مدَّ بصره، فما زايلا ظَهْرَ البُراق حتى رأيا الجنة والنار، ووعد الآخرة أجمع، ثم رجعا عَوْدُهما على بدئهما. قال: ويتحدثَّون أنّه ربطه، لِمَ، لِيَفِرَّ منه؟! وإنّما سَخَّره له عالِمُ الغيب والشهادة
(1)
. (ز)
42359 -
عن عائشة -من طريق ابن إسحاق، عن بعض آل أبي بكر- قالت: ما فُقِدَ جَسَد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنَّ الله أسرى برُوحِه
(2)
. (9/ 229)
42360 -
عن معاوية بن أبي سفيان -من طريق ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة-: أنّه كان إذا سُئِل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: كانت رؤيا مِن الله صادقة
(3)
. (9/ 229)
42361 -
قال محمد بن إسحاق -من طريق سلمة-: فلَم يُنكَر ذلك مِن قولهما [أي: قول عائشة ومعاوية]؛ لقول الحسن: إنّ هذه الآية نزلت في ذلك: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} [الإسراء: 60]. ولقول الله في الخبر عن إبراهيم إذ قال لابنه: {يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} [الصافات: 102]. ثم مَضى على ذلك، فعرفت أنّ الوحي يأتي بالأنبياء مِن الله أيقاظًا ونيامًا، وكان رسول صلى الله عليه وسلم يقول:«تنام عيني وقلبي يقظان» . فالله أعلم أي ذلك كان قد جاءه،
(1)
أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 2/ 372، وأحمد 38/ 321 (23285)، وابن أبي شيبة في مصنفه (ت: محمد عوامة) 20/ 248 (37728)، والترمذي 5/ 368 (3414) واللفظ له، والنسائي في الكبرى (ت: شعيب الأرناؤوط) 10/ 146 (11216)، وابن جرير 14/ 444، والفاكهي في أخبار مكة 2/ 102 (1215) مختصرًا.
(2)
أخرجه ابن إسحاق ص 275 (462)، وابن جرير 14/ 445.
(3)
أخرجه ابن إسحاق -كما في سيرة ابن هشام 1/ 400 - ، وابن جرير 14/ 445.
وعاين فيه مِن أمر الله ما عايَن، على أيِّ حالاته كان، نائمًا أو يقظانَ، كل ذلك حقٌّ وصِدق
(1)
. (ز)
42362 -
عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- في قوله: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} : أُسْرِي بنبيِّ الله عِشاء مِن مكة إلى بيت المقدس، فصلى نبيُّ الله فيه، فأراه الله من آياته وأمره بما شاء ليلة أسري به، ثم أصبح بمكة. ذُكِر لنا: أنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «حُمِلْتُ على دابَّة يقال لها: البُراق، فوق الحمار ودُون البغل، يقع خَطْوُه عند أقصى طَرَفِه» . فحدَّث نبيُّ الله بذلك أهل مكة، فكذَّب به المشركون وأنكروه، وقالوا: يا محمد، تخبرنا أنّك أتيتَ بيت المقدس، وأقبلت مِن ليلتك، ثم أصبحت عندنا بمكة، فما كنت تجيئنا وتأتي به قبل اليوم مع هذا! فصدَّقه أبو بكر، فسُمِّي أبو بكر: الصديق؛ مِن أجل ذلك
(2)
. (ز)
42363 -
قال مقاتل بن سليمان: {الذي أسرى بعبده} يعني: النبي صلى الله عليه وسلم
…
، وفرضت عليه الصلوات الخمس تلك الليلة، وعُرِضَت على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنهار: نهر من لبن، ونهر من عسل، ونهر من خمر، فلم يشرب النبي صلى الله عليه وسلم الخمر، فقال جبريل: أما إنّ الله حرَّمها على أمتك
(3)
. (ز)
42364 -
عن جبر، قال: سمعت سفيان الثوري سُئِلَ عن ليلة أُسرِيَ به. فقال: أُسرِي ببَدَنِه
(4)
[3778]. (9/ 229)
[3778] اختُلِف في صفة إسرائه صلى الله عليه وسلم، أكان بجسده وروحه، أم بروحه فقط؟ على قولين: الأول: أنّ الإسراء كان بجسده وروحه، يقظة لا منامًا. وهذا قول الجمهور. واختلف أصحاب هذا القول هل دخل صلى الله عليه وسلم بيت المقدس، وصلّى فيه أم لا؟ على قولين، الثاني منهما قول حذيفة. والثاني: أنّ الإسراء كان بروحه فقط، وكانت الرؤيا منامية. وهذا قول عائشة، ومعاوية، وجوَّزه الحسن، وابن إسحاق.
وعلَّقَ ابنُ كثير (8/ 400 بتصرف) على قول حذيفة، فقال:«هذا الذي قاله حذيفة رضي الله عنهما نفي، وما أثبته غيرُه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن ربط الدابة بالحلقة، ومن الصلاة ببيت المقدس، مُقدَّمٌ على قوله» .
وعلَّقَ ابنُ عطية (5/ 435 بتصرف) على القول الثاني بقوله: «وركوب البُراق على قول هؤلاء يكون مِن جملة ما رأى في النوم» . ثم قال: «واحتُجَّ لقول عائشة بقوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس}، وهذا يحتمل القول الآخر؛ لأنه يقال لرؤية العين: رؤيا، واحتُجَّ أيضًا بأن في بعض الأحاديث: «فاستيقظت وأنا في المسجد الحرام» . وهذا يحتمل أن يُرَدَّ من الإسراء إلى نوم. واعتُرِضَ قول عائشة بأنها كانت صغيرة لم تشاهد، ولا حدَّثت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما معاوية فكان كافرًا في ذلك الوقت، غير مشاهد للحال، صغيرًا، ولم يحدِّث عن النبي صلى الله عليه وسلم».
ورجَّحَ ابنُ جرير (14/ 446 - 447)، وكذا ابنُ عطية (5/ 435)، ومثلهما ابنُ كثير (8/ 431 - 432) قولَ الجمهور استنادًا إلى القرآن، وأقوال السلف، ودلالة العقل، وهو الظاهر مِن كلام ابن تيمية (4/ 194).
وبنحوهما قال ابنُ جرير.
_________
(1)
أخرجه ابن جرير 14/ 446. وفي البخاري (3569)، ومسلم (738) من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «تنام عيني ولا ينام قلبي».
(2)
أخرجه يحيى بن سلام 1/ 114 من طريق سعيد، وابن جرير 14/ 443.
(3)
تفسير مقاتل بن سليمان 2/ 513 - 515.
(4)
عزاه السيوطي إلى ابن مردويه.
42365 -
قال يحيى بن سلّام: قوله: {سبحان الذي أسرى بعبده} ، يعني: نفسه، أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم
(1)
[3779]. (ز)
[3779] ذَهَبَ ابن القيم إلى أنّ الباء في قوله تعالى: {أسْرى بِعَبْدِه} للمصاحبة، فقال (2/ 132 - 133):«في قوله تعالى: {أسْرى بِعَبْدِه} دون: بعث بعبده، وأرسل به. ما يُفِيد مصاحبته له في مسراه؛ فإن الباء هنا للمصاحبة، كهي في قوله: هاجر بأهله، وسافر بغلامه. وليست للتعدية؛ فإنّ» أسرى «يتعدى بنفسه، يقال: سري به، وأسراه. وهذا لأنّ ذلك السرى كان أعظم أسفاره صلى الله عليه وسلم، والسفر يعتمد الصاحب، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم إذا سافر يقول: «اللهم، أنت الصاحب في السفر» . فإن قيل: فهذا المعنى يفهم من الفعل الثلاثي لو قيل: سرى بعبده. فما فائدة الجمع بين الهمزة والباء؟ ففيه أجوبة: أحدها: أنهما بمعنى، وأن» أسرى «لازم كـ» سرى «، تقول: سرى زيد، وأسرى. بمعنًى واحد، وهذا قول جماعة. الثاني: أنّ» أسرى" متعدّ، ومفعوله محذوف، أي: أسرى بعبده البراق. هذا قول أبي القاسم السهيلي وغيره. ويشهد للقول الأول قول الصديق: أسرينا ليلتنا كلها ومِن الغد حتى قام قائم الظهيرة. والجواب الصحيح: أنّ الثلاثي المتعدي بالباء يفهم منه شيئان: أحدهما: صدور الفعل من فاعله. الثاني: مصاحبته لما دخلت عليه الباء. فإذا قلت: سريت بزيد، وسافرت به. كنت قد وجد منك السرى والسفر مصاحبًا لزيد فيه، كما قال:
ولقد سريت على الظلام بمعشرومنه الحديث: أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها. وأما المتعدي بالهمزة فيقتضي إيقاع الفعل بالمفعول فقط، كقوله تعالى:{واللَّهُ أخْرَجَكُمْ مِن بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ} [النحل: 78]، {فَأَخْرَجْناهُمْ مِن جَنّاتٍ وعُيُونٍ} [الشعراء: 57]، ونظائره. فإذا قرن هذا المتعدي بالهمزة أفاد إيقاع الفعل على المفعول مع المصاحبة المفهومة من الباء، ولو أتى فيه بالثلاثي فهم منه معنى المشاركة في مصدره وهو ممتنع، فتأمله.
_________
(1)
تفسير يحيى بن سلام 1/ 101.