الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة (627): لا ينعقد النكاح إلا بلفظي الإنكاح والتزويج، أو
معناهما الخاص في حقِّ من لم يحسن اللفظين.
وقال أبو حنيفة: ينعقد بهما، وبكلِّ لفظٍ يدلُّ على التمليك، كلفظ البيع والهبة والملك.
وأصحابنا يستدلون:
بقوله تعالى: (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ) إلى قوله: (خَالِصَةً لَّكَ} [الأحزلب: 50].
2726 -
وبما رواه أبو بكر بن أبي الدنيا قال: حدَّثنا الحسن بن الصبَّاح ثنا مكِّّي بن إبراهيم ثنا موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أيُّها الناس، إنَّ النساء عوان عندكم لا يملكن لأنفسهن ضرًّا ولا نفعًا، أخذتموهن بأمانة الله عز وجل، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ".
قالوا: وكلمة الله هي المذكورة في القرآن، ولم يذكر إلا الإنكاح والتزويج، فدلَّ على أن غير الكلمة لا يستحلُّ بها.
ز: هذا الحديث من هذا الوجه غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة".
وموسى بن عبيدة الزبيديُّ: ضعَّفه جماعةٌ من الأئمة.
وقد أبعد المؤلِّف في ذكر هذا الحديث بهذا الإسناد وتركه:
2727 -
ما رواه مسلمٌ في حديث جابرٍ الطويل في الحجِّ: " فاتقوا الله قي النساء فإنَّكم أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله "(1).
(1)"صحيح مسلم": (4/ 41)؛ (فؤاد- 2/ 889 - رقم: 1218).
واعلم أنَّ الآية والحديث لا يدلان على أنَّ النكاح لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح والتزويج.
قال شيخنا العلامة أبو العبَّاس: أصحُّ قولي العلماء أنَّ النكاح ينعقد بكلِّ لفظٍ يدلُّ عليه، وهذا مذهب جمهور العلماء، كأبي حنيفة ومالك وأحد القولين في مذهب أحمد، بل نصوصه لم تدل إلا على هذا الوجه.
وأمَّا الوجه الآخر- وهو: أنَّه إنَما ينعقد بلفظ الإنكاح أو التزويج- فهو قول أبي عبد الله بن حامدٍ وأتباعه، كالقاضي ومتبعيه.
وأمَّا قدماء أصحاب أحمد وجمهورهم= فلم يقولوا بهذا الوجه، وقد نصَّ أحمد في غير موضعٍ على أنَّه إذ قال:(أعتقت أمتي وجعلت عتقها صداقها) انعقد النكاح، وليس هذا لفظ إنكاح وتزويجٍ، ولهذا ذكر ابن عقيلٍ
وغيره أنَّ هذا يدلُّ على أنَّه لا يختص النكاح بلفظٍ.
وأمَّا ابن حامدٍ فطرد قوله، فقال: لا بدَّ أن يقول مع ذلك: وتزوجتها.
والقاضي أبو يعلى جعل هذا خارجًا عن القياس، فجوَّز النكاح هنا بدون لفظ الإنكاح والتزويج.
وأصول أحمد ونصوصه تخالف هذا، فإنَّ من أصله أنَّ العقود تنعقد بما يدلُّ على مقصودها من قولٍ وفعلٍ، فهو لا يرى اختصاصها بالصيغ (1).
وقال شيخنا في موضعٍ آخر: وقد ظنَّ بعض الناس أنَّ المراد بكلمة الله قولُه: (أنكحتك وزوَّجتك)، وليس كذلك، فإنَّ هذا ليس كلام الله، بل هذا كلام المخلوقين، وهو مخلوقٌ، وكلام الله غير مخلوقٍ، وإنَّما كلمته:
(1)" مجموع الفتاوى ": (20/ 533 - 534)، وانظر:" الا ختيارات ": (ص: 293).
ما تكلم به، وهو شرعه وإباحته وإذنه في ذلك (1) O.
احتجُّوا:
2728 -
بما رواه البخاريُّ، قال: حدَّثنا قتيبة ثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، جئت أهب لك نفسي. فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصعَّد النظر فيها، وصوَّبه، ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فلما رأت المرأة أنَّه
لم يقض فيها شيئًا جلست، فقام رجلٌ من أصحابه فقال: يا رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجة فزوِّجنيها. قال:" هل عندك من شيءٍ؟ " قال: لا والله! فقال: " اذهب إلى أهلك فانظر، هل تجد شيئًا؟ " فذهب، ثمي رجع فقال: لا
والله ما وجدت شيئًا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انظر ولو خاتمًا من حديدٍ ".
فذهب، ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله، ولا خاتمًا من حديد، ولكن هذا إزاري، فلها نصفه. فقال:" ما تصنع بإزارك إن لبستَه لم يكن عليها منه شيء، وإن لبستْه لم يكن عليك منه شيء؟! ". فجلس الرجل حتى إذا طال
مجلسه قام، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مولِّيًا، فأمر به فدعي، فلما جاء قال:" ماذا معك من القرآن؟ ". قال: معي سورة كذا وسورة كذا
…
عدَّدها. فقال: " تقرأهن عن ظهر قلبك؟ ". قال: نعم. قال: " اذهب، فقد ملكتكها بما معك من القرآن "(2).
أخرجه البخاريُّ ومسلم (3) في "الصحيحين".
(1) انظر: " درء التعارض ": (7/ 268 - 269).
وقد ذكر المنقح في " العقود الدرية": (ص: 58) ضمن مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية: (قاعدة في قوله صلى الله عليه وسلم: " استحللتم فروجهن بكلمة الله ") ا. هـ
(2)
"صحيح البخاري": (7/ 10 - 11)؛ (فتح- 9/ 131 - رقم: 5087).
(3)
"صحيح مسلم": (4/ 143)؛ (فؤاد- 2/ 1040 - 1041 - رقم: 1425).