الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• ثانيًا السنة: الدليل الأول: حديث تميم الداري رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ"، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: "للَّهِ، وَلكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ"(1).
قال ابن حجر: "والنصيحة لأئمة المسلمين: إعانتهم على ما حملوا القيام به، وتنبيههم عند الغفلة، وسد خلتهم عند الهفوة، وجمع الكلمة عليهم، ورد القلوب النافرة إليهم، ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن"(2).
• وجه الدلالة: في هذا الحديث أن من الدين النصح لأئمة المسلمين، وهذا أوجب ما يكون، فكل من واكلهم وجالسهم، وكل من أمكنه نصح السلطان لزمه ذلك، إذا رجا أن يسمع منه (3).
الدليل الثاني: حديث جرير بن عبد اللَّه رضي الله عنه قال: "بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم على إِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ"(4).
• وجه الدلالة: جعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم النصيحة للمسلمين شرطًا في الذي يبايع عليه، كالصلاة والزكاة (5).
النتيجة:
صحة الإجماع على وجوب النصح لأئمة المسلمين متى كانوا يقبلون النصيحة.
[45/ 45] يجوز لإمام قبول الهدايا
• المراد بالمسألة: أجمع العلماء على أن الإمام له أن يقبل الهدية أو يردها.
• من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) قال: "روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(1) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان أن الدين النصيحة (1/ 74) رقم (55).
(2)
فتح الباري لابن حجر العسقلاني (1/ 137).
(3)
التمهيد للقرطبي (21/ 285).
(4)
أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة (1/ 21) رقم (57)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان أن الدين النصيحة (1/ 75) رقم (56).
(5)
عمدة القاري (1/ 324).
"إنَّا نَقْبَلُ الهَدِيَّةَ وَنُكَافِئُ عَلَيْهَا"(1)، وأجمع المسلمون على إباحتها" (2) ابن عبد البر (463 هـ) قال:"وقبوله -أي: النبي رضي الله عنه الهدية من المسلمين والكفار أشهر وأعرف عند العلماء من أن يحتاج إلى شاهد على ذلك ما هنا، إلا أن ذلك لا يجوز لغير النبي عليه السلام إذا كان قبولها على جهة الاستبداد بها دون رعيته؛ لأنه إنما أقبل ذلك إليه من أجل أنه أمير رعيته، وليس النبي عليه السلام في ذلك كغيره؛ لأنه مخصوص بما أفاء اللَّه عليه من غير قتال من أموال الكفار، من ما جلوا عنه بالرعب، من غير إيجاف بخيل ولا ركاب، يكون له دون سائر الناس، ومن بعده من الأئمة حكمه في ذلك خلاف حكمه، لا يكون له خاصة دون سائر المسلمين، بإجماع من العلماء"(3).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (4)، والمالكية (5)، والشافعية (6).
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من السنة:
1 -
حديث الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهْوَ بِالأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا في وَجْهِهِ قَالَ:"أَمَا إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ"(7).
2 -
حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ ويُثِيبُ عليها"(8).
(1) أخرج البخاري، كتاب الهبة وفضلها، باب: المكافأة في الهبة (3/ 157) رقم (2585) من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عليها".
(2)
الحاوي في فقه الشافعي، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1414 هـ (7/ 534).
(3)
الاستذكار (5/ 88).
(4)
مرقاة المفاتيح (11/ 25)، والبحر الرائق (6/ 305)، والدر المختار (5/ 372).
(5)
أحكام القرآن لابن العربي (3/ 487)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/ 199).
(6)
شرح النووي على صحيح مسلم (8/ 107)، وفتح الباري لابن حجر العسقلاني (5/ 231).
(7)
أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب: إذا أهدي للمحرم حمارًا وحشيًّا (3/ 13) رقم (1825)، ومسلم، كتاب الحج، باب: تحريم الصيد للمحرم (2/ 850) رقم (1193).
(8)
تقدم تخريجه قريبًا.
3 -
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أُهْدِيَ لِلنَّبِي صلى الله عليه وسلم جُبَّةُ سُنْدُسٍ، وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا. . . "(1).
4 -
حديث أنس رضي الله عنه قال: "إِنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم"(2).
• وجه الدلالة: يؤخذ من هذه الأحاديث جواز قبول الإمام للهدايا، ولو من مشرك، إلا تكون مقابل إبطال حق، أو إحقاق باطل.
ونوقش:
1 -
بأن النبي صلى الله عليه وسلم ذم هدايا العمال، كما سيأتي في أدلة المخالفين.
2 -
وأن قبول الهدية من خواص النبي صلى الله عليه وسلم، وهو معصوم مما يُتقى على غيره منها (3).
• من خالف الإجماع: الحنفية (4)، والمالكية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة (7)،
(1) أخرجه البخاري، كتاب الهبة، باب: قبول الهدية من المشركين (3/ 163) رقم (2615).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الهبة، باب: قبول الهدية من المشركين (3/ 163) رقم (2616).
(3)
تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام (1/ 27).
(4)
حاشية ابن عابدين (5/ 372، 373)، ودرر الحكام شرح مجلة الأحكام (4/ 534).
(5)
الذخيرة للقرافي 10/ 80، ومواهب الجليل شرح مختصر الخليل (4/ 553)، (8/ 113)، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 140)، (7/ 181). وميزوا في قبول هدايا الكفار حالة كون مصدرها من رئيسهم فتعد فيئًا، إن أهديت قبل دخول المسلمين بلدهم، وغنيمة بعد الدخول فيه، فإن كانت من آحادهم فهي للإمام، إن كانت من قريب له، أو كانت مكافأة، أو لقاء مقابل، وإن كانت من غير قريب، وأهدى بعد دخول الإمام بلدهم فهي غنيمة، وهي فيء قبل الدخول في بلدهم، وشرط هذا كله ألا تُقبل ممن أشرفت حصونهم على السقوط بيد المسلمين؛ لئلا تكون مدعاة لتوهين المسلمين وتثبيط همتهم، فإن كانوا بقوة ومنعة جاز قبول هديتهم.
(6)
انظر: الأم للشافعي (2/ 58)، والحاوي في فقه الشافعي (16/ 282)، وإحياء علوم الدين (2/ 156)، ومغني المحتاج (4/ 293)، وذكروا أنه لو أهديت من مشرك إلى الإمام هدية، والحرب مستعرة فهي غنيمة، بخلاف ما لو أهدى قبل أن يرتحلوا عن دار الإسلام، فللمهدى إليه.
(7)
المغني لابن قدامة (10/ 118)، والمبدع لابن مفلح (3/ 288)، (10/ 29)، والإنصاف للمرداوي (11/ 160).