الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[25/ 25] لا يشترط إجماع كل أهل الحل والعقد على بيعة الإمام
• المراد بالمسألة: أنه لا يشترط اتفاق أهل الحل والعقد كلهم على بيعة الإمام.
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "صح إجماعهم على أن الإمامة تنعقد بواحد"(1) النووي (676 هـ) قال: "أما البيعة، فقد اتفق العلماء على أنه لا يُشترط لصحتها مبايعة كل الناس، ولا كل أهل الحل والعقد"(2) الإيجي (756 هـ) قال: "الواحد والاثنان من أهل الحل والعقد كاف؛ لعلمنا أن الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا بذلك، كعقد عمر لأبي بكر، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان، ولم يشترطوا اجتماع من في المدينة، فضلًا عن إجماع الأمة، هذا ولم ينكر عليهم أحد، وعليه انطوت الأعصار إلى وقتنا هذا"(3). الشوكاني (1250 هـ) قال: "ليس من شرط ثبوت الإمامة أن يبايعه كل من يصلح للمبايعة، ولا من شرط الطاعة على الرجل أن يكون من جملة المبايعين، فإن هذا الاشتراط في الأمرين مردود بإجماع المسلمين، أولهم وآخرهم، سابقهم ولاحقهم"(4).
• من وافق على الإجماع: الحنفية (5)، والمالكية (6)، وخلاف الأصح عند الشافعية (7)، ورواية عن أحمد (8)، والظاهرية (9).
(1) الفصل في الملل (4/ 130).
(2)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (12/ 77).
(3)
المواقف للإيجي (3/ 593).
(4)
السيل الجرار (4/ 513).
(5)
روضة القضاة وطريق النجاة (1/ 69)، وحاشية ابن عابدين (1/ 549).
(6)
الجامع لأحكام القرآن (1/ 269)، والذخيرة للقرافي (10/ 24)، وأضواء البيان (1/ 23).
(7)
الأحكام السلطانية للماوردي (ص 6)، والمنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (12/ 77)، وروضة الطالبين (10/ 43)، وأسنى المطالب (4/ 109)، ومغني المحتاج (4/ 130)، ونهاية المحتاج (7/ 410).
(8)
الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 23)، والإقناع للحجاوي (4/ 292)، وكشاف القناع للبهوتي (6/ 159).
(9)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 129).
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بما ثبت من آثار عن الصحابة رضي الله عنهم:
1 -
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في وصف مبايعة المسلمين لأبي بكر الصديق رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة: ". . . فقلت: ابْسُطْ يَدَكَ يا أَبَا بَكْرٍ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ، وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ، ثُمَّ بَايَعَتْهُ الْأَنْصَارُ وَنَزَوْنَا (1) عَلَى سَعْدِ بْن عُبَادَةَ. فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ (2). فَقُلْتُ: قَتَلَ اللَّهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ (3). قَالَ عُمَرُ: وَإِنَّا واللَّه مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلًا مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لَا نَرْضَى، وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ، فَيَكُونُ فَسَادٌ"(4).
2 -
وقال رضي الله عنه في خطبته حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَلِكَ الْغَدَ مِنْ يَوْم تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثانِيَ اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ أَوْلَى المُسْلِمِينَ بِأُمُورِكُمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ"، قال أنس بن مالك رضي الله عنه:"وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ"(5).
• وجه الدلالة: عدم إجماع أهل الحل والعقد على اختيار أبي بكر رضي الله عنه كسعد بن عبادة، وإن تم الإجماع على بيعته نهاية.
3 -
جعل عمر رضي الله عنه الخلافة بين ستة من العشرة المبشرين بالجنة، فقال لهم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه:"لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ على هذا الْأَمْرِ، وَلَكِنَّكُمْ إن شِئْتُمْ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ". فَجَعَلُوا ذلك إلى عبد الرحمن. . . فَأَرْسَلَ إلى من كان
(1) نزونا: أي وثبنا عليه وغلبنا عليه. يُنظر: عمدة القاري (24/ 12).
(2)
قتلتم سعد بن عبادة: كناية عن الإعراض والخذلان والاحتساب في عدد القتلى؛ لأن من أُبطل فعله وسُلب قوته فهو كالمقتول.
(3)
قتل اللَّه سعد بن عبادة: القائل هو عمر رضي الله عنه، ووجه قوله هذا: إما إخبار عما قدر اللَّه عن إهماله، وعدم صيرورته خليفة، وإما دعاء صدر عنه عليه في مقابلة عدم نصرته للحق. قيل: إنه تخلف عن البيعة، وخرج إلى الشام، فوجِدَ ميِّتًا في مغتسله، وقد اخضر جسده، ولم يشعروا بموته، حتى سمعوا قائلًا يقول، ولا يرون شخصه. يُنظر: عمدة القاري (24/ 12).
(4)
تقدم تخريجه (ص 155).
(5)
تقدم تخريجه (ص 155).
حَاضِرًا من المُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ إلى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الْحَجَّةَ مع عُمَرَ، فلما اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عبد الرحمن، ثُمَّ قال:"أَمَّا بَعْدُ يا عَلِيُّ، إني قد نَظَرْتُ في أَمْرِ الناس، فلم أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فلا تَجْعَلَنَّ على نَفْسِكَ سَبِيلًا"، فقال -لعثمان رضي الله عنه:"أُبَايِعُكَ على سُنَّةِ اللَّه وَرَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْنِ من بَعْدِهِ"، فَبَايَعَهُ عبد الرحمن، وَبَايَعَهُ الناس المُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ وَالمُسْلِمُونَ (1).
• وجه الدلالة: أن أولئك الخمسة رضي الله عنهم قد تبرؤوا من الاختيار، وجعلوه إلى واحد منهم يختار لهم وللمسلمين من رآه أهلًا للإمامة، وهو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وما أنكر ذلك أحد من الصحابة الحاضرين، ولا الغائبين إذ بلغهم ذلك (2).
• من خالف الإجماع: الطائفة الأولى: الأصم من المعتزلة (3)، ورواية عن الإمام أحمد (4)، قالوا بإجماع الأمة كلها على من اختير من قبل أهل الحل والعقد.
ونوقش: بأنه لا يلتفت إلى إجماع الدهماء، فإن ذلك لا يصح؛ لأن طبقة الدهماء لابد أن تكون مقلدة لفئة منها تؤثر عليها بالدعاية والضجيج، فلا تستطيع أن تحكم في أناة وتعقل لتختار الإمام العادل، ومن ثم فإن أهل الحل والعقد -وهم الطليعة الواعية، والفئة المستنيرة من أهل الاجتهاد من الأمة- هم الجديرون باختيار الإمام؛ لأنهم سيحملون وزره إذا لم يتحروا في اختياره الصواب، وسيكونون شركاءه في مآثمه ومظالمه (5).
(1) تقدم تخريجه (ص 140).
(2)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 130).
(3)
قال: "لا تنعقد إلا بإجماع المسلمين". يُنظر: مقالات الإسلاميين (2/ 194).
(4)
سئل الإمام أحمد عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً"، ما معناه؟ قال أبو عبد اللَّه:"تدري ما الإمام؟ الإمام: الذي يجمع المسلمون عليه، كلهم يقول: هذا إمام. فهذا معناه". أخرجه أبو بكر الخلال في السنة، تحقيق: عطية الزهراني، (1/ 81) رقم (10). ويُنظر: منهاج السنة النبوية (1/ 529).
(5)
المجموع شرح المهذب للنووي، وتكملته للمطيعي (19/ 193).
الطائفة الثانية: اشترطت إجماع أهل الحل والعقد، كالقاضي أبي يعلى (1)، وابن خلدون (2).
ونوقش:
1 -
بأنه تكليف ما لا يُطاق، وما ليس في الوسع، وما هو أعظم الحرج، واللَّه -تعالى- يقول:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (3)، ويقول -جل وعلا-:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (4)(5).
2 -
وبما حدث في سقيفة بني ساعدة؛ إذ لم يك إلا بعض أهل الحل والعقد الذين بايعوا أبا بكر رضي الله عنه.
3 -
وأن قياس ذلك على الإجماع لا محل له، ألا ترى أنه قياس مع الفارق؟
الطائفة الثالثة: استلزمت عددًا محددًا لأهل الحل والعقد، وإن اختلفوا فيه (6):
1 -
فمن قائل بالأربعين؛ لأن عقد الإمامة فوق عقد الجمعة، ولا تنعقد بأقل من أربعين.
2 -
ومن قائل بخمسة؛ لأن عمر رضي الله عنه قد جعلها شورى في ستة، وهو قول أكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل البصرة، كما قال الماوردي.
3 -
وقائل بأربعة؛ قياسًا على أكثر نصاب الشهود.
4 -
وقول بثلاثة؛ لأنهم جماعة لا تجوز مخالفتهم.
(1) قال: "لأن الإمام يجب الرجوع إليه، ولا يسوغ خلافه والعدول عنه، كالإجماع، ثم إن الإجماع يعتبر في انعقاده جميع أهل الحل والعقد، كذلك عقد الإمامة له". يُنظر: المعتمد في أصول الدين (ص 139).
(2)
مقدمة ابن خلدون (ص 214).
(3)
سورة البقرة، الآية:(286).
(4)
سورة الحج، الآية:(78).
(5)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 129).
(6)
يُنظر: أقوال هذه الطائفة في: الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 129)، والأحكام السلطانية للماوردي (ص 6، 7)، والذخيرة للقرافي (10/ 25)، ومآثر الإنافة (ص 43).
5 -
وقول باثنين؛ لأن الاثنين أقلّ الجمع، وليكونا حاكمًا وشاهدين، كما يصح عقد النكاح بولي وشاهدين، وعزاه الماوردي لعلماء الكوفة.
6 -
ومن قائل بواحد؛ لأن العباس قال لعلي رضي الله عنهما: "امدد يدك أبايعك، فيقول الناس: عم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بايع ابن عمه، فلا يختلف عليك اثنان"(1). ولأن عمر لما بايع أبا بكر رضي الله عنهما تبعه الصحابة على ذلك ووافقوه، ولأنه حُكْمٌ، وحكم واحد نافذ، وبه قال أبو الحسن الأشعري (2)، والإيجي (3)، والغزالي (4)، وإمام الحرمين (5)، شريطة -عند الأخيرين- أن يكون ذا شوكة، وإلا فلا، والقرطبي (6)، وعند جمهور الشافعية (7)، أنها تنعقد بمن تيسر حضوره وقت المبايعة من العلماء، والرؤساء، وسائر وجوه الناس، المتصفين بصفات الشهود، ولو تعلق الحل والعقد بواحد مطاع كفى؛ لأن الأمر إذا لم يكن صادرًا عن رأي من له تقدم في الوضع وقول مقبول، لم تؤمن إثارة فتنة.
ونوقشت هذه الأقوال:
1 -
بأنه لا يجوز قياس عدد أهل الحل والعقد على عدد من تصح بهم الجمعة، أو الشهود، أو النكاح، أو غيرها؛ لأنه قياس مع الفارق، وليس قول أي طائفة منها أولى من القول الآخر، ثم كيف يُترك مصير الأمة لواحد أو اثنين
(1) لم أقف عليه مسندًا. وذكره ابن قتيبة الدينوري في الإمامة والسياسة، تحقيق: خليل منصور، دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة 1418 هـ (1/ 8)، والماوردي في الأحكام السلطانية (ص 7)، والقرافي في الذخيرة (10/ 25)، والسعد التفتازاني في شرح المقاصد في علم الكلام (2/ 285).
(2)
أصول الدين لأبي منصور البغدادي (ص 280).
(3)
المواقف للإيجي (3/ 593).
(4)
فضائح الباطنية (ص 176).
(5)
غياث الأمم (ص 54).
(6)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/ 269).
(7)
روضة الطالبين (10/ 43)، ومآثر الإنافة (ص 43)، وأسنى المطالب (4/ 109)، ومغني المحتاج (4/ 130)، ونهاية المحتاج (7/ 409).
أو مجموعة صغيرة بعد تغير العصور وفساد الناس؟ (1)
2 -
أما الاستناد لبيعة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فمردود بأنها تمت بمبايعة كبار المهاجرين والأنصار، ولو قُدِّر أن عمر وطائفة معه بايعوا أبا بكر، وامتنع الصحابة عن البيعة، لم يصر إمامًا بذلك، وإنما صار إمامًا بمبايعة جمهور الصحابة الذين هم أهل القدرة والشوكة (2).
3 -
وكذلك في بيعة عثمان رضي الله عنه، لم يصر إمامًا باختيار بعضهم -أي بعض الستة- بل بمبايعة الناس له، وجميع المسلمين بايعوا عثمان، لم يتخلف عن بيعته أحد (3).
4 -
أما الاستناد على صحة بيعة الواحد بمبادرة عمر في بيعة أبي بكر، ومتابعة الصحابة له، فغير صحيح، ألا ترى أن أحدًا لا تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر؟ فهم بالأحرى موافقون على فعل عمر، وإلا أليس عمر القائل:"من بَايَعَ رَجُلًا من غَيْرِ مَشُورَةٍ من المُسْلِمِينَ، فَلَا يُتَابَعَ هُو وَلا الَّذِي تَابَعَهُ، تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا"(4)؟ وكونه هو السابق إلى البيعة، فلا بد في كل بيعة من سابق (5).
5 -
أما الزعم بأن العباس قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم: "امدد يدك أبايعك"، فهي من التُّرَّهات التي لا دليل عليها، ولم تصح.
وفي الجملة: فإن القول بعقدها بواحد من النوادر التي لا حكم لها.
والراجح من هذه الأقوال واللَّه أعلم هو قول الطائفة الثالثة والذي استلزم التقييد بعدد محدد من أهل الحل والعقد، أمَّا تحديد العدد فيجب أن يصار فيه إلى ما تقتضيه ضرورة كل عصر ومصر.
النتيجة:
عدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف.
(1) المعتمد في أصول الدين لأبي يعلى (ص 139).
(2)
منهاج السنة النبوية (1/ 529).
(3)
منهاج السنة النبوية (1/ 532).
(4)
جزء من خبر سقيفة بني ساعدة، المتقدم تخريجه (ص 134).
(5)
منهاج السنة النبوية (1/ 531).