الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع مسائل الإجماع في واجبات الإمام
[58/ 58] من واجبات الإمام حفظ الدين
• المراد بالمسألة: إذا أسلمت الأمة مقادتها لكبير فيها، واجتمعت الكلمة على رأيه، وخضعت الآراء لحكمه، كان ذلك سببًا في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وقد أجمع علماء الأمة على أن ذلك من أهم واجبات الإمام.
• من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) قال: "الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع"(1) ابن عبد البر (463 هـ) قال: "أجمع المسلمون على الاستخلاف فيمن يقيم لهم أمر دينهم ودنياهم"(2). ملا علي القاري (1014 هـ) قال: "الإجماع على أن نصب الإمام واجب؛ لأن كثيرًا من الواجبات الشرعية يتوقف عليه، كتنفيذ أحكام المسلمين، وإقامة حدودهم، وسد ثغورهم، وتجهيز جيوشهم، وأخذ صدقاتهم، وقهر المتغلبة والمتلصصة وقطاع الطريق، وإقامة الجمعة والأعياد، وتزويج الصغير والصغيرة اللذين لا أولياء لهما، وقسمة الغنائم، ونحو ذلك من الأمور التي لا يتولاها آحاد الأمة"(3). الشوكاني (1250 هـ) قال: "إجماع المسلمين أجمعين منذ قبض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى هذه الغاية، فما هو مرتبط بالسلطان من مصالح الدين والدنيا، ولو لم يكن منها إلا جمعهم على جهاد عدوهم، وتأمين سبلهم، وإنصاف مظلومهم من ظالمه، وأمرهم بما أمرهم اللَّه به، ونهيهم عما نهاهم اللَّه عنه، ونشر السنن، وإماتة البدع، وإقامة حدود اللَّه، فمشروعية نصب السلطان هي من هذه الحيثية"(4).
(1) الأحكام السلطانية والولايات الدينية، للماوردي (1/ 5)، ويُنظر: مقدمة ابن خلدون (ص 191)، والدرة الغراء في نصيحة السلاطين والقضاء والأمراء (ص 114).
(2)
الاستذكار (1/ 285).
(3)
مرقاة المفاتيح (7/ 228).
(4)
السيل الجرار (1/ 936).
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، والظاهرية (5).
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة وجوب نصب الإمام من الكتاب، والسنة، والإجماع، والمعقول، فنصبه مؤدٍّ لحفظ الدين واستقامة الدنيا.
وقد نقلنا أدلة وجوب نصب الإمام من الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة، والرد على من شذ عنه فيما سلف آنفًا (6). وفيما يلي مستند الإجماع من المعقول:
1 -
لأن الإمام هو القائم بخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا (7).
2 -
ولأن اللَّه -تعالى- قد يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
قال ابن رشد: "المعنى في هذا أن الذين ينتهون من الناس عن محارم الناس مخافة السلطان، أكثر من الذين ينتهون عنها لأمر اللَّه، ففي الإمام صلاح الدين والدنيا"(8). ولقول اللَّه -تعالى-: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)} (9)؛ لأن قوله: {وَأَنْزَلْنَا
(1) مرقاة المفاتيح (7/ 228)، وبريقة محمودية (1/ 216)، وحاشية الطحطاوي على الدر المختار (1/ 238)، وحاشية ابن عابدين (1/ 548).
(2)
انظر: البيان والتحصيل (17/ 59)، ومقدمة ابن خلدون (ص 191)، والذخيرة للقرافي (10/ 23)، والفواكه الدواني (1/ 23).
(3)
انظر: الأحكام السلطانية للماوردي (ص 5)، وغياث الأمم (ص 15)، وروضة الطالبين (10/ 43)، والمجموع شرح المهذب (19/ 192)، وأسنى المطالب (4/ 108).
(4)
السياسة الشرعية لابن تيمية (ص 217)، الإنصاف للمرداوي (10/ 234)، والإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل (4/ 292)، والأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 19)، ودليل الطالب لنيل المطالب (1/ 322).
(5)
المحلى لابن حزم (1/ 45)، والفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 72).
(6)
راجع أدلة وجوب نصب الإمام (ص 64 وما بعدها).
(7)
الأحكام السلطانية للماوردي (ص 5).
(8)
البيان والتحصيل (17/ 59).
(9)
سورة الحديد، الآية:(25).
الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} فيه إشارة إلى إعمال السيف عند الإباء بعد إقامة الحجة (1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أخبر أنه أرسل الرسل وأنزل الكتاب والميزان لأجل قيام الناس بالقسط، وذكر أنه أنزل الحديد الذي به يُنصر هذا الحق، فالكتاب يهدى والسيف ينصر، وكفى بربك هاديًا ونصيرًا. ولهذا كان قوام الناس بأهل الكتاب وأهل الحديد، كما قال من قال من السلف: صنفان إذا صلحوا صلح الناس: الأمراء، والعلماء"(2).
3 -
ولأن أكثر الواجبات تتوقف عليه كالجمعة والأعياد (3).
قال ابن تيمية: "ولأن اللَّه -تعالى- أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد، والعدل، وإقامة الحج والجمع والأعياد، ونصر المظلوم، وإقامة الحدود، لا تتم إلا بالقوة والإمارة"(4).
وقال الماوردي: "ثم لِمَا في السلطان من حراسة الدين والدنيا، والذب عنهما، ودفع الأهواء منه، وحراسة التبديل فيه، وزجر من شذ عنه بارتداد، أو بغى فيه بعناد، أو سعى فيه بفساد، وهذه أمور إن لم تنحسم عن الدين بسلطان قوي ورعاية وافية أسرع فيه تبديل ذوي الأهواء، وتحريف ذوي الآراء، فليس دين زال سلطانه إلا بُدِّلت أحكامه، وطُمست أعلامه، وكان لكل زعيم فيه بدعة، ولكل عصر فيه وهاية أثر، كما أن السلطان إن لم يكن على دين تجتمع به القلوب حتى يرى أهله الطاعة فيه فرضًا، والتناصر عليه حتمًا، لم يكن للسلطان لبث ولا لأيامه صفو، وكان سلطان قهر، ومفسدة دهر، ومن هذين الوجهين وجب إقامة إمام يكون سلطان الوقت وزعيم الأمة؛ ليكون الدين
(1) بريقة محمودية (1/ 216)، والبيان والتحصيل (17/ 59)، وأضواء البيان (1/ 21).
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية (18/ 157، 158).
(3)
بريقة محمودية (1/ 216)، وحاشية الطحطاوي على الدر المختار (1/ 238)، وحاشية ابن عابدين (1/ 548).
(4)
السياسة الشرعية لابن تيمية (ص 168).