الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنوة، وكما لا يجوز إجارة أرض مكة، فكذلك لا يجوز إجارة أرض الخراج المفتوحة عنوة.
وأجيب عن ذلك: بأنه لا يصح قياس أرض العنوة على أرض مكة، وإن كانت قد فتحت عنوة؛ لأن مكة لها أحكامها الخاصة التي خصها بها المصطفى صلى الله عليه وسلم، فلم يضرب عليها الخراج، كما لم يبح بيعها ولا إجارتها.
ويدل لذلك حديث عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "مكة مناخ، لا تباع رباعها، ولا تؤاجر بيوتها"(1).
النتيجة:
صحة الإجماع؛ لشذوذ الخلاف.
[162/ 162] أرض العنوة الموقوفة على المسلمين لا تباع ولا تورث
• المراد بالمسألة: اتفق المسلمون على أن الأرض التي فُتحت عنوة، ولم يخمسها الإمام ويقسمها بين الغانمين، أنها تصير وقفًا على المسلمين، ويقرها بيد أهلها يؤدون الخراج عنها، لا يجوز لهم بيعها، ولا أن يتوارثوها.
• من نقل الإجماع: موفق الدين ابن قدامة (620 هـ) قال: "وقال: الأوزاعي: أجمع رأي عمر وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا ظهروا على الشام على إقرار أهل القرى في قراهم على ما كان بأيديهم من أرضهم، يعمرونها، ويؤدون خراجها إلى المسلمين، ويرون أنه لا يصلح لأحد من المسلمين شراء ما في أيديهم من الأرض طوعًا ولا كرهًا، وكرهوا ذلك، مما كان من اتفاق عمر وأصحابه في الأرض المحبوسة على آخر هذه الأمة من المسلمين، لا تُباع، ولا تُورث"(2). نقله شمس الدين ابن قدامة (682 هـ)(3).
(1) أخرجه الحاكم، كتاب البيوع (2/ 61) رقم (2326) وصححه، والدارقطني، كتاب البيوع (3/ 58) رقم (227)، والبيهقي في الكبرى، كتاب، باب (6/ 35) رقم (10965) وقال:"إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ضعيف، وأبوه غير قوي، واختُلف عليه، فروي عنه هكذا، وروي عنه عن أبيه عن مجاهد عن عبد اللَّه بن عمرو مرفوعًا ببعض معناه".
(2)
المغني في فقه الإمام أحمد (2/ 309).
(3)
الشرح الكبير لابن قدامة (4/ 17).
من وافق الإجماع: المالكية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3).
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما يلي:
1 -
ما روي عن الحسن أن عمر رضي الله عنه قال: "لا تشتروا رقيق أهل الذمة، ولا أراضيهم". فقيل للحسن: ولم؟ قال: لأنهم فيء للمسلمين (4).
2 -
ما روي أن عتبة بن فرقد اشترى أرضًا على شاطئ الفرات؛ ليتخذ فيها قضبًا، فذكر ذلك لعمر رضي الله عنه، فقال: ممن اشتريتها؟ قال: من أربابها، فلما اجتمع المهاجرون والأنصار عند عمر قال: هؤلاء أهلها، فهل اشتريت منهم شيئًا؟ قال: لا، قال: فارددها على من اشتريتها منه، وخذ مالك (5).
• المخالفون للإجماع: خالف الحنفية الإجماع، وقالوا: إن كل ما فُتح عنوة وأُقر أهله عليه، أو صولحوا -سوى مكة- مملوكة لأهلها الذين أقرت في أيديهم، يجوز بيعهم لها وتصرفهم فيها (6).
قال فخر الدين الزيلعي: "أرض السواد مملوكة لأهلها عندنا، وقال الشافعي رحمه الله: ليست بمملوكة لهم، وإنما هي وقف على المسلمين، وأهلها مستأجرون لها؛ لأن عمر رضي الله عنه استطاب قلوب الغانمين، فآجرها. وقال أبو بكر الرازي: هذا غلط لوجوه:
أحدها: لأن عمر لم يستطب قلوبهم فيه، بل ناظرهم عليه، وشاور الصحابة على وضع الخراج، وامتنع بلال وأصحابه، فدعا عليهم، وأين الاسترضاء؟ !
(1) المدونة الكبرى (10/ 273)، والكافي لابن عبد البر (1/ 219).
(2)
انظر: الأم للشافعي (4/ 181)، والحاوي الكبير (14/ 260)، وفتح الباري لابن حجر (6/ 225).
(3)
انظر: الاستخراج لأحكام الخراج (ص 95)، والإنصاف للمرداوي (4/ 286)، والروض المربع (2/ 32).
(4)
أخرجه أبو عبيد في الأموال، باب: شراء أرض العنوة (ص 99) رقم (196).
(5)
أخرجه أبو عبيد في الأموال، باب: شراء أرض العنوة (ص 99) رقم (197).
(6)
يُنظر: مختصر اختلاف العلماء (3/ 495)، وأحكام القرآن للجصاص (4/ 184)، وبداية المبتدي (1/ 120)، والهداية شرح البداية (2/ 156)، وحاشية ابن عابدين (4/ 178).