الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"لَا يَنْبَغِي لِقَوْمٍ فِيهِمْ أبو بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ"(1). قال ملا علي القاري: "فإذا ثبت هذا فقد ثبت استحقاق الخلافة، ولا ينبغي أن يُجعل المفضول خليفة مع وجود الفاضل"(2).
• وجه الدلالة: فيه دليل على فضله في الدين على جميع الصحابة، فكان تقديمه في الخلافة أيضًا أولى وأفضل (3).
النتيجة:
صحة الإجماع على وجوب تحري الأفضل للإمامة.
[21/ 21] جواز عقد الإمامة للمفضول مع وجود الفاضل للمصلحة
• المراد بالمسألة: انعقد إجماع الأمة من لدن صحابة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومن سار على هديهم من علماء الأمة على جواز عقد الإمامة للمفضول مع وجود الفاضل تحقيقا لمصلحة المسلمين.
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "صح بما ذكرنا إجماع جميع الصحابة رضي الله عنهم على جواز إمامة المفضول، ثم عبدهم عمر رضي الله عنه
(1) أخرجه الترمذي، باب: في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما (5/ 614) رقم (3673)، من طريق أحمد بن بشير، عن عيسى بن ميمون الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها. قال أبو عيسى الترمذي:"حديث حسن غريب".
وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات، تحقيق: توفيق حمدان، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1415 هـ (1/ 237)، وقال:"هذا حديث موضوع على رسول اللَّه، أما عيسى فقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: لا يحتج بروايته، وأما أحمد بن بشير فقال يحيى: هو متروك".
قال السيوطي: "أحمد بن بشير من رجال البخاري، والأكثر على توثيقه، وعيسى قال فيه ابن معين مرة: لا بأس به، وقال حماد بن سلمة: ثقة، ومن ضعفه لم يتهمه بكذب، فمن أين يحكم على الحديث بالوضع؟ ! مع ما يؤيده من قصة تقديمه المشهور في الصحيح، وقد قال الحافظ عماد الدين ابن كثير في مسند الصديق: إن لهذا الحديث شواهد تقضي صحته". يُنظر: اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، جلال الدين السيوطي، تحقيق: أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد، (1/ 274)
(2)
مرقاة المفاتيح (11/ 173).
(3)
تحفة الأحوذي (10/ 109).
إلى ستة رجال، ولا بد أن لبعضهم على بعض فضلًا، وقد أجمع أهل الإسلام حينئذٍ على أنه إن بويع أحدهم فهو الإمام الواجبة طاعته، وفي هذا إطباق منهم على جواز إمامة المفضول" (1) الجويني (478 هـ) قال:"إذا كانت الحاجة في مقتضى الإيالة تقتضي تقديم المفضول قُدِّم لا محالة؛ إذ الغرض من نصب الإمام استصلاح الأمة، فإذا كان في تقديم الفاضل اختباطها وفسادها، وفي تقديم المفضول ارتباطها وسدادها، تعين إيثار ما فيه صلاح الخليقة باتفاق أهل الحقيقة"(2) القرطبي (671 هـ) قال: "علم عمر رضى اللَّه عنه وسائر الأمة وقت الشورى بأن الستة فيهم فاضل ومفضول، وقد أجاز العقد لكل واحد منهم إذا أدى المصلحة إلى ذلك، واجتمعت كلمتهم عليه من غير إنكار أحد عليهم"(3) النووي (676 هـ) قال: "وفي جواز تولية المفضول خلاف مذكور في أدب القضاء فإن لم تتفق الكلمة إلا عليه جازت توليته بلا خلاف لتندفع الفتنة، ولو نشأ من هو أفضل من المفضول لم يعدل إلى الناشئ بلا خلاف"(4).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (5)، المالكية (6)، والشافعية (7)، والحنابلة (8)، والظاهرية (9).
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من السنة وبعض الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم:
(1) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 126).
(2)
غياث الأمم في التياث الظلم (ص 123).
(3)
الجامع لأحكام القرآن (1/ 271).
(4)
روضة الطالبين وعمدة المفتين (10/ 42).
(5)
روضة القضاة وطريق النجاة، أبو القاسم علي بن محمد الرحبي السمناني، تحقيق: صلاح الدين الناهي، مؤسسة الرسالة (1/ 66)، وبريقة محمودية (1/ 216).
(6)
مقدمة ابن خلدون (ص 197)، والذخيرة للقرافي (10/ 26).
(7)
الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة (1/ 27)، وغاية الوصول في شرح لب الأصول (1/ 181).
(8)
منهاج السنة النبوية (5/ 343)، وإعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 107).
(9)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 126).
• أولًا: السنة: الدليل الأول: حديث عبد اللَّه بن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: بَعَثَ النبي صلى الله عليه وسلم بَعْثًا، وَأَمَّرَ عليهم أُسَامَةَ بن زَيْدٍ، فَطَعَنِ بَعْضُ الناس في إِمَارَتِهِ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن تَطْعُنُوا في إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُون في إِمَارَةِ أبيه من قَبْلُ، وَايْمُ اللَّه إن كان لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ"(1).
• وجه الدلالة: قال النووي: "فيه جواز إمارة العتيق، وجواز تقديمه على العرب، وجواز تولية الصغير على الكبار، فقد كان أسامة صغيرًا جدًّا، توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة وقيل: عشرين، وجواز تولية المفضول على الفاضل للمصلحة"(2).
الدليل الثاني: حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: ما بَعَثَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زَيْدَ بن حَارِثَةَ في جَيْشٍ قَطُّ إلا أَمَّرَهُ عليهم، وَلَوْ بَقِيَ بَعْدَهُ لَاسْتَخْلَفَهُ" (3).
• وجه الدلالة: أن حارثة رضي الله عنه كان من موالي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك "جواز إمارة المولى، وجواز تولية المفضول على الفاضل للمصلحة"(4).
• ثانيًا: الآثار: لما طُعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعلم الصحابة أنه ميِّتٌ، "قَالُوا: أَوْصِ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، اسْتَخْلِفْ. قَالَ: مَا أَجِدُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ أَوْ الرَّهْطِ، الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، فَسَمَّى عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ، وَالزُّبَيْرَ، وَطَلْحَةَ، وَسَعْدًا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ" (5).
• وجه الدلالة: أن عمر رضي الله عنه جعل الخلافة بين ستة من العشرة المبشرين
(1) أخرجه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب زيد بن حارثة رضي الله عنه (5/ 23) رقم (3730)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب: فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد رضي الله عنهما (4/ 1884) رقم (2426).
(2)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (15/ 196).
(3)
أخرجه أحمد (6/ 281) رقم (26453)، والنسائي في الكبرى، كتاب الفضائل: باب: زيد بن حارثة رضي الله عنه (5/ 52) رقم (8182)، والحاكم في المستدرك، كتاب معرفة الصحابة، باب: مناقب زيد الحب بن حارثة رضي الله عنه (3/ 238) رقم (4953)، وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
(4)
مرقاة المفاتيح (11/ 305).
(5)
أخرجه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب: قصة البيعة (5/ 15) رقم (3700).
بالجنة، منهم: عثمان وعلي -رضي اللَّه تعالى عنهما- وهما أفضل أهل زمانهما بعد عمر، فلو تعين الأفضل لعين عمر أفضلهما، فدل عدم تعيينه على جواز تعيين المفضول مع وجود الفاضل.
قال ابن حجر: "والذي يظهر من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد أنه كان لا يُراعي الأفضل في الدين فقط، بل يضم إليه مزيد المعرفة بالسياسة، مع اجتناب ما يخالف الشرع فيها، فلأجل هذا استخلف معاوية، والمغيرة بن شعبة، وعمرو ابن العاص، مع وجود من هو أفضل من كل منهم في أمر الدين والعلم، كأبي الدرداء في الشام، وابن مسعود في الكوفة"(1).
• من خالف الإجماع: أبو يعلى (2)، وطوائف من الأشاعرة (3)، ومن المعتزلة: كالنظام (4)، والجاحظ (5)، والخوارج (6)، وجميع الرافضة والشيعة (7).
(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري (13/ 198).
(2)
حيث قال: "وفي الابتداء لو عدلوا عن الأفضل لغير عذر لم يجز". يُنظر: الأحكام السلطانية (ص 23).
(3)
حيث نُقل عن أبي الحسن الأشعري أنه قال: "لا تنعقد الإمامة لأحد مع وجود من هو أفضل منه، فإن عقدها قوم للمفضول كان المعقود له من الملوك دون الأئمة". يُنظر: أصول الدين لأبي منصور البغدادي (ص 293)، والفرق بين الفرق (ص 344)، والفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 126).
(4)
هو إبراهيم بن سيار بن هانئ النظام أبو إسحاق البصري، من رؤوس المعتزلة، متهم بالزندقة، له كتب كثيرة في الاعتزال والفلسفة، قال ابن قتيبة:"كان شاطرًا من الشطَّار، مشهورًا بالفسق"، ثم ذكر من مفرداته، ومنها: أنه عاب على أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم الفتوى بالرأي مع ثبوت النقل عنهم في ذم القول بالرأي، وهو القائل: زوائل الأسفار لا علم عندهم بما يحتوي إلا كعلم الأباعر. توفي في خلافة المعتصم سنة بضع وعشرين ومائتين. يُنظر: تاريخ بغداد (6/ 97)، ولسان الميزان (1/ 67).
(5)
حيث ذكر أبو منصور البغدادي نسبة قولهما: "إن الإمامة لا يستحقها إلا الأفضل، ولا يجوز صرفها إلى المفضول". يُنظر: أصول الدين لأبي منصور البغدادي (ص 293)، والفرق بين الفرق (ص 344)،
(6)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 126).
(7)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 126).
واستدلوا بأدلة من السنة، والآثار:
• أولًا: السنة:
1 -
حديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَيُّمَا رَجُلٍ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى عَشَرَةِ أَنْفُسٍ عَلِمَ أَنَّ فِي الْعَشَرَةِ أَفْضَلَ مِمَّنِ اسْتَعْمَلَ، فَقَدْ غَشَّ اللَّه وَرَسُولَهُ، وَغَشَّ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ"(1).
2 -
حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ تَوَلَّى منِ أُمَرَاءِ المُسْلِمِينَ شيئًا فَاسْتَعْمَلَ عليهم رَجُلًا، وهو يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ من هو أَوْلَى بِذلِكَ وَأَعْلَمُ منه بِكِتَابِ اللَّه وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَقَدْ خَانَ اللَّه وَرَسُولَهُ وَجَمِيعَ المُؤْمِنِينَ"(2).
• وجه الدلالة: أن من عدل عن الفاضل إلى المفضول فقد خان اللَّه ورسوله وجميع المسلمين، ولا خير في فعل هذه صفته.
ونوقش: بأن الحديثين ضعيفان، فإن صحَّا فمحل ذلك ما إذا لم يقتض الحال والوقت خلافه، وإلا أنيط بالمصلحة، وعلى ذلك يُنزَّل تأمير المصطفى
(1) أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده، كما في فتح القدير للسيواسي (7/ 258)، ونصب الراية لأحاديث الهداية، لعبد اللَّه بن يوسف الزيلعي، تحقيق: محمد يوسف البنوري، دار الحديث، مصر، طبعة 1357 هـ (4/ 62)، وفي إسناده مجاهيل، وعزاه الحافظ ابن حجر في المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، تحقيق: سعد بن ناصر الشثري، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى 1419 هـ (10/ 100) رقم (2155) وسكت عنه.
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 114) رقم (11216)، وفيه أبو محمد الجزري وهو حمزة النصيبي، قال ابن حجر:"وحمزة ضعيف". وأخرج نحوه: الحاكم في المستدرك، كتاب الأحكام (4/ 104) رقم (7023)، وقال:"حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وتعقبه الذهبي في التلخيص، والمنذري في الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1417 هـ (3/ 125) رقم (3345). وقال ابن حجر:"في إسناده حسين بن قيس الرحبي، وهو واه، وله شاهد من طريق إبراهيم بن زياد أحد المجهولين، عن خصف، عن عكرمة، عن ابن عباس". يُنظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية، لابن حجر العسقلاني (2/ 165) رقم (815).