الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
إن قيام هذه الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو سبب وصفها بالخيرية في قول اللَّه -تعالى-:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (1).
5 -
وهو سبب للنصر والتمكين، وواجب من واجبات من مكَّنه اللَّه في الأرض، قال اللَّه -تعالى-:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} (2). فإن الجزاء من جنس العمل (3).
ثانيًا: خطورة ترك الاحتساب:
إن ترك الاحتساب سبب للعذاب، فالأمة التي لا يقوم أفرادها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تصبح أمةً تعمّها المعاصي والمنكرات، وتتفشى فيها الأمراض الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، فتكون أمة لا تستحق البقاء، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:"مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالمَعَاصِي، ثُمَّ يَقْدِرُونَ على أَنْ يُغَيِّرُوا، ثُمَّ لَا يُغَيِّرُوا، إلا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّه منه بِعِقَابٍ"(4).
فتبرك الاحتساب موقع في العذاب والهلاك، وعدم استجابة الدعاء، وهذه سنة اللَّه في الخلق، فأيّ أمة تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فسيأتيها العذاب والهلاك، قال -سبحانه-:{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)} (5).
(1) سورة آل عمران، الآية:(110).
(2)
سورة الحج، الآيتان:(40، 41).
(3)
تفسير ابن كثير (4/ 175).
(4)
أخرجه أحمد (4/ 364) رقم (19250)، وأبو داود، باب: الأمر والنهي (4/ 122) رقم (4339)، وابن ماجه، باب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (2/ 1329) رقم (4009)، وصححه ابن حبان، كتاب البر والإحسان، باب: الصدق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (1/ 536) رقم (300) من حديث جرير بن عبد اللَّه رضي الله عنه.
(5)
سورة هود، الآيتان:(116، 117).
قال الطبري: "لم يكن من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا يسيرًا، فإنهم كانوا ينهون عن الفساد في الأرض، فنجاهم اللَّه من عذابه حين أخذ من كان مقيمًا على الكفر باللَّه عذابه"(1).
ولما قالت زينَبُ بِنْتُ جَحْشٍ رضي الله عنها: يا رَسُولَ اللَّه، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ ! قال صلى الله عليه وسلم:"نعم، إذا كثُرَ الخَبَثُ"(2). قال ابن حجر العسقلاني: "فيكون إهلاك الجميع عند ظهور المنكر والإعلان بالمعاصي"(3).
وتارك الاحتساب ملعون على لسان أنبياء اللَّه ورسله عليهم الصلاة والسلام، يدل لذلك قول اللَّه -تعالى-:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} (4).
قال الجصاص: "قيل: إن فائدة لعنهم على لسان الأنبياء: إعلامهم الأياس من المغفرة مع الإقامة على الكفر والمعاصي؛ لأن دعاء الأنبياء عليهم السلام باللعن والعقوبة مستجاب"(5).
وهذا يدل على أن من ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واستغنى عن هذه الوسيلة العظيمة من وسائل الدعوة إلى اللَّه سبحانه؛ استحق أن يكون ملعونًا مطرودًا من رحمة اللَّه.
قال الغزالي: "وهذا غاية التشديد؛ إذ علل استحقاقهم للعنة بتركهم النهي عن المنكر"(6).
(1) تفسير الطبري (12/ 138).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الأنبياء، باب: قصة يأجوج ومأجوج (4/ 138) رقم (3346)، ومسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب: اقتراب الفتن (4/ 2207) رقم (2880).
(3)
فتح الباري (13/ 60).
(4)
سورة المائدة، الآيتان:(78، 79).
(5)
أحكام القرآن للجصاص (4/ 108).
(6)
إحياء علوم الدين (2/ 307).