الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُرَادِقِ الْحَجَّاجِ، فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُعَصفَرَةٌ، فقال: ما لك يا أَبَا عبد الرحمن؟ فقال: الرَّوَاحَ إن كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ، قال: هذه السَّاعَةَ؟ قال: نعم، قال: فَأَنْظِرْنِي حتى أُفِيضَ على رَأْسِي ثُمَّ أَخْرُجُ، فَنَزَلَ حتى خَرَجَ الْحَجَّاجُ، فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أبي، فقلت: إن كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَاقْصُرِ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلِ الْوُقُوفَ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إلى عبد اللَّه، فلما رَأَى ذلك عبد اللَّه قال: صَدَقَ" (1).
• وجه الدلالة: قال ابن حجر العسقلاني: "فيه أن إقامة الحج إلى الخلفاء"(2).
كما يُستدل بأن إقامة الحج من شعائر الإسلام، المنوط بالإمام الحفاظ عليه؛ لأنه القائم بخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا (3).
النتيجة:
صحة الإجماع على أن إقامة الحج إلى الخلفاء، ومن جعلوا ذلك إليه وأمروه عليه.
[62/ 62] إذن الإمام بإقامة الجمعة
• المراد بالمسألة: الاتفاق على إذن الإمام بإقامة الجمعة.
• من نقل الإجماع: أبو جعفر الطحاوي (4)(321 هـ) -بعد أن ذكر ما رُوي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الزكاة، والحدود، والفيء، والجمعة إلى السلطان"- قال: "ولا نعلم عن أحد من الصحابة خلافه"(5) نقله أبو بكر
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب: التهجير بالرواح فيوم عرفة (2/ 162) رقم (1560).
(2)
فتح الباري (3/ 512).
(3)
الأحكام السلطانية للماوردي (ص 5).
(4)
هو أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة أبو جعفر الطحاوي، الحنفي صاحب المصنفات المفيدة والفوائد الغزيرة، كان شافعيًا، ثم انتقل في الفروع إلى مذهب الحنفية، سمع من ابن رفاعة، والأيلي، وابن عبد الأعلى، وغيرهم، وعنه يوسف بن القاسم الميانجي، وأبو القاسم الطبراني، ، وأبو بكر بن المقرئ، وخلق سواهم، توفي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. يُنظر: تاريخ دمشق (5/ 367)، وسير أعلام النبلاء (15/ 27).
(5)
انظر: مختصر اختلاف العلماء، تصنيف: أبو جعفر الطحاوي، اختصار: أبو بكر الجصاص، تحقيق: عبد اللَّه نذير أحمد، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الأولى 1416 هـ (3/ 299).
الجصاص (370 هـ)(1) وابن حجر العسقلاني (852 هـ)(2) والأمير الصنعاني (1182 هـ)(3) والشوكاني (1250 هـ)(4) والمباركفوري (1353 هـ)(5) ابن عبد البر (463 هـ) قال: "لا يختلف العلماء أن الذي يقيم الجمعة السلطان، وأن ذلك سنة مسنونة"(6).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (7)، وفي قول للإمام أحمد (8).
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من السنة، والآثار، والمعقول:
• أولًا: السنة: حديث جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْكُمُ الجُمُعَةَ، فِي مَقَامِي هَذَا، فِي يَوْمِي هَذَا، فِي شَهْرِي هَذَا، مِنْ عَامِي هَذَا، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ تَرَكهَا فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدِي، وَلَهُ إِمَامٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٌ، اسْتِخْفَافًا بِهَا، أَوْ جُحُودًا لَهَا، فَلَا جَمَعَ اللَّه لَهُ شَمْلَهُ، وَلَا بَارَكَ لَهُ فِي أَمْرِهِ، أَلَا وَلَا صَلَاةَ لَهُ، وَلَا زَكاةَ لَهُ، وَلَا حَجَّ لَهُ، وَلَا صَوْمَ لَهُ، وَلَا بِرَّ لَهُ حَتَّى يَتُوبَ، فَمَنْ تَابَ تَابَ اللَّه عَلَيْهِ"(9).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الإمام شرطًا لإلحاق الوعيد بتارك الجمعة (10).
(1) أحكام القرآن للجصاص (5/ 131).
(2)
فتح الباري (12/ 163).
(3)
سبل السلام (4/ 11).
(4)
نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار (7/ 296).
(5)
تحفة الأحوذي (4/ 596).
(6)
التمهيد (10/ 288).
(7)
بدائع الصنائع (1/ 261)، وتبيين الحقائق (1/ 219)، والبحر الرائق (2/ 151).
(8)
التمهيد لابن عبد البر (10/ 287)، وعمدة القاري (6/ 191).
(9)
أخرجه ابن ماجه، باب: في فرض الجمعة (1/ 343) رقم (1081)، والطبراني في الأوسط (2/ 64) رقم (1261)، والبيهقي في الكبرى، كتاب الجمعة، باب: التشديد على من تخلف عن الجمعة (3/ 171) رقم (5359) وضعفه بعبد اللَّه بن محمد العدوي، وقال:"منكر الحديث، لا يُتابع في حديثه". وفيه أيضًا: علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف. يُنظر: مجمع الزوائد (1/ 129).
(10)
بدائع الصنائع (1/ 261).
ونوقش: بأن الحديث ضعيف.
وأجيب: بما قاله العيني: "هذا روي من طرق كثيرة ووجوه مختلفة، فحصل له بذلك قوة، فلا يمنع من الاحتجاج به"(1).
• ثانيًا: الآثار:
1 -
رُوي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الزكاة، والحدود، والفيء، والجمعة إلى السلطان"(2).
2 -
وقال عبد اللَّه بن محيريز (3): "الحدود، والفيء، والزكاة، والجمعة إلى السلطان"(4).
• ثالثًا: المعقول:
1 -
لأنه لو لم يشترط السلطان لأدى إلى الفتنة؛ لأن هذه صلاة تؤدى بجمع عظيم، والتقدم على جميع أهل المصر يُعد من باب الشرف، وأسباب العلو والرفعة، فيتسارع إلى ذلك كل من جُبل على علو الهمة والميل إلى الرئاسة، فيقع بينهم التجاذب والتنازع، وذلك يؤدي إلى التقاتل والتقالي، ففوض ذلك إلى الوالي؛ ليقوم به، أو ينصب من رآه أهلًا له، فيمتنع غيره من الناس عن المنازعة، لما يرى من طاعة الوالي، أو خوفًا من عقوبته (5).
2 -
ولأنه لو لم يفوض إلى السلطان لا يخلو إما أن تؤدي كل طائفة حضرت
(1) عمدة القاري (5/ 232).
(2)
مختصر اختلاف العلماء (3/ 299)، وأحكام القرآن للجصاص (5/ 131)، والمحلى لابن حزم (11/ 165).
(3)
هو عبد اللَّه بن محيريز الجمحي الشامي القرشي، روى عن أبى سعيد الخدري، وعبادة بن الصامت، وأبي محذورة، وعنه الزهري، ومكحول، ومحمد بن يحيى، وغيرهم، توفي سنة ست أو سبع وثمانين. الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 447)، وسير أعلام النبلاء (4/ 494).
(4)
مختصر اختلاف العلماء (3/ 299)، وأحكام القرآن للجصاص (5/ 131)، والمحلى لابن حزم (11/ 165).
(5)
بدائع الصنائع (1/ 261).
الجامع، فيؤدي إلى تفويت فائدة الجمعة، وهي: اجتماع الناس لإحراز الفضيلة على الكمال، وإما أن لا تؤدى إلا مرة واحدة، فكانت الجمعة للأولين، وتفوت عن الباقين، فاقتضت الحكمة أن تكون إقامتها متوجهة إلى السلطان؛ ليقيمها بنفسه، أو بنائبه، عند حضور عامة أهل البلدة، مع مراعاة الوقت المستحب (1).
• من خالف الإجماع: المالكية (2)، والشافعية (3)، والصحيح من مذهب الحنابلة (4)، والظاهرية (5).
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1 -
أن عليًّا رضي الله عنه صلى الجمعة بالناس وعثمان رضي الله عنه محصور، فلم ينكره أحد، وصوب ذلك عثمان رضي الله عنهم وأمر بالصلاة معهم (6).
2 -
أنه قيل لعثمان بن عفان رضي الله عنه: إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ، وَنَزَلَ بِكَ مَا تَرَى، وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ. فَقَالَ:"الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ"(7).
قال ابن قدافة: "وما ذكروه إجماعًا لا يصح، فإن الناس يقيمون الجمعات في القرى من غير استئذان أحد، ثم لو صح أنه لم يقع إلا ذلك لكان إجماعًا على جواز ما وقع، لا على تحريم غيره، كالحج يتولاه الأئمة وليس بشرط فيه"(8).
النتيجة:
عدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف.
(1) المرجع نفسه.
(2)
أحكام القرآن لابن العربي (4/ 250)، وحاشية العدوي (1/ 470)، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 374).
(3)
روضة الطالبين (2/ 10)، والمجموع شرح المهذب (4/ 509)، وفتح الباري (2/ 381).
(4)
المغني في فقه الإمام أحمد (2/ 171)، والشرح الكبير على متن المقنع (2/ 188)، وكشاف القناع للبهوتي (2/ 21).
(5)
المحلى لابن حزم (11/ 165، 166).
(6)
المغني في فقه الإمام أحمد (2/ 171).
(7)
أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب: إمامة المفتون والمبتدع (1/ 141) رقم (695).
(8)
المغني في فقه الإمام أحمد (2/ 171).