الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
الكفاية: فيُقال: أحتسبُ بكذا، أي: أكتفي به، ومنه قول اللَّه -تعالى-:{وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (1). وقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود رضي الله عنه حين قرأ عليه القرآن: "حَسْبُكَ الْآنَ"(2).
3 -
الإنكار: فيُقال: أحتسبُ عليه، أي: أنكر عليه قبيح عمله، وتسمية الإنكار بالاحتساب "من قبيل تسمية المسبب بالسبب؛ لأن الإنكار على الغير سبب بإزالته، وهو الاحتساب؛ لأن المعروف إذا تُرك فالأمر بإزالة تركه أمر بالمعروف، والمنكر إذا فُعل فالأمر بإزالته هو النهي عن المنكر"(3).
4 -
التدبير: فيُقال: فلان حسن الحسبة في الأمر، أي: حسن التدبير له والنظر فيه وفق القوانين والأنظمة، والمحتسب يقوم بتدبير خاص، وهو تدبير تطبيق الشرع الإسلامي، وهو أحسن وجوه التدبير (4).
5 -
ومن المجاز يُقال: خرج يحتسب الأخبار، أي: يتعرفها، واحتسبت ما عند فلان، أي: اختبرته وسيرته.
فتبين مما سبق أن الحسبة تأتي على معانٍ: العد والحساب، أو طلب الأجر والثواب من اللَّه، أو الاكتفاء، أو الإنكار، أو التدبير في الأمور والنظر في مآلاتها، أو الاختبار والسبر.
المطلب الثاني: الحسبة في الاصطلاح:
اختلف مفهوم الحسبة في الاصطلاح تبعًا لمدلولاتها اللغوية، فقد عرَّفها جمهور الفقهاء بأنها: أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله (5).
(1) سورة آل عمران، الآية:(173).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب: قول المقرئ للقارئ: حسبك (6/ 196) رقم (5050) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(3)
نصاب الاحتساب، عمر بن محمد بن عمر السنامي، تحقيق: مريزن سعيد، دار مكتبة الطالب الجامعي، مكة المكرمة (ص 83).
(4)
المرجع نفسه.
(5)
يُنظر: الأحكام السلطانية للماوردي (ص 270).
وعرفها ابن خلدون: بأنها وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (1).
وعرفها ابن تيمية من خلال تعريفه للمحتسب، حيث وضع معيارًا عامًا يميز بين اختصاصاته واختصاصات الولاة والقضاة، فقال:"أما المحتسب فله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما ليس من اختصاص الولاة، والقضاة، وأهل الديوان، ونحوهم، وكثير من الأمور الدينية هو مشترك بين ولاة الأمور، فمن أدى فيه الواجب وجبت طاعته فيه، فعلى المحتسب أن يأمر العامة بالصلوات الخمس في مواقيتها، ويعاقب من لم يصل بالضرب والحبس، وأما القتل فإلى غيره"(2).
وسار على نهجه تلميذه ابن القيم، حيث قال:"الحكم بين الناس في النوع الذي لا يتوقف على الدعوى هو المعروف بولاية الحسبة، وقاعدته وأصله: هو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر"(3).
وعرفها الغزالي بقوله: "الحسبة عبارة شاملة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
وقريب من هذا ما ذكره السنامي (4) بقوله: "الحسبة في الشريعة: أمر عام تتناول كل مشروع يُفعل للَّه تعالى، كالأذان، والإقامة، وأداء الشهادة مع كثرة تعدادها، ولهذا قيل: القضاء باب من أبواب الحسبة، وقيل: القضاء جزء من أجزاء الاحتساب"(5).
(1) مقدمة ابن خلدون (ص 225).
(2)
الحسبة في الإسلام، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، دار الكتب العلمية، بيروت (ص 16).
(3)
الطرق الحكمية في السياسة الشرعية (ص 345).
(4)
هو عمر بن محمد بن عوض السنامي، الحنفي، وسنام: عدة مواضع في بلاد العرب، لعل أشهرها جبل بين البصرة واليمامة، توفي سنة أربع وثلاثين وسبعمائة. يُنظر: الأعلام للزركلى (5/ 63)، وكشف الظنون (2/ 1953).
(5)
نصاب الاحتساب للسنامي (ص 83، 84).
يتبين مما سبق أن المعنى الاصطلاحي للحسبة لا يقتصر على تغيير المنكر الظاهر فحسب، وإنما يشمل كل ما يُفعل ويُراد به ابتغاء مرضاة اللَّه تعالى، كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدقة، والأذان، والإقامة، وأداء الشهادة، والجهاد في سبيل اللَّه، وجميع أنواع البر. ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللَّه عز وجل يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ الجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ في صَنْعَتِهِ الخَيْرَ، وَالرَّامِيَ بِهِ، وَمُنْبِلَهُ"(1).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَنْفَقَ على ابْنَتَيْنِ أو أُخْتَيْنِ أو ذواتي قَرَابَةٍ، يَحْتَسِبُ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمَا، حتى يُغْنِيَهُمَا اللَّه من فَضْلِهِ عز وجل أو يكيفهما، كَانَتَا له سِتْرًا مِنَ النَّارِ"(2). فدلت هذه النصوص وغيرها على سعة مفهوم الحسبة، وعدم اقتصارها على نوع معين من الأحكام.
• خلاصة القول: أن الحسبة تمثل الرقابة التطبيقية العامة على قيم المجتمع الإسلامي، باعتبارها وظيفة دينية خلقية، وقاعدتها وأصلها: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، الذي بعث اللَّه به رسله، وأنزل به كتبه، ووصف به هذه الأمة لأجله على سائر الأمم (3). قال -تعالى-:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (4). قال أبو هريرة رضي الله عنه: "خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ، تَأْتُونَ بِهِمْ في السَّلَاسِلِ في أَعْنَاقِهِمْ، حتى يَدْخُلُوا في الْإِسْلَامِ"(5).
(1) أخرجه أحمد (4/ 148) رقم (17375)، وأبو داود، باب: في الرمي (3/ 13) رقم (2513)، والنسائي في المجتبى، كتاب الجهاد، باب: ثواب من رمى بسهم في سبيل اللَّه (6/ 28) رقم (3146)، وابن ماجه، باب: الرمي في سبيل اللَّه (2/ 940) رقم (2811) من حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه.
(2)
أخرجه أحمد (6/ 193) رقم (26559)، والطبراني في الكبير (23/ 392) رقم (398) من حديث أم سلمة رضي الله عنها. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 157):"وفيه محمد بن حميد المدني، وهو ضعيف".
(3)
الطرف الحكمية في السياسة الشرعية (ص 345).
(4)
سورة آل عمران، الآية:(110).
(5)
أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} (6/ 37) رقم (4557).