الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-رضي الله عنه (1)، وزعمت الشيعة والرافضة أنه نص على علي رضي الله عنه، وادعوا أنه كان إمامًا زمن خلافة أبي بكر رضي الله عنه (2).
ونوقش ذلك: بأن هذه دعاوى باطلة، وجسارة على الافتراء، ووقاحة في مكابرة الحس؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على اختيار أبي بكر رضي الله عنه (3).
قال النووي: "أما ما تدعيه الشيعة من النص على علي والوصية إليه فباطل لا أصل له باتفاق المسلمين، والاتفاق على بطلان دعواهم من زمن علي، وأول من كذبهم علي رضي الله عنه بقوله: "ما عندنا إلا ما في هذه الصحيفة. . . " (4) الحديث، ولو كان عنده نص لذكره،
ولم يُنقل أنه ذكره في يوم من الأيام، ولا أن أحدًا ذكره له، واللَّه أعلم" (5).
النتيجة:
صحة الإجماع على خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
[27/ 27] جعل الإمامة بالشورى بين الجماعة
• المراد بالمسألة: الشورى لغة: فُعْلَى من: شار يشور شورًا، إذا عرض الأمر على الخيرة حتى يعلم المراد منه. فالشين والواو والراء أصلان مطردان: الأول: إبداء شيء وإظهاره وعرضه، ومنه قولهم: شرت الدابة شورًا، إذا عرضتها، وشاورت فلانًا في أمري: عرضته عليه. والثاني: أخذ شيء، ومنه قولهم: شرت العسل أشوره، إذا استخرجته واجتنيته، وشاورت فلانًا في أمري، أخذت رأيه (6).
الشورى اصطلاحًا: هي الاجتماع على الأمر؛ ليستشير كل واحد منهم
(1) مقالات الإسلاميين (ص 21)، ومنهاج السنة النبوية (1/ 500).
(2)
يُنظر: نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثنى عشرية (ص 24).
(3)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (12/ 206).
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (15/ 154).
(6)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 508)(شور)، ولسان العرب (4/ 434)(شور).
صاحبه، ويستخرج ما عنده (1) وقد اتفقت الأمة على أن اختيار الإمام يكون بالشورى بين الجماعة جائز.
• من نقل الإجماع: الجصاص (370 هـ) قال: "لو كان هناك نص على رجل بعينه لما أجمعت الصحابة على جواز الشورى؛ لأن الشورى لا تجوز فيما يكون فيه نص من الرسول صلى الله عليه وسلم. . . والشورى إنما هي الإجماع على الرأي، وتولية من يرون ذلك له"(2) القاضي عياض (544 هـ) قال: "وإجماع الصحابة على الاختيار بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى تنفيذ عهد أبي بكر لعمر، وتنفيذ شورى عمر في الستة"(3) النووي (676 هـ) قال: "أجمعوا على جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين جماعة كما فعل عمر بالستة"(4)، نقله ابن حجر العسقلاني (852 هـ)(5) والعيني (855 هـ)(6) الشوكاني (1250 هـ)(7).
• من وافق على الإجماع: الحنفية (8)، والمالكية (9)، والشافعية (10)، والحنابلة (11)، والظاهرية (12).
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة، والآثار:
(1) أحكام القرآن لابن العربي (1/ 389)، والجامع لأحكام القرآن (4/ 249).
(2)
الفصول في الأصول (4/ 54).
(3)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 221).
(4)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (12/ 205).
(5)
فتح الباري لابن حجر العسقلاني (13/ 208).
(6)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (24/ 279).
(7)
نيل الأوطار (6/ 110).
(8)
بدائع الصنائع (1/ 224)، وحاشية ابن عابدين (1/ 549)، ومرقاة المفاتيح (11/ 264).
(9)
أحكام القرآن لابن العربي (4/ 92)، والذخيرة للقرافي (10/ 25).
(10)
الأحكام السلطانية للماوردي (ص 6، 7)، وروضة الطالبين (10/ 44)، وأسنى المطالب في شرح روض الطالب (4/ 109)، ومغني المحتاج (4/ 130)، ونهاية المحتاج (7/ 411).
(11)
الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 23)، والإنصاف للمرداوي (10/ 234)، والإقناع للحجاوي (4/ 292)، وكشاف القناع للبهوتي (6/ 159).
(12)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 131).
• أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (1). وقول اللَّه -تعالى-: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (2).
• وجه الدلالة: قال ابن العربي: "مدح اللَّه المشاور في الأمور، ومدح القوم الذين يمتثلون ذلك، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمور المتعلقة بمصالح الحروب، وذلك في الآثار كثير، ولم يشاورهم في الأحكام؛ لأنها منزلة من عند اللَّه على جميع الأقسام: من الفرض، والندب، والمكروه، والمباح، والحرام. فأما الصحابة بعد استئثار اللَّه به علينا فكانوا يتشاورون في الأحكام، ويستنبطونها من الكتاب والسنة، وإن أول ما تشاور فيه الصحابة الخلافة"(3).
• ثانيًا: السنة: الدليل الأول: حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لَو كُنْتُ مُسْتَخْلِفًا أَحَدًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ لَاسْتَخْلَفْتُ ابن أُمِّ عَبْدٍ"(4).
• وجه الدلالة: فيه إشارة إلى أن اختيار الخليفة يلزمه مشورة.
الدليل الثاني: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "اسْتَشَارَ النبي صلى الله عليه وسلم مَخْرَجَهُ إلى بَدْرٍ، فَأَشَارَ عليه أبو بَكْرٍ، ثُمَّ اسْتَشَارَ عُمَرَ، فَأَشارَ عليه عُمَرُ، ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ، فقال بَعْضُ الأَنْصَارِ: إِيَّاكُمْ يُرِيدُ نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم يا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ. . . "(5).
• وجه الدلالة: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على مشاورة أهل المشورة في الأمور العظام
(1) سورة آل عمران، الآية:(159).
(2)
سورة الشورى، الآية:(38).
(3)
أحكام القرآن لابن العربي (4/ 92).
(4)
أخرجه أحمد في المسند (1/ 67) رقم (566)، والترمذي، باب: مناقب عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه (5/ 673) رقم (3808، 3809)، والنسائي في الكبرى، كتاب المناقب، باب: عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه (5/ 73) رقم (8267)، وابن ماجه، باب: فضل عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه (1/ 49) رقم (137)، والحاكم في المستدرك (3/ 359) رقم (5389)، وقال:"حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وتعقبه الذهبي في التلخيص بأن عاصم بن ضمرة ضعيف.
(5)
أخرجه أحمد في المسند (3/ 188) رقم (12977)، قال ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 263):"وهذا إسناد ثلاثي صحيح على شرط الصحيح".
التي يتعلق بها مصير الأمة، وليس شيء أعظم من اختيار الخليفة، فلو تُرك الناس فوضى لا يجمعهم على الحق جامع، ولا يردعهم عن الباطل رادع، لهلكوا، ولاستحوذ أهل الفساد على العباد (1).
• ثانيًا: الآثار: الدليل الأول:
1 -
قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "من بَايَعَ رَجُلًا من غَيْرِ مَشُورَةٍ من المُسْلِمِينَ، فَلَا يُتَابَعَ هُو وَلا الَّذِي تَابَعَهُ، تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا"(2).
2 -
ولما جعل عمر رضي الله عنه الخلافة بين ستة من العشرة المبشرين بالجنة قال لهم: "فَإِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَلْيُصَل لَكُمْ صُهَيْبٌ ثَلاثَ لَيَالٍ، ثُمَّ أَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ، فَمَنْ تَأَمَّرَ مِنْكُمْ عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ"(3).
• وجه الدلالة: أوجب عمر رضي الله عنه على أهل الحل والعقد التزام المشورة في اختيار الخليفة، وشدد على من يخالفها، وأمر بضرب عنقه، وفي ذلك دلالة على وجوبها.
الدليل الثاني: قال المسور بن مخرمة رضي الله عنه: "إِنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا، فقال لهم عبد الرحمن: لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ على هذا الْأَمْرِ، وَلَكِنَّكُمْ إن شِئْتُمْ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ، فَجَعَلُوا ذلك إلى عبد الرحمن، فلما وَلَّوْا عَبْدَ الرحمن أَمْرَهُمْ فَمَالَ النَّاسُ عنى عبد الرحمن، حتى ما أَرَى أَحَدًا مِنَ الناس يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ، ولا يَطَأُ عَقِبَهُ، وَمَالَ النَّاسُ على عبد الرحمن يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي، حتى إذا كانت اللَّيْلَةُ التي أَصْبَحْنَا منها فَبَايَعْنَا عُثْمَانَ"، قال الْمِسْوَرُ: "طَرَقَنِي عبد الرحمن بَعْدَ هَجْع من اللَّيْلِ، فَضَرَبَ الْبَابَ حتى اسْتَيْقَظْتُ، فقال: أَرَاكَ نَائِمًا! فَوَاللَّه ما اكْتَحَلتُ هذه الثَّلاثِ بِكَبِيرِ نَوْمٍ، انْطَلِقْ
(1) أسنى المطالب شرح روض الطالب (8/ 265).
(2)
جزء من خبر سقيفة بني ساعدة، المتقدم تخريجه (ص 134).
(3)
أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 344)، والبيهقي في الكبرى، كتاب قتال أهل البغي، باب: من جعل الأمر شورى بين المستصلحين له (8/ 151) رقم (16357)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (44/ 438) عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال ابن حجر في فتح الباري (7/ 68):"أخرجه ابن سعد بإسناد صحيح".
فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا، فَدَعَوْتُهُمَا له، فَشَاوَرَهُمَا، ثُمَّ دَعَانِي فقال: ادْعُ لي عَلِيًّا، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ حَتَّى إبْهَارِ اللَّيْلُ، ثُمَّ قام عَلِيٌّ من عِنْدِهِ وهو على طَمَعٍ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَن يَخْشَى مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا، ثُمَّ قال: ادْعُ لي عُثْمَانَ، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا المُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ، فَلَمَّا صَلَى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ، وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَأَرْسَلَ إلى مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ إلى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الْحَجَّةَ مع عُمَرَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عبد الرحمن، ثُمَّ قال: أَمَّا بَعْدُ، يا عَلِيُّ، إني قد نَظَرْتُ في أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فلا تَجْعَلَنَّ على نَفْسِكَ سَبِيلًا، فقال: أُبَايِعُكَ على سُنَّةِ اللَّه وَرَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْن من بَعْد، فَبَايَعَهُ عبد الرحمن، وَبَايَعَهُ الناس؛ المُهَاجِرُونَ، وَالْأَنْصَارُ، وَأُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ، وَالْمُسْلِمُونَ" (1).
• وجه الدلالة: فيه اجتماع الصحابة رضي الله عنهم على بيعة عثمان رضي الله عنه من بعد مشورة.
الدليل الثالث: جمع أبو بكر الصديق رضي الله عنه الناس في مرضه الذي قُبض فيه وقال لهم: "أمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمَّرتم عليكم في حياة مني كان أجدر ألا تختلفوا بعدي". فقاموا في ذلك، وحلُّوا عنه، فلم تستقم لهم، فقالوا: ارأ لنا يا خليفة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال: "فلعلكم تختلفون؟ " قالوا: لا، قال:"فعليكم عهد اللَّه على الرضا؟ " قالوا: نعم. قال: "فأمهلوني انظر للَّه ودينه ولعباده"، فأرسل أبو بكر إلى عثمان بن عفان رضي الله عنهما فقال:"أشر علي برجل، واللَّه إنك عندي لها لأهل وموضع". فقال: عمر. فقال: "اكتب". فكتب حتى انتهى إلى الاسم، فغُشي عليه، ثم أفاق فقال:"اكتب عمر"(2).
• وجه الدلالة: مشاورة أبي بكر رضى اللَّه عنه لكبار الصحابة قبل ثبوت عهده إلى عمر رضي الله عنه.
(1) تقدم تخريجه.
(2)
أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة (1/ 352) رقم (1087)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (44/ 248).