الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّه صلى الله عليه وسلم، حاشا النجدات من الخوارج فإنهم قالوا لا يلزم الناس فرض الإمامة وإنما عليهم أن يشاطوا الحق بينهم. . . وقول هذه الفرقة ساقط، يكفي من الرد عليه وإبطاله: إجماع كل من ذكرنا على بطلانه، والقرآن والسنة قد وردا بإيجاب الإمام" (1).
وقال القرطبي: "ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة، إلا ما رُوي عن الأصم، حيث كان عن الشريعة أصم، وكذلك كل من قال بقوله واتَّبعه على رأيه ومذهبه"(2).
وهذا الإجماع من سائر المسلمين على وجوب الإمامة لا يرتفع به إلى مبادئ العقيدة كما هو الأمر عند معظم فرق الشيعة؛ ولذلك فإنّه لا يتعلق به كفر عند الإخلال التصديقي به كما هو عندهم، ولكنه مجرد عصيان كالعصيان المترتب على الخلل في فروع الأحكام، بل إن هذا الوجوب وجوب كفائي متوجه إلى أهل الحل والعقد باعتبارهم الممثلين للأمة، النائبين عنها في هذه المهمة العظيمة، فإذا تقاعس أهل الحل والعقد عن ذلك لحق الإثم بكل من له قدرة واستطاعة حتى يسعى لإقامة هذا الواجب بحسب وسعه.
أدلة وجوب نصب الإمامة: استدلوا على وجوب نصب الإمام بأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والقواعد الشرعية، وسنقتصر فيما يلي على ذكر بعض أدلة الكتاب والسنة لوضوح الدلالة فيها:
أولًا: الأدلة من القرآن الكريم:
الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (3).
روى ابن جرير الطبري أقوال السلف في المقصود بأولي الأمر في هذه الآية، ثم قال: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: هم الأمراء
(1) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 72). ويُنظر: المقدمة الزهرا في إيضاح الإمامة الكبرى، لأبي عبد اللَّه الذهبي، تحقيق: على رضا، دار الفرقان، القاهرة، الطبعة الأولى 1429 هـ (ص 12).
(2)
تفسير القرطبي (1/ 264).
(3)
سورة النساء، الآية:(59).
والولاة؛ لصحة الأخبار عن رسول اللَّه بالأمر بطاعة الأئمة والولاة، فيما كان للَّه طاعة، وللمسلمين مصلحة" (1).
وقال ابن كثير: "هذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء، ولهذا قال -تعالى-: {أَطِيعُواْ اللَّهَ} أي: اتبعوا كتابه، {وَأَطِيعُواْ الْرَّسُولَ} أي: خذوا بسنته، {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} أي: فيما "أمروكم به من طاعة اللَّه لا في معصية اللَّه" (2).
• وجه الدلالة: أن الأمر بطاعة أولي الأمر -وهم الأئمة- يدل على وجوب نصب ولي الأمر؛ لأن اللَّه -تعالى- لا يأمر بطاعة من لا وجود له، ولا يفرض طاعة من وجوده مندوب، فالأمر بطاعته يقتضي الأمر بإيجاده، فدل على أن إيجاد إمام للمسلمين واجب عليهم (3).
الدليل الثاني: قال اللَّه -تعالى- مخاطبًا رسوله صلى الله عليه وسلم: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} (4).
وقال اللَّه -تعالى-: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (5).
قال ابن كثير: "أي: فاحكم يا محمد بين الناس -عربهم وعجمهم أميهم وكتابيهم- بما أنزل اللَّه إليك من هذا الكتاب العظيم، وبما قرره لك من حكم من كان قبلك من الأنبياء ولم ينسخه في شرعك"(6).
• وجه الدلالة: أن اللَّه -جل وعلا- أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يحكم بين العباد بما شرعه في كتابه، والنبي صلى الله عليه وسلم قدوة للأمة ومُتَّبَعًا لهم، فأمره ونهيه يكون أمرًا ونهيًا لأمته، إلا ما دل الدليل فيه على الفرق (7)، ويدل لذلك قول اللَّه -تعالى-:
(1) تفسير الطبري (5/ 149، 150).
(2)
تفسير ابن كثير (1/ 519).
(3)
الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة (ص 47)
(4)
سورة المائدة، الآية:(48).
(5)
سورة المائدة، الآية:(49).
(6)
تفسير ابن كثير (2/ 67).
(7)
يُنظر: الإحكام للآمدي (2/ 280).