الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما أَوْصَى بِهِ عبد اللَّه عُمَرُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ إن حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ: إن ثَمْغًا (1)، وَصِرْمَةَ ابنِ الْأَكْوَعِ (2)، وَالْعَبْدَ الذي فيه، وَالْمِائَةَ سَهْمٍ التي بِخَيْبَرَ، وَرَقِيقَهُ الذي فيه، وَالْمِائَةَ التي أَطْعَمَهُ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بِالْوَادِي، تَلِيهِ حَفْصَةُ ما عَاشَتْ، ثُمَّ يَلِيهِ ذُو الرَّأْيِ من أَهْلِهَا. . . " (3).
• وجه الدلالة: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمى نفسه في وصيته وفي رسائله إلى الأمراء وغيرهم: أمير المؤمنين، وهو ما اتفق عليه المسلمون في مناداته وكتاباتهم له.
النتيجة:
صحة الإجماع على أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول من سُمي أمير المؤمنين.
[20/ 20] تحري الأفضل للإمامة
• المراد بالمسألة: الأفضل لغة: من الفضل وهو ضد النقص، والفضيلة: الدرجة الرفيعة، والتفاضل بين القوم: أن يكون بعضهم أفضل من بعض، ورجل فاضل: ذو فضل، ورجل مفضول: قد فضله غيره (4) الأفضل اصطلاحًا: هو الأصلح.
قال أبو المعالي الجويني: فلو فرضنا مستجمعًا للشرائط، بالغًا في الورع الغاية القصوى، وقدرنا آخر أكفأ منه، وأهدى إلى طرق السياسة والرياسة، وإن لم يكن في الورع مثله، فالأكفأ أولى بالتقديم.
ولو كان أحدهما أفقه، والثاني أعرف بتجنيد الجنود، وعقد الأولوية والبنود، وجر العساكر والمناقب، وترتيب المراتب والمناصب، فلينظر ذو الرأي إلى حكم الوقت، فإن كان إكناف خطة الإسلام إلى الاستقامة،
(1) ثمغ: أرض تلقاء المدينة كانت لعمر رضي الله عنه. يُنظر: فتح الباري (5/ 393).
(2)
صرمة ابن الأكوع: الصرمة ما هنا القطعة الخفيفة من النخل، وقيل: من الإبل.
و(ثمغ وصرمة ابن الأكوع): مالان معروفان بالمدينة، كانا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فوقفهما.
يُنظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 222)(ثمغ)، وعون المعبود (8/ 59).
(3)
أخرجه أبو داود، باب: ما جاء في الرجل يوقف الوقف (3/ 117) رقم (2879).
(4)
لسان العرب (11/ 524)(فضل)، ومختار الصحاح (ص 313)(فضل).
والممالك منتفضة عن ذوي العرامة، ولكن ثارت بدع وأهواء، واضطربت مذاهب ومطالب وآراء، والحاجة ماسة إلى من يسوس الأمور الدينية أمس، فالأعلم أولى.
وإن تصورت الأمور على الضد مما ذكرناه، ومست الحاجة إلى شهامة وصرامة، وبطَّاش يحمل الناس على الطاعة ولا يحاش، فالأشهم أولى بأن يُقدَّم" (1). وقد اتفق علماء الأمة على وجوب تحري الأصلح للقيام على الخلق بما يستصلحهم.
• من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع العلماء أن الإمام يجب. . . أن يكون أفضل أهل وقته حالًا، وأجملهم خصالًا، إن قدر على ذلك"(2)، نقله ابن القطان (628 هـ) (3) القرطبي (671 هـ) قال:"لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز أن تعقد الإمامة لفاسق، ويجب أن يكون من أفضلهم في العلم"(4) أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) قال: "إجماع الصحابة على تحرى الأفضل"(5) ابن عابدين (1252 هـ): "أما الخلافة وهي الإمامة الكبرى، فلا يجوز أن يتركوا الأفضل، وعليه إجماع الأمة"(6).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (7)، والمالكية (8)، والشافعية (9)،
(1) غياث الأمم (ص 124، 125).
(2)
التمهيد لابن عبد البر (20/ 39)، والاستذكار (5/ 79).
(3)
الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 60).
(4)
الجامع لأحكام القرآن (1/ 270).
(5)
البحر الزخار الجامع لأقوال علماء الأمصار (1/ 93).
(6)
حاشية ابن عابدين (1/ 559).
(7)
الدر المختار شرح تنوير الأبصار (1/ 548)، وحاشية الطحطاوي على الدر المختار (1/ 238).
(8)
الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/ 325)، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/ 28).
(9)
روضة الطالبين وعمدة المفتين (10/ 42)، ومغني المحتاج (4/ 131)، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (7/ 409).
والحنابلة (1)، والظاهرية (2).
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة:
• أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} (3). قال ابن كثير: "أي: أتم علمًا وقامة منكم، ومن هاهنا ينبغي أن يكون الملك ذا علم، وشكل حسن، وقوة شديدة في بدنه ونفسه"(4).
• وجه الدلالة: أن اللَّه -جل وعلا- اختار لهم طالوت ملكًا، واختيار اللَّه هو الحجة القاطعة، ثم بين لهم وجهي الاصطفاء: الأول: أن اللَّه زاده بسطة في العلم، الذي هو ملاك الإنسان، ورأس الفضائل، وأعظم وجوه الترجيح. الثاني: وزاده بسطة في الجسم، الذي يظهر به الأثر في الحروب ونحوها. فكان قويًّا في دينه وبدنه، وذلك هو المعتبر (5).
الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)} (6).
• وجه الدلالة: قال ابن تيمية: "الولاية لها ركنان: القوة والأمانة. . . فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها، فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة، والآخر أعظم قوة، قُدِّم أنفعهما لتلك الولاية، وأقلهما ضررًا فيها"(7).
• ثانيًا: السنة: حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
(1) السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية (ص 6 وما بعدها)، والإقناع للحجاوي (4/ 292)، وكشاف القناع للبهوتي (6/ 159).
(2)
المحلى لابن حزم (9/ 362).
(3)
سورة البقرة، الآية:(247).
(4)
تفسير ابن كثير (1/ 302).
(5)
فتح القدير للشوكاني (1/ 264).
(6)
سورة القصص، الآية:(26).
(7)
السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية (ص 6 وما بعدها).