الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني مكانة الإجماع وحجيته
المطلب الأول: مكانة الإجماع:
قال ابن حزم رحمه الله: "الإجماع قاعدة من قواعد الملة الحنيفية، يُرجع إليه، ويُفزع نحوه، ويُكفَّر من خالفه، إذا قامت عليه الحجة أنه إجماع"(1).
المطلب الثاني: حجية الإجماع:
ذهب جمهور الأصوليين إلى أن الإجماع حجة شرعية يجب المصير إليها والعمل بمقتضاها (2)، ولم يخالفهم إلا الإمام أحمد (3) في رأي له (4)، وطوائف من الرافضة والخوارج والمعتزلة، وهي فرق
(1) مرتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، دار الكتب العلمية، بيروت (ص 7).
(2)
يُنظر: الإبهاج في شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول للقاضي البيضاوي، تأليف: علي بن عبد الكافي السبكي، وتيسير التحرير شرح محمد أمين المعروف بأمير بادشاه الحسيني الحنفي، على كتاب التحرير في أصول الفقه الجامع بين اصطلاحي الحنفية والشافعية لكمال محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود الشهير بابن الهمام السكندري، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، (د. ت)(3/ 27)، والإحكام للآمدي (1/ 183)، والتقرير والتحبير شرح ابن أمير الحاج الحلبي (على التحرير في أصول الفقه الجامع بين اصطلاحي الحنفية والشافعية للإمام محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد السيواسي، دار الكتب العلمية بيروت، ط 1، 1419 هـ (03/ 83)، وأصول الفقه للدكتور محمد أبو النور زهير (3/ 147).
(3)
هو إمام المحدثين، والناصر للدين، والمناضل عن السنة، والصابر في المحنة، أبو عبد اللَّه أحمد بن محمد بن حنبل الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي، أحد الأئمة الأربعة المتبوعين، ولد ببغداد سنة أربع وستين ومائة، وتوفي في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين. يُنظر: سيرة الإمام أحمد بن حنبل لأبي الفضل صالح بن أحمد بن حنبل، تحقيق: فؤاد عبد المنعم أحمد، دار الدعوة، الإسكندرية، الطبعة الثانية 1404 هـ (ص 29 وما بعدها)، - وسير أعلام النبلاء (11/ 178).
(4)
قال الإمام أحمد رحمه الله في رواية ابنه عبد اللَّه: "من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا، هذه دعوى بشر المريسي والأصم، ولكن يقول: لا نعلم للناس اختلافًا إذا لم يبلغه". وقال في رواية المروزي: "كيف يجوز للرجل أن يقول: أجمعوا؟ إذا سمعتهم يقولون: أجمعوا، فاتهمهم، لو قال: إني لا أعلم مخالفًا كان أسلم". وقال في رواية أبي =
اتفق أهل العلم على ضلالها، كما أنهم حادثون بعد الاتفاق، فلا يُعتد بقولهم (1).
وقد نقل إجماع الأصوليين كل من: القاضي البيضاوي (2)، وأمير بادشاه
= طالب: "هذا كذب، ما أعلمه أن الناس مجمعون؟ ولكن يقول: ما أعلم فيه اختلافًا، فهو أحسن من قوله: أجمع الناس". وقال في رواية أبي الحارث: "لا ينبغي لأحد أن يدَّعي الإجماع، لعل الناس اختلفوا".
وظاهر هذه الأقوال منع وقوع الإجماع، لكنه رحمه الله احتج بالإجماع واستدل به كثيرًا، فحمل أهل العلم هذه الروايات على عدة أوجه، منها: أنه قال ذلك من باب الورع؟ لجواز أن يكون هناك خلاف لم يبلغه، أو أنه قال ذلك في حق من ليس له معرفة بخلاف السلف، ويدل على ذلك تتمة كلامه السابق؛ إذ يقول:". . . هذه دعوى بشر المريسي والأصم" إلى آخره.
ونُقل عن الشافعي رحمه الله أنه قال: "لا يكون لأحد أن يقول: أجمعوا، حتى يعلم إجماعهم في البلدان". قال ابن القيم رحمه الله: "وليس مراده -أي: الإمام أحمد رحمه الله بهذا استبعاد وجود الإجماع، ولكن أحمد وأئمة الحديث بُلُوا بمن كان يرد عليهم السنة الصحيحة بإجماع الناس على خلافها، فبين الشافعي وأحمد أن هذه الدعوى كذب، وأنه لا يجوز رد السنن بمثلها".
يُنظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مكتبة ابن تيمية، الطبعة الثانية (19/ 271)، (20/ 10، 247، 248)، وإعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، بتحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت 1973 م (2/ 247)، ومختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لابن القيم، اختصار محمد بن الموصلي، بتحقيق: الحسن بن عبد الرحمن العلوي، مكتبة أضواء السلف، الرياض، الطبعة الأولى 1425 هـ (4/ 1636).
(1)
يُنظر: مسلم الثبوت في أصول الفقه، لمحب الدين بن عبد الشكور، مطبوع مع شرحه فواتح الرحموت، المطبعة الأميرية، بولاق، مصر 1324 هـ (2/ 213).
(2)
هو عبد اللَّه بن عمر بن محمد بن علي، ناصر الدين أبو الخير، صاحب المصنفات، وعالم أذربيجان، برع في الفقه والأصول، وجمع بين المعقول والمنقول، وأثنى الأئمة على مصنفاته، له المنهاج وشرحه في أصول الفقه، وأنوار التنزيل وأسرار التأويل في التفسير، توفي سنة إحدى وتسعين وستمائة، وقيل: خمس وثمانين. يُنظر: طبقات الشافعية الكبرى (8/ 157)، وطبقات الشافعية (2/ 172).