الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا جَبَانًا" (1).
• وجه الدلالة: قال ابن حجر: "فيه ذم الخصال المذكورة، وهي: البخل، والكذب، والجبن، وأن إمام المسلمين لا يصلح أن يكون فيه خصلة منها"(2). ولأن الولاية لا تصلح إلا بالمناصحة، فإذا كان بخيلًا لم يناصحه أحد. . . وإذا كان كذابًا لم يوثق بوعده ولا بوعيده، فلم يرج خيره، ولم يخف شره، ولا بهاء لسلطانٍ لا يُرهب. . . وإذا كان جبانًا اجترأ عليه عدوه، وضاعت ثغوره (3).
2 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "شَرُّ ما في رَجُلٍ شُحٌّ هَالِعٌ وَجُبْنٌ خَالِعٌ"(4).
• وجه الدلالة: أن ذم هذه الصفات يوجب عدم تولية من يتصف بها؛ لأن الإمامة متضمنة حفظ الحوزة، ورعاية الرعية، وإقامة الدعوة بالحجة والسيف، وكف الجنف والحيف، ولا يقدم على ذلك بخيلٌ ولا جبانٌ.
النتيجة:
صحة الإجماع على عدم جواز كون الإمام بخيلًا أو كذابًا أو جبانًا.
[16/ 16] لا يشترط أن يكون الإمام معصومًا
• المراد بالمسألة: العصمة لغة: وردت لعدة معانٍ، منها: العصمة: المنع، وعصمة اللَّه عبده أن يعصمه مما يوبقه، عصمه يعصمه عصمًا: منعه ووقاه،
(1) أخرجه البخاري، كتاب الجهاد، باب: الشجاعة في الحرب والجبن رقم (2821).
(2)
فتح الباري (6/ 254).
(3)
يُنظر: سراج الملوك، لأبي بكر الطرطوشي، المطبعة الأميرية، بولاق، طبعة 1289 هـ (ص 97) بتصرف يسير.
(4)
أخرجه أحمد في المسند (2/ 302) رقم (7997)، وأبو داود، باب: في الجرأة والجبن (2511)، وابن حبان في صحيحه، كتاب الزكاة، باب: الوعيد لمانع الزكاة (8/ 42) رقم (3250) بتحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1414 هـ، وجود إسناده العراقي في المغني (2/ 910) رقم (3324).
وفي التنزيل: {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} -أي: يمنعني من الماء- {قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} (1)، أي: لا معصوم إلا المرحوم (2). والعصمة: الحفظ، يُقال: عصمه اللَّه من المكروه: وقاه وحفظه، واعتصمتُ باللَّه لجأُتُ إليه (3). والعصمة: القلادة، والجَمع الأعْصام، والمِعْصم: موضع السِّوار من السَّاعد (4). وأصل العصمة: الحبل، وكل ما أمسك شيئًا فقد عصمه (5). والعصمة: السبب؛ قال الطبري: "ولذلك قيل للحبل: عصام، وللسَّبب الذي يتسبَّب به الرجل إلى حاجته: عصام"(6).
وخلاصة القول: أن هذه المعاني كلّها للعِصْمة ترجع إلى المعنى الأول الذي هو المنْع، فالحفظ منع للشَّيء من الوقوع في المكْروه أو المحظور، والقلادة تَمنع من سقوط الخرز منها، والحبْل يمنع من السُّقوط والتردِّي، والسَّبب يمنع صاحبه عمَّا يكره.
العصمة اصطلاحًا: هي حفظ اللَّه لعبده من الوقوع في الذُّنوب والمعاصي، وارتكاب المنكرات والمحرَّمات. وقيل: هي ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها، وبعبارة أخرى: قوة من اللَّه -تعالى- في عبده تحمله على فعل الخير وتزجره عن الشر، مع بقاء الاختيار؛ تحقيقًا للابتلاء والامتحان. فالعصمة لا تزيل المحنة والتكليف (7).
عصمة الأنبياء: هي ملكة تمنع عن الفجور، وتحصل بالعلم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات، وتتأكد بتتابع الوحي إليهم بالأوامر الداعية إلى
(1) سورة هود، الآية:(43).
(2)
لسان العرب (12/ 403)(عصم)، ومعجم مقاييس اللغة (4/ 331)(عصم).
(3)
فتح الباري (11/ 501).
(4)
تاج العروس (33/ 101)(عصم).
(5)
لسان العرب (12/ 405)(عصم)،
(6)
تفسير الطبري (4/ 26).
(7)
دستور العلماء (جامع العلوم في اصطلاحات الفنون)، للقاضي عبد النبي بن عبد الرسول الأحمد نكري، عرب عباراته الفارسية: حسن هاني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1421 هـ (2/ 233).
ما ينبغي، والنواهي الزاجرة عما لا ينبغي (1).
قال ابن حجر: "وعصمة الأنبِياء -عليْهِم الصَّلاة والسَّلام-: حِفْظُهم من النقائص، وتَخصيصهم بالكمالات النفيسة، والنصرة والثَّبات في الأمور، وإنْزال السَّكينة. والفرق بينهم وبين غيرهم: أن العِصْمة في حقِّهم بطريق الوجوب، وفي حقِّ غيرهم بطريق الجواز"(2).
وقال قوم: هي خاصية تكون في نفس الشخص أو في بدنه يمتنع بسببها صدور الذنب عنه.
ويكذب هذا القول: أنه لو كان صدور الذنب ممتنعًا لما استحق المدح بتركه؛ إذ لا مدح ولا ثواب بترك ما هو ممتنع، لأنه ليس مقدورًا داخلًا تحت الاختيار.
وأيضًا فالإجماع منعقد على أن الأنبياء مكلفون بترك الذنوب مثابون به، ولو كان الذنب ممتنعًا عنهم لما كان الأمر كذلك "إذ لا تكليف بترك الممتنع ولا ثواب عليه (3).
وبهذا المعنى الاصطلاحي للعصمة اتفق علماء الأمة على أنه لا يُشترط أن يكون الإمام معصومًا.
• من نقل الإجماع: أبو بكر الباقلاني (4)(403 هـ) قال: "ويدل على هذا -أي: عدم اشتراط عصمة الإمام- اعتراف الخلفاء الراشدين بأنهم غير
(1) المواقف للإيجي (3/ 448).
(2)
فتح الباري (11/ 502).
(3)
المواقف للإيجى (3/ 449).
(4)
هو أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم المعروف بالباقلاني، البصري المتكلم، سكن بغداد وسمع بها الحديث من أبي بكر بن مالك القطيعي، وأبي محمد بن ماسي، وأبي أحمد الحسين بن علي النيسابوري، وغيرهم، كان على مذهب الأشعري ومؤيدًا اعتقاده وناصرًا طريقته، صنف التصانيف الكثيرة المشهورة في علم الكلام وغيره، منها: التبصرة، ودقائق الحقائق، والتمهيد في أصول الفقه، وشرح الإبانة، وغير ذلك، توفي سنة ثلاث وأربعمائة. يُنظر: تاريخ بغداد (5/ 379)، ووفيات الأعيان (4/ 269).
معصومين، وترك إنكار الأمة أو واحد منهم تولى الأمر، مع اعترافهم بنفي العصمة عنهم" (1) الآمدي (631 هـ) قال:"الأمة من السلف أجمعت على صحة إمامة أبي بكر، وعمر، وعثمان، مع إجماعهم على أن العصمة لم تكن واجبة لهم"(2). نقله الوشتاني الأبي المالكي (827 هـ)(3) ابن تيمية (728 هـ) قال: "اتفقوا كلهم على أنه ليس أحد معصومًا فى كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "(4) الإيجي (756 هـ) قال: "أن يكون -الإمام- معصومًا شرطها الإمامية والإسماعيلية، ويبطله أن أبا بكر لا تجب عصمته اتفاقًا"(5) زكريا الأنصاري (6)(926 هـ) قال: "ولا يشترط كونه. . . ولا معصومًا باتفاق من يعتد به"(7).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (8)، والمالكية (9)، والشافعية (10)، والحنابلة (11)، والظاهرية (12).
(1) تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل (1/ 476).
(2)
أبكار الأفكار في أصول الدين (5/ 199).
(3)
إكمال إكمال المعلم بشرح صحيح مسلم (5/ 161).
(4)
مجموع فتاوى ابن تيمية (20/ 211).
(5)
المواقف للإيجي (3/ 586).
(6)
هو زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري الشافعي، ولد سنة ست وعشرين وثمانمائة، أخذ عن البلقينى والقاياتى والشرف السبكى وابن حجر وغيرهم، له: فتح الوهاب، وغاية الوصول، وشرح الروض، وغير ذلك، توفي سنة ست وعشرين وتسعمائة. يُنظر: البدر الطالع (1/ 252)، وشذرات الذهب (8/ 134).
(7)
أسنى المطالب في شرح روض الطالب (4/ 108).
(8)
الدر المختار (1/ 548)، وبريقة محمودية (1/ 216)، وحاشية الطحطاوي على الدر المختار (1/ 238)، وحاشية ابن عابدين (1/ 548).
(9)
الفواكه الدواني (1/ 323).
(10)
الأحكام السلطانية للماوردي (ص 5)، وغياث الأمم (ص 65)، وروضة الطالبين (10/ 42)، ومغني المحتاج (4/ 130)، ونهاية المحتاج (7/ 409)، وحاشية قليوبي (4/ 174).
(11)
الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 20)، والإنصاف للمرداوي (10/ 234)، والإقناع للحجاوي (4/ 292)، ودليل الطالب لنيل المطالب (1/ 322)، وكشاف القناع (6/ 159).
(12)
المحلى لابن حزم (1/ 45)، والفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 72).
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة.
• أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (1).
• وجه الدلالة: لم يأمر اللَّه -جل وعلا- بالرد عند التنازع إلا إلى اللَّه والرسول، ولو كان للناس معصوم غير الرسول صلى الله عليه وسلم لأمرهم بالرد إليه؛ فدل القرآن أن لا معصوم إلا الرسول صلى الله عليه وسلم (2).
الدليل الثاني: قال اللَّه -تعالى-: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)} (3)، وقال اللَّه -تعالى-:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} (4).
• وجه الدلالة: دل القرآن -في غير موضع- على أن من أطاع الرسول كان من أهل السعادة، ولم يشترط في ذلك طاعة معصوم آخر، ومن عصى الرسول كان من أهل الوعيد وإن قُدِّر أنه أطاع من ظن أنه معصوم، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي فرَّق اللَّه به بين أهل الجنة وأهل النار، وبين الأبرار والفجار، وبين الحق والباطل، وبين الغي والرشاد، والهدى والضلال، وجعله القسيم الذي قسَّم اللَّه به عباده إلى شقي وسعيد، فمن اتبعه فهو السعيد، ومن خالفه فهو الشقي، وليست هذه المرتبة لغيره، فهو المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى (5).
• ثانيًا: السنة: حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّمَا
(1) سورة النساء، الآية:(59).
(2)
يُنظر: منهاج السنة النبوية (3/ 226).
(3)
سورة النساء، الآية:(69).
(4)
سورة الجن، الآية:(23).
(5)
يُنظر: منهاج السنة النبوية (6/ 116).
الطَّاعَةُ في المَعْرُوفِ" (1)، وفي رواية: "لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّه" (2)، ومثله حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لَا طَاعَة لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخالق" (3)، وحديثا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أَمَرَكُمْ بِمَعْصِيَةِ اللَّه فَلَا تُطِيعُوه" (4).
• وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه وتعالى لم يأمر بطاعة الأئمة مطلقًا، بل أمر بطاعتهم في طاعة اللَّه دون معصيته، وهذا يُبيّن أن الأئمة الذين أمر بطاعتهم في طاعة اللَّه ليسوا معصومين (5).
• من خالف الإجماع: الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، فقد بالغوا في تقديس أئمتهم وقربوهم من مرتبة الرسل بإظهار المعجزة على أيديهم، والعصمة من الذنوب، وزعموا أن كل الأئمة معصومون عن الخطأ والنسيان، وعن اقتراف الكبائر والصغائر، وفرّقوا بين الرسل والأئمة في أن الرسل يوحى إليهم دون الأئمة. قال المجلسي:"اعلم أنّ الإماميّة اتّفقوا على عصمة الأئمّة عليهم السلام من الذّنوب صغيرها وكبيرها، فلا يقع منهم ذنب أصلًا، لا عمدًا ولا نسيانًا، ولا لخطأ في التّأويل، ولا للإسهاء من اللَّه سبحانه"(6). فأثبت للأئمة العصمة من جميع الأوجه المتصورة، من المعصية كلها الصغيرة والكبيرة، ومن الخطأ، ومن السهو والنسيان.
(1) أخرجه البخاري، كتاب الأحكام، باب: السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية (9/ 63) رقم (7145)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية (3/ 1469) رقم (1840).
(2)
تتمة الحديث السابق في رواية مسلم.
(3)
أخرجه أحمد (5/ 66) رقم (20672).
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 226): "رجال أحمد رجال الصحيح".
(4)
أخرجه أحمد (3/ 67) رقم (11657)، وابن ماجه، باب: لا طاعة في معصية اللَّه (2/ 955) رقم (2863). قال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 176): "هذا إسناد صحيح. . . وله شاهد من حديث ابن عمر، رواه مسلم في صحيحه".
(5)
يُنظر: منهاج السنة النبوية (3/ 229).
(6)
بحار الأنوار للمجلسي (25/ 211).