الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِثْلُ هَذَا إِلَّا الخُمُسُ، وَالخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ " (1).
• وجه الدلالة: قال ابن كثير: "فهذه أحاديث جيدة تدل على تقرير هذا وثبوته، ولهذا جعل ذلك كثيرون من الخصائص له صلوات اللَّه وسلامه عليه، وقال آخرون: إن الخمس يتصرف فيه الإمام بالمصلحة للمسلمين، كما يتصرف في مال الفيء"(2).
• المخالفون للإجماع: من العلماء من قال بسقوط نصيب الإمام من المغنم بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لانتهاء العلة -وهي النصرة- بوفاته. وقال بذلك أبو حنيفة، واختاره ابن جرير. وزاد أبو حنيفة: سقوط سهم ذوي القربى والمؤلفة قلوبهم أيضا بوفاته صلى الله عليه وسلم؛ لانتهاء علة الاستحقاق، وهي ضعف الإسلام (3). واستدلوا بقول اللَّه -تعالى-:{كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} (4).
والجواب عن ذلك من وجهين:
أحدهما: أنه راجع إلى جميع الخمس، وليس هو دولة بين الأغنياء؛ لأن سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل يستحق بالفقر.
والثاني: أن سهم ذي القربى ليس هو دولة بين الأغنياء؛ لأنه يشترك فيه الأغنياء والفقراء، وما كان دولة بين الأغنياء خرج عن أن يكون فيه حق للفقراء (5).
النتيجة:
عدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف.
[172/ 172] أمر الفيء إلى إمام المسلمين
• المراد بالمسألة: أجمع العلماء على أن أموال أهل الحرب التي أفاء بها اللَّه -جل وعلا- على المسلمين بغير خيل ولا ركاب، أمرها إلى الإمام، يقسمها
(1) تقدم تخريجه.
(2)
تفسير ابن كثير (2/ 313).
(3)
شرح معاني الآثار (3/ 310)، وكشف الأسرار (4/ 206).
(4)
سورة الحشر، الآية:(7).
(5)
الحاوي الكبير (8/ 434).
فيمن سماهم اللَّه -جل شأنه- في آيات الفيء (1)، أو يوقفها لجميع المسلمين.
• من نقل الإجماع: أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) -بعد أن ذكر ما رُدري عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الزكاة، والحدود، والفيء، والجمعة إلى السلطان"- قال: "ولا نعلم عن أحد من الصحابة خلافه"(2) نقله أبو بكر الجصاص (370 هـ)(3) وابن حجر العسقلاني (852 هـ)(4) والأمير الصنعاني (1182 هـ)(5) والشوكاني (1250 هـ)(6) والمباركفوري (1353 هـ)(7).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (8)، والمالكية (9)، والشافعية (10)، والحنابلة (11).
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة، والآثار:
• أولًا: الكتاب: وقال اللَّه -تعالى-: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ. . .} إلى قول اللَّه -تعالى-: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} (12).
• وجه الدلالة: قال أبو عبيد: "فهذه آية الفيء، وبها عمل عمر رضي الله عنه، وإياها
(1) سورة الحشر، الآيات:(7 - 10).
(2)
مختصر اختلاف العلماء (3/ 299).
(3)
أحكام القرآن للجصاص (5/ 131).
(4)
فتح الباري (12/ 163).
(5)
سبل السلام (4/ 11).
(6)
نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار (7/ 296).
(7)
تحفة الأحوذي (4/ 596).
(8)
تحفة الفقهاء (3/ 298)، وبدائع الصنائع (6/ 87)، والبحر الرائق (5/ 89).
(9)
المدونة الكبرى (2/ 301)، والكافي في فقه أهل المدينة (1/ 478).
(10)
الأم للشافعي (4/ 139)، وروضة الطالبين (6/ 355)، ومغني المحتاج (3/ 93).
(11)
الكافي في فقه ابن حنبل (4/ 318)، والمغني في فقه الإمام أحمد (2/ 308)، والمبدع لابن مفلح (3/ 384).
(12)
سورة الحشر، الآيات:(7 - 10).
تأول حين ذكر الأموال وأصنافها، فقال:"فاستوعبت هذه الآية الناس". وإلى هذه الآية ذهب علي ومعاذ رضي الله عنهما حين أشارا عليه بما أشارا فيما نرى واللَّه أعلم" (1).
وقال الشوكاني: "فقد ثبت أن ما كان أمره إلي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فهو إلي الأئمة من بعده"(2).
• ثانيًا: السنة: حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، مِمَّا لَمْ يُوجِفِ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْل وَلَا رِكَاب، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّه"(3).
• وجه الدلالة: قال ابن دقيق العيد (4): "يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يُراد بذلك أنها كانت لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خاصة، لا حق فيها لأحد من المسلمين، ويكون إخراج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما يخرجه منها لغير أهله ونفسه تبرعًا منه صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أن يكون ذلك مما يشترك فيه هو وغيره صلى الله عليه وسلم، ويكون ما يخرجه منها لغيره من تعيين المصرف، وإخراج المستحق، وكذلك ما يأخذه صلى الله عليه وسلم لأهله من
(1) الأموال لأبي عبيد (ص 78).
(2)
السيل الجرار (1/ 259).
(3)
أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب: المجن ومن يتترس بترس صاحبه (4/ 38) رقم (2904).
(4)
هو: تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري، المنفلوطي، الصعيدي، المالكي، والشافعي، صاحب التصانيف، ولد سنة خمس وعشرين وستمائة بقرب ينبع من الحجاز، سمع من ابن المقير، وحدث عن ابن الجميزي، وسبط السلفي، وابن عبد الدائم، وأبي البقاء خالد بن يوسف، وغيرهم، روى عنه علاء الدين القونوي، وعلم الدين ابن الأخنائي، وقطب الدين الحلبي، وطائفة سواهم، توفي سنة 72. تذكرة الحفاظ (4/ 1481)، وطبقات الحفاظ (ص 516)، وشذرات الذهب (6/ 5).
باب أخذ النصيب المستحق من المال المشترك في المصرف" (1).
• ثالثًا: الآثار:
1 -
رُوي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الزكاة، والحدود، والفيء، والجمعة إلى السلطان"(2).
2 -
وقال عبد اللَّه بن محيريز: "الحدود، والفيء، والزكاة، والجمعة إلى السلطان"(3).
• المخالفون للإجماع: ذهب بعض العلماء إلى أن الفيء كالغنيمة يجب أن يُخمس ويُقسم، وقال بعضهم: لا يُقسم، بل يوقفه الإمام على جميع المسلمين؛ لأن جميع الناس الحاضرين والآتين شركاء في الفيء.
وسبب اختلافهم ما يُظن من التعارض بين آية سورة الأنفال، وآية سورة الحشر؛ وذلك أن آية الأنفال تقتضي بظاهرها أن كل ما غنم يُخمس، وهو قوله -تعالى-:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ. . .} (4) وقوله -تعالى- في آية الحشر: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} (5)، عطفًا على ذكر الذين أوجب لهم الفيء، يمكن أن يفهم منه أن جميع الناس الحاضرين والآتين شركاء في الفيء، كما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال- في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} -: ما أرى هذه الآية إلا قد عمت الخلق، حتى الراعي بكداء". أو كلامًا هذا معناه؛ ولذلك لم تُقسم الأرض التي افتتحت في أيامه عنوة من أرض العراق ومصر.
فمن رأى أن الآيتين متواردتان على معنى واحد، وأن آية الحشر مخصصة لآية الأنفال، استثنى من ذلك الأرض، ومن رأى أن الآيتين ليستا متواردتين
(1) إحكام الأحكام (4/ 237).
(2)
انظر: مختصر اختلاف العلماء (3/ 299)، وأحكام القرآن للجصاص (5/ 131)، والمحلى لابن حزم (11/ 165).
(3)
انظر: مختصر اختلاف العلماء (3/ 299)، وأحكام القرآن للجصاص (5/ 131)، والمحلى لابن حزم (11/ 165).
(4)
سورة الأنفال، الآية:(41).
(5)
سورة الحشر، الآية:(10).