الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يخالف في شيء من هذا أحد، ولم يدَّعِ علي ولا العباس ولا أبو بكر وصية في وقت من الأوقات، وقد اتفق علي والعباس على جميع هذا من غير ضرورة مانعة من ذكر وصية لو كانت، فمن زعم أنه كان لأحد منهم وصية فقد نسب الأمة إلى اجتماعها على الخطأ واستمرارها عليه، وكيف يحل لأحد من أهل القبلة أن ينسب الصحابة إلى المواطأة على الباطل في كل هذه الأحوال، ولو كان شيء لنُقِل، فإنه من الأمور المهمة (1).
قال النووي: "أما ما تدعيه الشيعة من النص على علي والوصية إليه فباطل لا أصل له باتفاق المسلمين، والاتفاق على بطلان دعواهم من زمن علي، وأول من كذبهم علي رضي الله عنه بقوله: "ما عندنا إلا ما في هذه الصحيفة. . . " (2) الحديث، ولو كان عنده نص لذكره، ولم يُنقل أنه ذكره في يوم من الأيام، ولا أن أحدًا ذكره له، واللَّه أعلم"(3).
النتيجة:
عدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف.
[23/ 23] تعيين الإمام يكون بالبيعة
• المراد بالمسألة: البيعة لغة: من البيع، وهي: الصفقة من صفقات البيع، يُقال: بايعه مبايعة وبياعًا: عارضه بالبيع، فهي: معاهدة ومعاقدة، كل من طرفيها باع ما عنده لصاحبه، وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره (4).
البيعة اصطلاحًا: هي العهد على الطاعة، كأن المبايع يعاهد أميره على أن يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره، وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدا للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، وصارت البيعة تقترن بالمصافحة بالأيدي، هذا مدلولها حيثما ورد
(1) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (12/ 206).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب: ذمة المسلمين وجوارهم واحدة (4/ 100) رقم (3172).
(3)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (15/ 154).
(4)
يُنظر: لسان العرب (8/ 25)(بيع)، والمصباح المنير (1/ 69)(بيع).
هذا اللفظ، ومنه: بيعة الرضوان يوم الحديبية، وبيعة الخلفاء (1). وقد اتفق علماء الأمة على أن تعيين الإمام باختيار أهل الحل والعقد، ثم مبايعته من قبلهم، ومن قبل الأمة.
• من نقل الإجماع: الجصاص (370 هـ) قال: "وأجمعوا على عقد البيعة لأبي بكر رضي الله عنه "(2). ابن قدامة (620 هـ) قال: "فإن أبا بكر ثبتت إمامته بإجماع الصحابة على بيعته"(3) النووي (676 هـ) قال: "وأجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف، وعلى انعقادها بعقد أهل الحل، والعقد لإنسان إذا لم يستخلف الخليفة"(4)، نقله ابن حجر العسقلاني (852 هـ)(5)، والعيني (855 هـ)(6)، والشوكاني (1250 هـ)(7) والعظيم آبادي (بعد 1310 هـ)(8)، والمباركفوري (1353 هـ) (9) الحافظ العراقي (806 هـ) قال:"انعقد الإجماع على أن الخليفة يجوز له الاستخلاف وتركه، وعلى انعقاد الخلافة، بالاستخلاف، وعلى انعقادها بعقد أهل الحل، والعقد لإنسان إذا لم يستخلفه الخليفة"(10). الإيجي (756 هـ) قال: "وتثبت -الإمامة-أيضًا ببيعة أهل الحل والعقد، عند أهل السنة والجماعة، والمعتزلة، والصالحية من الزيدية، خلافًا للشيعة، أي: لأكثرهم، فإنهم قالوا: لا طريق إلا النص"(11).
(1) يُنظر: مقدمة ابن خلدون (ص 209).
(2)
الفصول في الأصول (4/ 54).
(3)
المغني في فقه الإمام أحمد، لابن قدامة المقدسي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1405 هـ (10/ 49).
(4)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (12/ 205).
(5)
فتح الباري لابن حجر العسقلاني (13/ 208).
(6)
عمدة القاري (24/ 279).
(7)
نيل الأوطار (6/ 166).
(8)
عون المعبود (8/ 158).
(9)
تحفة الأحوذي للمباركفوري، تحقيق: عبد الرحمن عثمان، دار الفكر، بيروت (6/ 479).
(10)
طرح التثريب في شرح التقريب (8/ 65).
(11)
المواقف للإيجي (3/ 592).
من وافق على الإجماع؛ الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، والظاهرية (5).
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بما ثبت من آثار عن الصحابة رضي الله عنهم:
1 -
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في وصف مبايعة المسلمين لأبي بكر الصديق رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة: ". . . إِنَّا وَاللَّه مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضرْنَا مِنْ أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلًا مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لَا نَرْضَى، وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ، فَيَكُونُ فَسَادٌ"(6).
2 -
وقال رضي الله عنه في خطبته حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَلِكَ الْغَدَ مِنْ يَوْم تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ثَانِيَ اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ أَوْلَى المُسْلِمِينَ بِأُمُورِكُمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ"، قال أنس بن مالك رضي الله عنه "وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ"(7).
3 -
روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ". . . فلما قعد أبو بكر على المنبر، نظر في وجوه القوم، فلم ير عليًّا، فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به، فقال أبو بكر: ابن عم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وختنه، أردت أن تشق عصا
(1) روضة القضاة وطريق النجاة (1/ 69)، وغمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر (4/ 111)، وحاشية ابن عابدين (1/ 549).
(2)
الذخيرة للقرافي (10/ 25)، والفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/ 323)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/ 268)، وبلغة السالك لأقرب المسالك (4/ 220).
(3)
المستصفى (ص 286)، وروضة الطالبين (10/ 43)، ومغني المحتاج (4/ 130)، ونهاية المحتاج (7/ 410).
(4)
الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 23)، والإنصاف للمرداوي (10/ 234)، والإقناع للحجاوي (4/ 292)، وكشاف القناع للبهوتي (6/ 159).
(5)
المحلى لابن حزم (9/ 359)، والفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 131).
(6)
تقدم تخريجه.
(7)
تقدم تخريجه.