الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويورثون، ودمهم في حال القتال هدر، وكذا أموالهم التي تتلف في القتال" (1).
• ثالثًا: الآثار: عن أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال: "شهدت صفين، فكانوا لا يجهزون على جريح، ولا يطلبون موليًّا، ولا يسلبون قتيلًا"(2).
النتيجة:
صحة الإجماع؛ لعدم المخالف.
[104/ 104] التعزير موكول إلى الإمام
• المراد بالمسألة: التعزير لغة: مصدر عزَّرَ من العزْر، وهو الرَّدُّ والمنع، ويُقال: عزَّر أخاه بمعنى: نصره؛ لأنّه منع عدوَّه من أن يؤذيه، ويُقال: عزَّرته بمعنى: وقَّرته، وأيضًا: أدَّبته، فهو من أسماء الأضداد. وسُمِّيت العقوبة تعزيرًا؛ لأن من شأنها أن تدفع الجاني وتردَّه عن ارتكاب الجرائم، أو العودة إليها (3) التعزير اصطلاحًا: هو عقوبة غير مقدّرة شرعًا، تجب حقًّا للَّه، أو لآدمي، في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة غالبًا (4). وقد اتفق العلماء على أن التعزير موكول إلى الإمام، فله أن يقوم على التعزير، أو يأذن به لمن يقوم مقامه، وله أن يخففه أو يشدده.
• من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ) قال: "أجمعوا على أن للإمام أن يعزر في بعض الأشياء"(5) نقله ابن القطان (628 هـ)(6) أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) قال: "والتعزير لم يختلفوا في أنه موكول إلى اجتهاد الإمام، فيخفف تارة، ويشدد أخرى"(7). نقله ابن بطال (449 هـ)(8) العيني (855 هـ)(9) ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: "الإجماع على أن التعزير موكول إلى رأي
(1) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (7/ 170).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تهذيب اللغة (2/ 78)(عزر)، ولسان العرب (4/ 561)(عزر).
(4)
الأحكام السلطانية للماوردي (ص 310)، والأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 279).
(5)
الإجماع لابن المنذر (ص 165).
(6)
الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 266).
(7)
مختصر اختلاف العلماء (3/ 305).
(8)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (8/ 486).
(9)
عمدة القاري (24/ 23).
الإمام، فيما يرجع إلى التشديد والتخفيف" (1).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)، والظاهرية (6).
• مستند الإجماع: واستدلوا بالسنة، والآثار:
• أولًا: السنة: فقد عزر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بما يناسب حال الواقعة ومَنْ ارتكبها.
قال ابن فرحون: "فقد عزر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالهجر، وذلك في عقد الثلاثة الذين ذكرهم اللَّه -تعالى- في القرآن الكريم، فهجروا خمسين يومًا لا يكلمهم أحد، وقضيتهم مشهورة في الصحاح، وعزر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالنفي، فأمر بإخراج المخنثين من المدينة ونفيهم"(7). وعدّد أمثلة أخرى، فقال:"ومنها: ما فعله صلى الله عليه وسلم بالعُرنيين. أمره صلى الله عليه وسلم للمرأة التي لعنت ناقتها أن تخلي سبيلها. إباحته صلى الله عليه وسلم سلب الذي يصطاد في حرم المدينة لمن وجده. أمره صلى الله عليه وسلم بكسر دنان الخمر، وشق ظروفها. أمره لعبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما بتحريق الثوبين المعصفرين. أمره صلى الله عليه وسلم يوم خيبر بكسر القدور التي طُبخ فيها لحم الحمر الأهلية، ثم استأذنوه في غسلها، فأذن لهم، فدل على جواز الأمرين؛ لأن العقوبة بالكسر لم تكن واجبة. هدمه صلى الله عليه وسلم لمسجد الضرار. أمره صلى الله عليه وسلم بتحريق متاع الذي غل من الغنيمة. إضعاف الغرم على سارق مالا قطع فيه من الثمر والكثر. إضعاف الغرم على كاتم الضالة. أخذه شطر مانع الزكاة غرامة من غرامات الرب تبارك وتعالى. أمره صلى الله عليه وسلم لابس خاتم الذهب بطرحه، فلم يعرض له أحد. أمره صلى الله عليه وسلم بقطع نخيل اليهود إغاظة لهم"(8).
(1) فتح الباري لابن حجر العسقلاني (12/ 178).
(2)
تحفة الترك فيما يجب أن يعمل في الملك (ص 32)، والفتاوى الهندية (2/ 167).
(3)
أحكام القرآن للجصاص (5/ 97)، وتبصرة الحكام لابن فرحون (2/ 219).
(4)
الأحكام السلطانية للماوردي (ص 310)، وغياث الأمم (ص 162).
(5)
الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 279)، والسياسة الشرعية لابن تيمية (ص 104).
(6)
المحلى لابن حزم (12/ 378).
(7)
تبصرة الحكام (2/ 219).
(8)
تبصرة الحكام (2/ 219).
• ثانيًا: الآثار: وقد وردت آثار عديدة تفيد تفاوت التعزير شدة وتخفيفًا بحسب ظروف الواقعة وحال مرتكبها، ومنها: أن أمَةً أعجمية زَنَتْ، وهي لا تفقه، فاستشار عمر عثمان رضي الله عنهما، فَقَالَ: أُرَاهَا تَسْتَهِلُّ بِهِ كَأَنَّهَا لَا تَعْلَمُهُ، وَلَيْسَ الْحَدُّ إِلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ. فَقَالَ عمر رضي الله عنه:"صَدَقْتَ، والذي نفسي بِيَدِهِ مَا الْحَدُّ إِلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ"، فَجَلَدَهَا عُمَرُ رضي الله عنه مِائَةً، وَغَرَّبَهَا عَامًا (1).
• وجه الدلالة: تعزير عمر رضي الله عنه بمائة؛ لأنه كان عليها علم الأشياء المحرمة، وتغريبها زيادة في العقوبة، كما غرب في الخمر (2). وقد ذكر ابن فرحون طرفًا منها، فقال: "ومنها: أن أبا بكر رضي الله عنه استشار الصحابة في رجل يُنكح كما تنكح المرأة، فأشاروا بحرقه في النار، فكتب أبو بكر رضي الله عنه بذلك إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه، ثم حرقهم عبد اللَّه بن الزبير في خلافته. ومنها: أن أبا بكر رضي الله عنه حرَّق جماعة من أهل الردة. ومنها: تحريق عمر رضي الله عنه المكان الذي يُباع فيه الخمر. ومنها: تحريق عمر رضي الله عنه قصر سعد بن أبي وقاص، لما احتجب فيه عن الرعية، وصار يحكم في داره. ومنها: مصادرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عماله بأخذ شطر أموالهم، فقسمها بينهم وبين المسلمين. ومنها: أنه رضي الله عنه ضرب الذي زور على نقش خاتمه، وأخذ شيئًا من بيت المال مائة، ثم ضرب في اليوم الثاني مائة، ثم ضربه في اليوم الثالث مائة. ومنها: أن عمر رضي الله عنه لما وجد مع السائل من الطعام فوق كفايته وهو يسأل أخذ ما معه، وأطعمه إبل الصدقة. ومنها: أنه رضي الله عنه أراق اللبن المغشوش (3).
النتيجة:
صحة الإجماع؛ لعدم المخالف.
(1) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الحدود، باب: لا حد إلا على من علمه (7/ 404) رقم (13645)، والبيهقي في الكبرى، كتاب الحدود، باب: ما جاء في درء الحدود بالشبهات (8/ 238) رقم (16842).
(2)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (8/ 487).
(3)
تبصرة الحكام (2/ 219، 220).