الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد موارد ومصارف بيت مال المسلمين
المبحث الأول: التعريف بالمال
المطلب الأول: المال في اللغة:
مأخوذ من مادة (مَوَلَ)، وهو: ما ملكته من جميع الأشياء (1). قال ابن الأثير: المالُ في الأصل: ما يُملك من الذهب والفضة، ثم أُطلق على كل ما يُقتنى ويُملك من الأعيان، وأكثر ما يُطلق المال عند العرب على الإبل؛ لأنها كانت أكثر أموالهم، ومَالَ الرجل وتمَوَّل: إذا صار ذا مالٍ، وقد موله غيره ويُقال: رجل مال: أي كثير المال، كأنه قد جعل نفسه مالًا، وحقيقته: ذو مال (2).
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا آتاكَ اللَّه مِنْه مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إِشْرَافٍ، فَخُذْهُ وَتَمَوَّلْهُ"(3)، أي: اجعله لك مالًا.
وقيل: "المال: كل ما يملكه الفرد، أو تملكه الجماعة، من متاع، أو عروض تجارة، أو عقار، أو نقود، أو حيوان، وجمعه أموال. وقد أطلق في الجاهلية على الإبل"(4).
المطلب الثاني: المال في الاصطلاح:
اختلفت تعريفات الفقهاء للمال تبعًا لاختلافهم في مالية المنافع، وعدم ماليتها.
فذهب السرخسي من الحنفية إلى أن المال: اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا به، ولكن باعتبار صفة التمول والإحراز (5). فقصر المال على المتمول والمحرز، إلا أن ثمة أموالًا غير متمولة ولا محرزة.
وقال ابن عابدين: "والمال أعم من المتمول؛ لأن المال ما يمكن ادخاره
(1) لسان العرب (11/ 635)(مول).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 373)(مول).
(3)
أخرجه أحمد (5/ 195) رقم (21746) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.
(4)
المعجم الوسيط (2/ 892)(مول).
(5)
المبسوط للسرخسي (11/ 79).
ولو غير مباح، كالخمر، والمتقوم ما يمكن ادخاره مع الإباحة، فالخمر مال لا متقوم" (1). وعرّف المال بقوله:"المال: ما يميل إليه الطبع، ويمكن ادخاره لوقت الحاجة"(2).
ولكن طباع الناس تختلف في ميلها وتتناقض، فلا تصلح أن تكون أساسًا ومقياسًا لتمييز المال من غير المال، كما أن من المال أنواعًا لا يمكن ادخارها، كالخضروات والثمار الطازجة، مع أنها أموال في نظر عامة الناس.
وقال الزرقا (3) -وهو من الحنفية المتأخرين-: "المال عند فقهاء الحنفية يقتصر على الموجودات المادية ذات قيمة مادية بين الناس"(4).
فقصر المال على الأعيان، وبذلك خرجت المنافع والحقوق المحضة، مما عدوه ملكًا لا مالًا، كما خرجت الأعيان التي لا قيمة لها بين الناس، كحبة القمح والجيفة ونحوها.
وجمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة يرون المنافع أموالًا، وعليه فإن المال عند الجمهور تتسع دائرته لتشمل ما يُعرف في هذا العصر بالحقوق المعنوية، وفيما يلي بعض تعريفات الجمهور للمال:
قال ابن عبد البر: "المعروف من كلام العرب أن كل ما تمول وتملك فهو مال"(5).
(1) حاشية ابن عابدين (4/ 501).
(2)
المرجع السابق.
(3)
هو مصطفي بن أحمد الزرقا، ولد بحلب سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وألف، وحفظ القرآن الكريم، واهتم بالدراسات اللغوية والأدبية، وتخرج من كليتي الحقوق والآداب، ثم اشتغل بالتدريس في جامعة دمشق، سلسلة بعنوان:"الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد" في أربع مجلدات، وسلسلة في شرح القانون المدني، في ثلاث مجلدات، تولى وزارة العدل والأوقاف بسوريا عام 1956 م، ونال جائزة الملك فيصل عن كتابه "المدخل إلى نظرية الالتزام العامة في الفقه الإسلامي"، وهو ضمن سلسلة "الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد"، وتوفي سنة عشرين وأربعمائة وألف.
(4)
المدخل الفقهي، مصطفى أحمد الزرقا، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1418 هـ (1/ 351، 352).
(5)
التمهيد لابن عبد البر (2/ 5).
وقال الشاطبي: "أعني بالمال: ما يقع عليه الملك، ويستبد به المالك عن غيره"(1).
وقال الشافعي: "لا يقع اسم المال إلا على ما له قيمة يُباع بها، وتكون إذا استهلكها مستهلك أدى قيمتها وإن قلّت، وما لا يطرحه الناس من أموالهم، مثل الفلس وما أشبه ذلك"(2). ويبدو أنه تعريف يراعي أعراف الناس في اعتبارهم للقيمة، وهذا باب واسع يدخل فيه الأعيان والمنافع والحقوق، فكل هذه لها قيمة في نظر الناس.
وقال المرداوي وغيره: "هو ما فيه منفعة مباحة لغير ضرورة"(3). فاعتبر المنفعة أساسًا في تحديد ما يعاوض عليه بين الناس، فما لا منفعة فيه لا يكون فيه ربحٌ ولا كسب.
ومن مجمل تعريفات الجمهور السابقة للمال استخلص بعض الباحثين تعريفًا للمال بأنه: "ما كان له قيمة مادية بين الناس، وجاز شرعًا الانتفاع به حال السعة والاختيار"(4).
وهذا التعريف متين وقوي، إلا ما قد يرد عليه في قوله:"قيمة مادية"، فإنه قد يُفهم منها إرادة الأعيان دون المنافع، ودون الأمور المعنوية، فكان عليه إطلاق القيمة دون تقييدها بالمادية (5).
(1) الموافقات (2/ 17).
(2)
الأم للشافعي (5/ 160).
(3)
الإنصاف للمرداوي (4/ 270)، والمبدع لابن مفلح (4/ 9).
(4)
الملكية في الشريعة الإسلامية، عبد السلام داود العبادي، (1/ 179).
(5)
أخذ المال على القرب، عادل شاهين محمد شاهين، كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى 1425 هـ (ص 42).