الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني مسائل الإجماع في مواطن الحسبة
[133/ 133] لا إنكار فيما يسوغ فيه الاجتهاد ما لم يخالف نصًا من كتاب أو سنة أو إجماع
• المراد بالمسألة: اتفقوا أنه لا إنكار فيما يسوغ فيه الاجتهاد، إلا أن يخالف المجتهد نصًّا ثابتًا صحيحًا من الكتاب أو السنة أو إجماع، فحينئذٍ يجب على المحتسب الإنكار عليه.
• من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) قال: "لم يزل الخلاف في الفروع بين الصحابة والتابعين فمن بعدهم رضي الله عنهم أجمعين - ولا ينكر محتسب ولا غيره على غيره، وكذلك قالوا: ليس للمفتى ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصًّا أو إجماعًا أو قياسًا جليًّا"(1) ابن تيمية (728 هـ) قال: "وقولهم: (مسائل الخلاف لا إنكار فيها) ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل. أمّا الأول: فإذا كان القول يخالف سنَّةً أو إجماعًا قديمًا وجب إنكاره وفاقًا، وإن لم يكن كذلك فإنه يُنكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول: المصيب واحد. وهم عامة السلف والفقهاء، وأما العمل: فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره أيضًا بحسب درجات الإنكار. . . وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ، فلا ينكر على من عمل بها مجتهدًا أو مقلدًا"(2) نقله ابن القيم (751 هـ)(3)، وابن مفلح (763) (4) محمد بن عبد الوهاب (1206 هـ) قال -في رده على من قال: لا إنكار في مسائل الخلاف-: "إن أراد القائل مسائل الخلاف كلها، فهذا باطل يخالف إجماع الأمة، فما زال الصحابة ومن بعدهم ينكرون على من
(1) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (2/ 23).
(2)
الفتاوى الكبرى (3/ 181).
(3)
إعلام الموقعين (3/ 288).
(4)
الآداب الشرعية (1/ 191).
خالف وأخطأ كائنًا من كان، ولو كان أعلم الناس وأتقاهم، وإذا كان اللَّه بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وأمرنا باتباعه وترك ما خالفه، فمن تمام ذلك أن من خالفه من العلماء مخطئ يُنبه على خطئه، وينكر عليه. وإن أُريد بمسائل الاجتهاد مسائل الخلاف التي لم يتبين فيها الصواب، فهذا كلام صحيح، لا يجوز للإنسان أن ينكر الشيء؛ لكونه مخالفًا لمذهبه، أو لعادة الناس" (1).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (2)، المالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب والسنة:
• أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (6).
• وجه الدلالة: قال أبو بكر الجصاص: "اقتضى ذلك نهي الإنسان عن أن يقول في أحكام اللَّه ما لا علم له به على جهة الظن والحسبان، وأن لا يقول في الناس من السوء ما لا يعلم صحته، ودل على أنه إذا أخبر عن غير علم فهو آثم في خبره، كذبًا كان خبره أو صدقًا؛ لأنه قائل بغير علم، وقد نهاه اللَّه عن ذلك"(7).
• ثانيًا: السنة: حديث مُعَاذِ بن جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ مُعَاذًا إلى الْيَمَنِ قال: "كَيْفَ تَقْضِي إذا عَرَضَ لك قَضَاءٌ؟ "، قال: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّه، قال:"فَإنْ لم تَجِدْ في كتَابِ اللَّه؟ "، قال: فَبِسُنَّةِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال:
(1) أربع قواعد تدور الأحكام عليها، محمد بن عبد الوهاب، تحقيق: عبد العزيز الرومي، محمد بلتاجي، سيد حجاب، مطابع الرياض، الرياض، الطبعة الأولى (ص 11، 12).
(2)
أحكام القرآن للجصاص (5/ 29).
(3)
الفروق للقرافي (1/ 380)، والتاج والإكليل (2/ 121).
(4)
الإرشاد لأبي المعالي الجويني (ص 369)، وروضة الطالبين (10/ 220)، وأسنى المطالب (4/ 180).
(5)
انظر: الآداب الشرعية (1/ 188)، وشرح منتهى الإرادات (1/ 275)، ومطالب أولي النهى (5/ 263).
(6)
سورة الإسراء، الآية:(36).
(7)
أحكام القرآن للجصاص (5/ 29).
"فَإِنْ لم تجِدْ في سُنَّةِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولا في كتَابِ اللَّه؟ "، قال: أَجْتَهِدُ رَأْيِي ولا آلُو، فَضَرَبَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صَدْرَهُ وقال:"الحَمْدُ للَّه الذي وَفَّقَ رَسُولَ رسول اللَّه لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّه"(1).
• وجه الدلالة: فيه دليل جواز اجتهاد الرأى والعمل بالقياس فيما لا نص فيه (2).
كما يُستدل على ذلك بعموم أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الكتاب، والسنة، وقد تقدم ذكرها آنفًا (3).
• من خالف الإجماع: قال السعد التفتازاني: "ليس لمجتهد أن يتعرض بالردع والزجر على مجتهد آخر في موضع الخلاف؛ إذ كل مجتهد مصيب في الفروع عندنا، ومن قال: إن المصيب واحد، فهو غير متعين عنده، وذكر في محيط الحنفية أن للحنفي أن يحتسب على الشافعي في أكل الضبع، ومتروك التسمية عمدًا، وللشافعي أن يحتسب على الحنفي في شرب المثلث، والنكاح بلا ولي"(4).
وقال ابن رجب الحنبلي: "والمنكر الذي يجب إنكاره ما كان مجمعًا عليه، فأما المختلف فيه، فمن أصحابنا من قال: لا يجب إنكاره على من فعله مجتهدًا أو مقلدًا لمجتهد تقليدًا سائغًا، واستثنى القاضي في الأحكام السلطانية (5) ما ضعف فيه الخلاف، وإن كان ذريعة إلى محظور متفق عليه، كربا النقد، فالخلاف فيه ضعيف، وهو ذريعة إلى ربا النساء المتفق على تحريمه، وكنكاح المتعة، فإنه ذريعة إلى الزنا"(6).
النتيجة:
عدم صحة الإجماع، لوجود الخلاف.
(1) تقدم تخريجه.
(2)
المبسوط للسرخسي (16/ 70).
(3)
راجع (ص 419).
(4)
شرح المقاصد في علم الكلام (2/ 246).
(5)
الأحكام السلطانية للماوردي (ص 284).
(6)
جامع العلوم والحكم (ص 325).