الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث شروط الإجماع
ينعقد الإجماع بتوفر عدد من الشروط، ولقد اخترت منها ما هو أكثر صلة بموضوع الدراسة، ومن تلك الشروط:
الشرط الأول: اتفاق الأكثر:
اختلف العلماء في شرط أن يكون الاتفاق في الإجماع واقعًا من كل المجتهدين، إذا كان المقصود بيان الحكم الشرعي لمسألة ما على قولين:
القول الأول: أنه لا بد من اتفاق الجميع على المسألة، بحيث إذا خالف في الحكم واحد أو أكثر فإن الإجماع لا ينعقد، وإن كان القائلون هم الأكثر (1).
وقد استدل أصحاب هذا القول بأمرين هما: الدليل الأول: إن الأدلة الدالة على حجية الإجماع جاءت بألفاظ دالة على العموم والاستغراق كلفظ المؤمنين في قول اللَّه -تعالى-: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (2)، والأمة في قوله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللَّه لَا يجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ"(3)(4).
وإذا استعملا في الأكثر فذلك بطريق التجوز، ولا يُصار إلى ذلك إلا بقرينة، ولا قرينة مع هذه النصوص (5).
الدليل الثاني: أن الأدلة الدالة على عصمة الأمة مثل قول اللَّه -تعالى-: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤمِنِينَ} . إنما شهدت بالعصمة لمجموع الأمة، ومجموع الأمة ليس بحاصل مع خلاف الواحد والاثنين (6).
(1) التقرير والتحبير (3/ 93 - 94)، والبرهان للجويني (1/ 721)، والمستصفى للغزالي (1/ 186)، وأصول السرخسي، محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (1/ 316).
(2)
سورة النساء، الآية (115).
(3)
تقدم تخريجه (ص 32).
(4)
أحكام القرآن، تأليف: أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص.
(5)
المحصول للرازي (2/ 91)، ونهاية السول شرح منهاج البيضاوي، للإسنوي (2/ 309).
(6)
نشر البنود على مراقي السعود، لعبد اللَّه بن إبراهيم الشنقيطي.
القول الثاني: أن مخالفة الواحد أو الاثنين لا تؤثر في الإجماع، وهو قول الطبري، والجصاص (1)، وبعض المعتزلة، وقد أومأ إليه الإمام أحمد (2).
وقد استدل أصحاب هذا القول بما يلي: الدليل الأول: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّه لَا يَجْمَعُ أمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ، وَيَدُ اللَّه مع الجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إلى النَّارِ"(3).
• وجه الدلالة: ظاهر الحديث يدل على أن الأكثر هم الجماعة مع وجود المخالف، فقد جعل اللَّه الحق مع الأكثر. وأجيب عنه: بأن المراد بالجماعة في الحديث الكل، والذين شذوا خالفوا بعد الموافقة (4).
الدليل الثاني: اعتمدت الأمة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه على أنه إجماع، فقد اتفق عليه الأكثرون، وخالف في ذلك جماعة، كعلي بن أبي طالب، وسعد بن عبادة، ولولا أن قول الأكثر حجة مع مخالفة الأقل لما كانت إمامة أبي بكر ثابتة بالإجماع (5) وأجيب عنه: برجوع علي وسعد رضي الله عنهما إلى المبايعة، كما أن الإمامة لا يلزم انعقادها حصول الإجماع، بل تكفي بيعة الأكثر (6).
الدليل الثالث: ما رواه أنس رضي الله عنه، قال سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:"إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ على ضَلَالَةٍ، فإذا رَأَيْتُمْ اخْتِلَافًا فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الأعْظَمِ"(7).
(1) هو أحمد بن علي أبو بكر الرازي، المعروف بالجصاص، من أهل الرأي، ولد سنة 305، سكن بغداد ودرّس بها، وانتهت إليه رئاسة الحنفية في وقته، خوطب في أن يلي القضاء فامتنع، من تصانيفه: أحكام القرآن، وشرح مختصر الطحاوي، وغير ذلك، توفي سنة 370. يُنظر: الجواهر المضية (1/ 84)، والبداية والنهاية لابن كثير (11/ 256).
(2)
الإحكام (1/ 235)، والبرهان (1/ 721)، والإبهاج (2/ 383).
(3)
تقدم تخريجه (ص 32).
(4)
الإحكام للآمدي (1/ 214).
(5)
الإحكام (1/ 331)، والمحصول (2/ 259).
(6)
يُنظر: التقرير والحبير (3/ 95)، والإحكام (1/ 214)، والمحصول (2/ 262).
(7)
أخرجه ابن ماجه، رقم (3950)، وعبد بن حميد في مسنده، (ص 367) رقم (1220). وفي إسنادهما معان بن رفاعة، وقد ضعفه ابن معين، ووثقه أحمد وابن المديني، وفيه أيضًا أبو خلف الأعمى واسمه: حازم بن عطار، وهو هالك، قال يحيى: كذاب. وقد روي هذا الحديث من حديث أبي ذر، وأبي مالك الأشعري، وابن عمر، وأبي نصرة، وقدامة بن =