الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النتيجة:
عدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف.
[11/ 11] أن يكون الإمام مجتهدًا
• المراد بالمسألة: الاجتهاد في اللغة: أصل "الاجتهاد" في اللغة من مادة (ج هـ د)، ومنه الجهد بفتح الجيم وضمها: الطاقة، والجهد بالفتح: المشقة. يُقال: جَهَدَ دابته وأجْهَدَهَا، إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها، وجَهَدَ الرجل في كذا أي جدَّ فيه وبالغ، وجاهَدَ في سبيل اللَّه مُجَاهَدَةً وجِهَادًا، والاجْتِهادُ والتَّجَاهُدُ: بذل الوسع والمَجْهودِ، والجِهاد: المبالغة واستفراغ الوسع في الحرب أَو اللسان أَو ما أَطاق من شيء. فالاجْتِهادُ: افْتِعَال من الجُهْد، وهو: بَذْل الوسْع في طَلَب الأمر (1).
الاجتهاد في الاصطلاح: عرَّف عددٌ من أهل الاصطلاح الاجتهاد بأنه: بذل المجتهد وسعه في الطلب بالآلات التي تشترط فيه (2).
فالاجتهاد عندهم استنباط واستخراج للمفقود، واتخاذ موقف إيجابي تجاه ما يطرأ من مسائل جديدة، وليس ترديدًا للموجود، وبه يستحق العالم لقب الفقيه.
وقد اتفق العلماء على أن الإمام الأعظم يجب أن يكون عالِمًا مجتهدًا فى الأحكام الشّرعية، بحيث يستقل بالفتوى فى النوازل، وإثبات أحكام الوقائع نصًّا واستنباطًا؛ لأنّ من أكبر مقاصد الإمامة: فصل الخصومات، ودفع المخاصمات، ولن يتمّ ذلك دون هذا الشّرط.
• من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "وأما جماعة أهل السنة وأئمتهم فقالوا: هذا هو الاختيار أن يكون الإمام فاضلًا عالِمًا. . . "(3) أبو المعالي الجويني (478 هـ) قال: "فالشرط أن يكون الإمام مجتهدًا، بالغًا
(1) النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 320)، ولسان العرب (3/ 135)(جهد).
(2)
المستصفى للغزالي (1/ 342)، والموافقات في أصول الفقه، إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي، تحقيق: عبد اللَّه دراز، دار المعرفة، بيروت (4/ 113).
(3)
الاستذكار لابن عبد البر (5/ 16).
مبلغ المجتهدين، مستجمعًا صفات المفتين، ولم يُؤثر في اشتراط ذلك خلاف" (1) الآمدى (631 هـ) قال:"شروط الإمام المتفق عليها ثمانية: الأول: أن يكون مجتهدًا فى الأحكام الشّرعية"(2) - نقله الوشتاني الأبي المالكي (827 هـ)(3). القرطبي (671 هـ) قال: "أن يكون -الإمام- ممن يصلح أن يكون قاضيًا من قضاة المسلمين، مجتهدًا لا يحتاج إلى غيره في الاستفتاء في الحوادث، وهذا متفق عليه"(4) الشاطبي (5)(790 هـ) قال: "إن العلماء نقلوا الاتفاق على أن الإمامة الكبرى لا تنعقد إلا لمن نال رتبة الاجتهاد والفتوى في علوم الشرع"(6) أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) قال: "يجب كونه مجتهدًا إجماعًا"(7).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (8)، والمالكية (9)، والشافعية (10)،
(1) غياث الأمم (ص 65).
(2)
أبكار الأفكار في أصول الدين (5/ 191).
(3)
إكمال إكمال المعلم بشرح صحيح مسلم (5/ 159).
(4)
الجامع لأحكام القرآن (1/ 270).
(5)
هو إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي أبو إسحاق، الشهير بالشاطبي، المالكي، أخذ عن ابن الفخار البيري، وأبي القاسم السبتي، وأبي عبد اللَّه التلمساني، وأبي العباس القباب، وابن عرفة، وغيرهم، وعنه أبو يحيى بن عاصم، وأبو بكر بن عاصم، وأبو عبد اللَّه البياني، وغيرهم، له عنوان التعريف بأسرار التكليف، والموافقات، والاعتصام، وغير ذلك، توفي سنة تسعين وسبعمائة. يُنظر: نيل الابتهاج بتطريز الديباج، أحمد بابا التنبكي، إشراف: عبد الحميد عبد اللَّه الهرامة، منشورات كلية الدعوة الإسلامية، طرابلس، الطبعة الأولى 1398 هـ (ص 48)، ومعجم المؤلفين (1/ 77).
(6)
الاعتصام للشاطبي، تقديم: محمد رشيد رضا، المكتبة التجارية الكبرى، مصر الطبعة الأولى 1332 هـ (2/ 126).
(7)
البحر الزخار الجامع لأقوال علماء الأمصار (6/ 380).
(8)
البحر الرائق (6/ 299)، وحاشية ابن عابدين (1/ 548).
(9)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/ 271)، مقدمة ابن خلدون (ص 193)، وأضواء البيان (1/ 28).
(10)
الأم للشافعي (1/ 161)، والأحكام السلطانية للماوردي (ص 6)، والإقناع للشربيني (2/ 550)، ونهاية المحتاج (7/ 409).
والحنابلة (1).
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والآثار، والمعقول:
• أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} (2).
قال ابن كثير: "أي: أتم علمًا وقامة منكم، ومن هاهنا ينبغي أن يكون الملك ذا علم، وشكل حسن، وقوة شديدة في بدنه ونفسه"(3).
• وجه الدلالة: أن اللَّه -جل وعلا- اختار لهم طالوت ملكًا، واختيار اللَّه هو الحجة القاطعة، ثم بين لهم وجهي الاصطفاء: الأول: أن اللَّه زاده بسطة في العلم، الذي هو ملاك الإنسان، ورأس الفضائل، وأعظم وجوه الترجيح. الثاني: وزاده بسطة في الجسم، الذي يظهر به الأثر في الحروب ونحوها (4).
• ثانيًا الآثار: ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: "لما قُبض النبي صلى الله عليه وسلم نظرنا في أمرنا، فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد قدم أبا بكر في الصلاة، فرضينا لدنيانا من رضي رسول اللَّه رضي الله عنه لديننا، فقدمنا أبا بكر"(5).
• وجه الدلالة: قال الغزالي: "قال بعض السلف: ليس بعد الأنبياء أفضل من العلماء، ولا بعد العلماء أفضل من الأئمة المصلين؛ لأن هؤلاء قاموا بين يدي اللَّه عز وجل وبين خلقه، هذا بالنبوة، وهذا بالعلم، وهذا بعماد الدين وهو الصلاة. وبهذه الحجة احتج الصحابة في تقديم أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعنهم- للخلافة"(6).
(1) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 20)، ومطالب أولي النهى (1/ 648).
(2)
سورة البقرة، الآية:(247).
(3)
تفسير ابن كثير (1/ 352).
(4)
فتح القدير للشوكاني (1/ 264).
(5)
أخرجه ابن سعد في طبقاته (3/ 183)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 129).
(6)
إحياء علوم الدين، محمد بن محمد أبو حامد الغزالي، دار المعرفة، بيروت (1/ 174).
• ثالثًا: المعقول: قال أبو المعالي الجويني: "إن أمور معظم الدين تتعلق بالأئمة، فأما ما يختص بالولاة وذوي الأمر فلا شك في ارتباطه بالإمام، وأما ما عداه من أحكام الشرع فقد يتعلق به من جهة انتدابه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو لم يكن الإمام مستقلًّا بعلم الشريعة لاحتاج إلى مراجعة العلماء في تفاصيل الوقائع، وذلك يشتت رأيه، ويخرجه عن رتبة الاستقلال.
ولو قيل: إنه يُراجع المفتي مراجعة آحاد الناس المفتين. لكان ذلك محالًا، فإن الوقائع التي تُرفع إلى الإمام في الخطوب الجسام، والأمور العظام، لا تتناهى كثرة؛ إذ هو شرف العالمين، ومطمح أعين المسلمين، وقد لا يجد عند رفع واقعة إليه أعلم علماء القطر والناحية، فيتردد ويتبلد، ويبطل أثره في منصب الاستقلال، ولو جاز ذلك لساغ أن لا يكون الإمام ذا كفاية واستقلال، ثم يراجع الكفاءة، ويستشير ذوي الأحلام والدهاة، وهذا لا قائل به.
فإذا كانت الإمامة زعامة الدين والدنيا، ووجب استقلاله بنفسه في تدبير الأمور الدنيوية، فكذلك يجب استقلاله بنفسه في الأمور الدينية، فإن أمور الدنيا على مراسم الشريعة تجري، فهي المتتبع والإمام في جميع مجال الأحكام، فالكفاية المرعية معناها الاستقلال ببداية الأصوب شرعًا في الأمور المنوطة بالإمام.
فإن قيل: كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا وقعت واقعة، وألمت به ملمة، اشتوروا ولم يأنفوا من المراجعة والمرادة، فأشعر ذلك من عادتهم بأن استقلال الإمام ليس شرطًا في الإمامة.
قلنا: الخبر المشار إليه، والإمام المتفق عليه، ومن هو البحر الذي لا ينزف لا يبعد منه أن يستشير في آحاد الوقائع، ويستمد من نتائج القرائح، ويبحث في محادثة أطراف الكلام عن مآخذ الأحكام؟ !
كيف وقد ندب اللَّه رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الاستشارة فقال: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (1)، ولا منافاة بين بلوغ المرتبة العليا في العلوم، وبين التناظر
(1) سورة آل عمران، الآية:(159).
والتشاور في المعضلات.
ونحن نرى الإمام المستجمع خلال الكمال البالغ مبلغ الاستقلال، أن لا يغفل الاستضاءة في الإيالة وأحكام الشرع بعقول الرجال، فإن صاحب الاستبداد لا يأمن الحيدة من سنن السداد، ومن وفق الاستمداد من علوم العلماء كان حريًّا بالاستداد ولزوم طريق الاقتصاد، وسر الإمامة استتباع الآراء وجمعها على رأي صائب، ومن ضرورة ذلك استقلال الإمام.
ثم هو محثوث على استقاء مزايا القرائح، وتلقى الفوائد والزوائد منها، فإن في كل عقل ميزة، ولكن اختلاف الآراء مفسدة لإمضاء الأمور، فإذا بحث عن الآراء إمام مجتهد، وعرضها على علمه الغزير، ونقد بالسبر والفكر الأصوب من وجوه الرأي، كان جالبًا إلى المسلمين ثمرات العقول، ودافعًا عنهم غائلة التباين والاختلاف، فكأن المسلمين يتحدون بنظر الإمام، وحسن تقديره وفحصه ونقره.
ولا بد على كل حال من كون الإمام متبوعًا غير تابع، ولو لم يكن مجتهدًا في دين اللَّه للزمه تقليد العلماء، واتباعهم، وارتقاب أمرهم ونهيهم وإثباتهم ونفيهم، وهذا يناقض منصب الإمامة، ومرتبة الزعامة" (1).
• المخالفون للإجماع: ذهبت طائفة من المعتزلة إلى عدم اشتراط كون الإمام عالِمًا مجتهدًا، وقالوا:"الإمامة من مصالح الدين، ليس يحتاج إليها لمعرفة اللَّه -تعالى- وتوحيده، فإن ذلك حاصل بالعقل، لكنها يحتاج إليها لإقامة الحدود، والقضاء بين المتحاكمين، وولاية اليتامى والأيامى، وحفظ البيضة، وإعلاء الكلمة، ونصب القتال مع أعداء الدين، وحتى يكون للمسلمين جماعة، ولا يكون الأمر فوضى بين العامة، فلا يُشترط فيها أن يكون الإمام أفضل الأمة علمًا. . . "(2).
قال الشهرستاني: "ومالت جماعة من أهل السنة إلى ذلك، حتى جوزوا أن
(1) غياث الأمم (ص 66، 67).
(2)
الملل والنحل للشهرستاني (1/ 160).