الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• ثالثًا: الآثار: قال أبو بكر رضي الله عنه: "واللَّه لَأُقَاتِلَنَّ من فَرَّقَ بين الصلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فإن الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، واللَّه لو مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ على مَنْعِهَا". قال عُمَرُ رضي الله عنه: "فَوَاللَّه ما هو إلا أَنْ رأيت أَنْ قد شَرَحَ اللَّه صَدْرَ أبي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ"(1).
• وجه الدلالة: أنهم منعوا حقًّا واجبًا للَّه، وعلى الأئمة القيام بأخذه منهم، واتفق أبو بكر وعمر وسائر الصحابة رضي الله عنهم على قتالهم حتى يؤدوا حق اللَّه في الزكاة (2).
النتيجة:
صحة الإجماع؛ لعدم المخالف.
[192/ 192] للإمام أن يفرض في أموال المسلمين زيادة عن الزكاة للصالح العام حال الاحتياج إليها
.
• المراد بالمسألة: اتفقت الأمة أن على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، إن لم تقم الزكوات ولا فيء سائر أموال المسلمين بهم، فيُقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة (3).
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "صح عن أبي عبيدة بن الجراح وثلاثمائة من الصحابة رضي الله عنهم أن زادهم فني، فأمرهم أبو عبيدة، فجمعوا أزوادهم في مزودين، وجعل يقوتهم إياها على السواء، فهذا إجماع مقطوع به من الصحابة رضي الله عنهم لا مخالف لهم منهم"(4) ابن العربي (546 هـ) قال: "إذا وقع أداء الزكاة، ونزلت بعد ذلك حاجة، فإنه يجب صرف المال إليها، باتفاق من العلماء"(5) القرطبي (671 هـ) قال: "اتفق العلماء على
(1) تقدم تخريجه.
(2)
الاستذكار لابن عبد البر (3/ 214).
(3)
المحلى (6/ 156).
(4)
المحلى (6/ 158).
(5)
أحكام القرآن لابن العربي (1/ 88).
أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة، فإنه يجب صرف المال إليها، قال مالك رحمه الله: يجب على الناس فداء أسراهم، وإن استغرق ذلك أموالهم، وهذا إجماع أيضًا" (1) نقله ابن مفلح (763) (2) أبو حيان الأندلسي (745 هـ) قال:"أجمع المسلمون على أنه إذا نزل بالمسلمين حاجة وضرورة بعد أداء الزكاة، فإنه يجب صرف المال إليها"(3) المناوي (1031 هـ) قال: "في المال حق سوى الزكاة كفكاك الأسير، وإطعام المضطر، وسقي الظمآن، وعند منع الماء والملح والنار، وإنقاذ محترف أشرف على الهلاك، ونحو ذلك، قال ابن عبد الحق: قام الإجماع على وجوبها، وإجبار الأغنياء عليها"(4).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (5)، والمالكية (6)، والشافعية (7)، والحنابلة (8)، والظاهرية (9).
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (2/ 242).
(2)
الفروع (2/ 449).
(3)
تفسير البحر المحيط (2/ 8).
(4)
فيض القدير (2/ 599).
(5)
ويسمونها النوائب، والنوائب: جمع نائبة، وهي اسم لما ينوب الفرد من جهة السلطان بحق أو بباطل، يُنظر: قواعد الفقه، محمد عميم الإحسان المجددي البركتي، دار الصدف ببلشرز، كراتشي، الطبعة الأولى 1407 هـ (ص 535)، وشرح الجامع الصغير (1/ 379)، وحاشية ابن عابدين (2/ 336).
(6)
أحكام القرآن لابن العربي (1/ 88)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (2/ 242)، والاعتصام للشاطبي (2/ 358).
(7)
المستصفي للغزالي (1/ 426) قال: "إذا خلت الأيدي من الأموال، ولم يكن من مال المصالح ما يفي بخراجات العسكر، ولو تفرق العسكر واشتغلوا بالكسب لخيف دخول العدو ديار المسلمين، أو خيف ثوران الفتنة من أهل العرامة في بلاد الإسلام؛ جاز للإمام أن يوظف على الأغنياء مقدار كفاية الجند".
(8)
وسموها: الكلف السلطانية، واعتبروها نوع جهاد بالمال، قال ابن تيمية:"وإذا تُرك جمع الأموال وتحصيلها، حتى يحدث فتق عظيم من عدو أو خارجي، كان تفريطًا وتضييعًا، فالرأي أن تُجمع الأموال وتُرصد للحاجة". يُنظر: قاعدة في الأموال السلطانية (ص 38، 39).
(9)
المحلى لابن حزم (6/ 156).
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة:
• أولا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} (1).
• وجه الدلالة: قال الجصاص: "فيها حث على الصدقة، ووعد بالثواب عليها؛ وذلك لأن أكثر ما فيها أنها من البر، وهذا لفظ ينطوي على الفرض والنفل، إلا أن في سياق الآية ونسق التلاوة ما يدل على أنه لم يرد به الزكاة؛ لقوله -تعالى- {أَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ}، فلما عطف الزكاة عليها دل على أنه لم يرد الزكاة بالصدقة المذكورة قبلها. ومن الناس من يقول: أراد به حقوقًا واجبة في المال سوى الزكاة، نحو: وجوب صلة الرحم إذا وجده ذا ضر شديد، ويجوز أن يريد من قد أجهده الجوع حتى يُخاف عليه التلف، فيلزمه أن يعطيه ما يسد جوعته"(2).
قال ابن العربي: "والصحيح عندي أنهما فائدتان: الإيتاء الأول: في وجوهه، فتراه يكون ندبًا وتارة يكون فرضًا. والإيتاء الثاني: هو الزكاة المفروضة"(3).
الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (4).
• وجه الدلالة: قال العيني: "ومعناه: أن المؤمنين يلزمهم القربة في أموالهم للَّه -تعالى- عند توجه الحاجة إليهم؛ ولهذا قال كثير من العلماء: إن في المال حقًّا سوى الزكاة"(5).
(1) سورة البقرة، الآية:(177).
(2)
أحكام القرآن للجصاص (1/ 162).
(3)
أحكام القرآن لابن العربي (1/ 88).
(4)
سورة التوبة، الآية:(111).
(5)
عمدة القاري (5/ 101).
• ثانيًا: السنة النبوية: الدليل الأول: حديث فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رضي الله عنها قَالَتْ: سَأَلْتُ أَوْ سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم عَنِ الزَّكَاةِ، فَقَالَ:"إِنَّ في المَالِ لَحَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ". ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الآيَةَ التي في الْبَقَرَةِ: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ. . .} الآيَةَ (1).
• وجه الدلالة: النص على أن في المال حقًا غير الزكاة.
قال الجصاص: "وجائز أن يريد بقوله: "في المال حق سوى الزكاة" ما يلزم من صلة الرحم، بالإنفاق على ذوي المحارم الفقراء، ويحكم به الحاكم عليه لوالديه وذوي محارمه، إذا كانوا فقراء عاجزين عن الكسب، وجائز أن يريد به ما يلزمه من طعام الجائع المضطر، وجائز أن يريد به حقًّا مندوبًا إليه لا واجبًا"(2).
ونوقش: بأن الحديث ضعيف، كما صرح بذلك الترمذي عقب تخريجه، وحكم أنه من قول الشعبي أصح (3).
الدليل الثاني: حديث أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِي رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَىَ رَاحِلَةٍ لَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ
(1) أخرجه الترمذي، باب: ما جاء أن في المال حقًّا سوى الزكاة (3/ 48) رقم (659)، والدارمي في سننه، كتاب الزكاة، باب: ما يجب في مال سوى الزكاة (1/ 471) رقم (1637)، والطبراني في الكبير (24/ 403) رقم (979)، والدارقطني في سننه، كتاب الزكاة، باب: تعجيل الصدقة قبل الحول (2/ 125) رقم (11)، والبيهقي في الكبرى، كتاب الزكاة، باب: الدليل على من أدى فرض اللَّه في الزكاة فليس عليه أكثر منه إلا أن يتطوع (4/ 84) رقم (7034). قال العيني في عمدة القاري (8/ 237): "وقال شيخنا زين الدين رحمه الله: ليس حديث فاطمة هذا بصحيح، تفرد برفعه أبو حمزة القصاب الأعور الكوفي، واسمه ميمون، وهو وإن روى عنه الثقات: الحمادان، وسفيان، وشريك، وابن علية، وغيرهم، فهو متفق على ضعفه، وقال أحمد: متروك الحديث، وقال ابن معين: ليس بشيء".
(2)
أحكام القرآن للجصاص (1/ 162).
(3)
عمدة القاري (8/ 237).
لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ". قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ مَا ذَكَرَ، حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ (1).
• وجه الدلالة: فيه إيجاب إنفاق الفضل من الأموال (2).
الدليل الثالث: حديث عَلِيِّ بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ اللَّه فَرَضَ عَلَى أَغْنِيَاءِ المُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ بِقَدْرِ الَّذِي يَسَعُ فُقَرَاءَهُمْ، وَلَنْ تُجْهَدَ الْفُقَرَاءُ إِذَا جَاعُوا وَعَرُوا إِلَّا لمَا يَصْنَعُ أغْنِيَاؤُهُمْ، أَلا وَإِنَّ اللَّه عز وجل يُحَاسِبُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِسَابًا شَدِيدًا، ثم يُعَذِّبَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا"(3).
• وجه الدلالة: أن في مال الأغنياء حقًّا للفقراء عند حاجتهم إليه على سبيل الوجوب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّه فَرَضَ"؛ فدل ذلك على جواز أن يُفرض على الأغنياء ما يسد حاجة الفقراء عند عدم كفاية الزكاة.
الدليل الرابع: حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ رضي الله عنهما أَنَّ أَصحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَإِنْ أَرْبَعٌ فَخَامِسٌ أَوْ سَادِسٌ". وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، فَانْطَلَقَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِعَشَرَةٍ (4).
• وجه الدلالة: قال ابن حجر: "فيه جواز التوظيف في المخمصة، أي: حال الجوع الشديد"(5).
• من خالف الإجماع: ذهب فريق من أهل العلم إلى أنه لا يجب في المال
(1) أخرجه مسلم، كتاب اللقطة، باب: استحباب المواساة بفضول المال (3/ 1354) رقم (1728).
(2)
عمدة القاري (9/ 54).
(3)
أخرجه الطبراني في الصغير (1/ 275) رقم (453)، والأوسط (4/ 48) رقم (3579)، وقال:"تفرد به ثابت بن محمد الزاهد". قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 62): "ثابت من رجال الصحيح، وبقية رجاله وثقوا وفيهم كلام". يُنظر: الترغيب والترهيب للمنذري (1/ 306).
(4)
أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام (4/ 194) رقم (3581).
(5)
فتح الباري (6/ 600).
حق سوى الزكاة، وبه قال ابن عباس (1)، وابن سيرين (2)، وقال ابن حجر العسقلاني:"وقد قامت الأدلة عند الشافعية أنه لا يجب في المال حق سوى الزكاة"(3)، وهو مذهب الزيدية (4).
• واستدلوا بأدلة، منها:
1 -
حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: دلني عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ. قَال: "تَعْبُدُ اللَّه لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ المَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّى الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ". قَال: والذي نفسي بيَدِهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا. فَلَمَّا وَلَّى قَال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا"(5).
• وجه الدلالة: أنه إذا لم يزد ولم ينقص كان مفلحا لأنه أتى بما عليه ومن أتى بما عليه فهو مفلح (6).
2 -
حديث أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ، فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ"(7).
• وجه الدلالة: قال الجصاص: "فهذه الأخبار يحتج بها من تأول حقًّا معلومًا على الزكاة، وأنه لا حق على صاحب المال غيرها"(8).
(1) قال ابن عباس رضي الله عنهما: "من أدى زكاة ماله، فلا جناح عليه أن لا يتصدق".
(2)
قال ابن سيرين رحمه الله في تفسير قول اللَّه تعالى: {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24)} قال: "الصدقة حق معلوم".
(3)
فتح الباري (10/ 28). ويُنظر: المنهاج شرح صحيح مسلم ابن الحجاج (7/ 71).
(4)
البحر الزخار (5/ 58)
(5)
أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب: وجوب الزكاة (2/ 105) رقم (1397).
(6)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (1/ 167).
(7)
أخرجه الترمذي، باب: ما جاء إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك (3/ 13) رقم (618)، وابن ماجه، باب: ما أدى زكاته فليس بكنز (1/ 570) رقم (1788)، وابن حبان، كتاب الزكاة، ذكر البيان بأن المرء إذا أخرج حق اللَّه من ماله ليس عليه غير ذلك إلا أن يكون متطوعًا به (8/ 11) رقم (3216)، والحاكم في المستدرك، كتاب الزكاة (1/ 548) رقم (1440).
(8)
أحكام القرآن للجصاص (5/ 295).