الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَرْضٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَخَمْسَةَ أَقْفِزَةِ طَعَامٍ، ولم يَضَعْ على النَّخْلِ شيئًا، وَجَعَلَهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، وَعَلَى رُؤُوسِ الرِّجَالِ على الْغَنِيِّ ثُمَّانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْوَسَطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَي عشرة دِرْهَمًا" (1).
2 -
قال القاضي أبو يوسف: "قد سأل بلال وأصحابه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسمة ما أفاء اللَّه عليهم من العراق والشام، وقالوا: اقسم الأرضين بين الذين افتتحوها، كما تقسم غنيمة العسكر. فأبى عمر ذلك عليهم، وتلا عليهم هذه الآيات -آيات الفيء في سورة الحشر- وقَالَ: "قد أشرك اللَّه الذين يأتون من بعدكم في هذا الفيء، فلو قسمته لم يبق لمن بعدكم شيء، ولئن بقيتُ ليبلغن الراعيَ بصنعاء نصيبُه من هذا الفيء ودمه في وجهه" (2). فجعل عمر رضي الله عنه على هذه الأرض مقدارًا معينًا من المال يُدفع كل عام.
النتيجة:
صحة الإجماع؛ لعدم المخالف.
[145/ 145] الإمام مخير في الأرض المفتوحة عنوة
• المراد بالمسألة: اتفقوا على أن الإمام مخير في الأرض المفتوحة عنوة بين تخميسها وتقسيمها على الفاتحين، أو فرض الخراج عليها.
• من نقل الإجماع: المرغناني (593 هـ) قال: "إذا فتح الإمام بلدة عنوة-أي: قهرًا- فهو بالخيار: إن شاء قسمه بين المسلمين، كما فعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بخيبر، وإن شاء أقر أهله عليها، ووضع عليهم الجزية، وعلى أراضيهم الخراج، كذلك فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق، بموافقة الصحابة رضي الله عنهم، ولم يجد من خالفه"(3). نقله فخر الدين الزيلعي (743 هـ)(4)، وابن نجيم (975 هـ) (5) ابن تيمية (728 هـ) قال: "اتفق المسلمون في الجملة على أن وضع
(1) أخرجه ابن أبي شيبة، كتاب الزكاة، ما للعامل على الصدقة (2/ 430) رقم (10722).
(2)
الخراج لأبي يوسف (ص 23، 24).
(3)
الهداية شرح البداية (2/ 141).
(4)
تبيين الحقائق (3/ 248).
(5)
البحر الرائق (5/ 89).
الخراج على أرض العنوة جائز، إذا لم يكن فيه ظلم للغانمين" (1).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
• مستند الإجماع: يُستدل على ذلك بما يلي:
1 -
قول اللَّه -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (6).
• وجه الدلالة: قال أبو عبيد: "فهذه آية الغنيمة، وهي لأهلها دون الناس، وبها عمل النبي صلى الله عليه وسلم"(7).
2 -
قول اللَّه -تعالى-: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} إلى قوله -تعالى- {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} (8).
• وجه الدلالة: قال أبو عبيد: "فهذه آية الفيء، وبها عمك عمر رضي الله عنه، وإياها تأول حين ذكر الأموال وأصنافها، فقال: "فاستوعبت هذه الآية الناس". وإلى هذه الآية ذهب علي ومعاذ رضي الله عنهما حين أشارا عليه بما أشارا فيما
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية (30/ 232).
(2)
أحكام القرآن للجصاص (5/ 319)، واللباب في الجمع بين السنة والكتاب، جمال الدين أبو محمد علي بن أبي يحيى المنبجي، تحقيق: محمد فضل عبد العزيز، دار القلم، سوريا، الطبعة الثانية 1414 هـ (2/ 778).
(3)
التمهيد لأبن عبد البر (6/ 458).
(4)
اشترط الشافعية أن تطيب نفس الغانمين بها. "قال الشافعي في الأم: ((ما كان عنوة فخمسها لأهلها، وأربعة أخماسها للغانمين، فمن طاب نفسًا عن حقه جاز لإمامه أن يجعلها وقفًا على المسلمين، ومن لم تطب نفسه بذلك فهو أحق بماله)) ((ص: 6/ 298)).
(5)
زاد المعاد (3/ 433)، وكشاف القناع (3/ 94)، ومطالب أولي النهى (2/ 564).
(6)
سورة الأنفال، الآية:(41).
(7)
الأموال لأبي عبيد (ص 77).
(8)
سورة الحشر، الآيات:(7 - 10).
نرى، واللَّه أعلم" (1).
• المخالفون للإجماع: ذهب بعض العلماء إلى القول بعدم جواز أخذ الخراج على الأرض التي فُتحت عنوة، وقالوا: إنما هي غنيمة تُخمَّس وتُقسم على الفاتحين، وهو حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في خبير، وذلك أنه جعلها غنيمة فخمسها وقسمها، وبهذا الرأي أشار بلال رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه في بلاد الشام، وأشار الزبير ابن العوام رضي الله عنه على عمرو بن العاص رضي الله عنه في أرض مصر، وبهذا كان يأخذ مالك بن أنس (2).
قال ابن رشد: "واختلفوا فيما افتتح المسلمون من الأرض عنوة.
فقال مالك: لا تُقسم الأرض، وتكون وقفًا يُصرف خراجها في مصالح المسلمين؛ من أرزاق المقاتلة، وبناء القناطر والمساجد، وغير ذلك من سبل الخير، إلا أن يرى الإمام في وقت من الأوقات أن المصلحة تقتضي القسمة، فإن له أن يقسم الأرض.
وقال الشافعي: الأرضون المفتتحة تُقسَّم كما تقسم الغنائم، يعني: خمسة أقسام.
وقال أبو حنيفة: الإمام مخير بين أن يُقسّمها على المسلمين، أو يضرب على أهلها الكفارة فيها الخراج، ويقرها بأيديهم.
وسبب اختلافهم ما يُظن من التعارض بين آية سورة الأنفال، وآية سورة الحشر؛ وذلك أن آية الأنفال تقتضي بظاهرها أن كل ما غنم يُخمس، وهو قوله -تعالى-:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} (3). وقوله -تعالى- في آية الحشر: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} (4)، عطفًا على ذكر الذين أوجب لهم الفيء، يمكن أن يفهم منه أن جميع الناس الحاضرين والآتين شركاء في الفيء، كما روي عن عمر
(1) الأموال لأبي عبيد (ص 77).
(2)
الأموال لأبي عبيد (ص 75).
(3)
سورة الأنفال، الآية:(41).
(4)
سورة الحشر، الآية:(10).