الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه على قوم فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما (1).
• ثانيًا: الآثار:
1 -
روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "لِيَعْلَمْ مَنْ وَلِيَ هَذَا الأَمْرَ مِنْ بَعْدِي أَنْ سَيُرِيدُهُ عَنْهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، إِنِّي لَأُقَاتِلُ النَّاسَ عَنْ نَفْسِي قِتَالًا، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ أَقْوَى عَلَيْهِ مِنِّي لَكُنْتُ أُقَدَّمُ فَتُضرَبُ عُنُقِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلِيَهِ"(2).
2 -
وقال رضي الله عنه: "إِنِّي لَأَتَحَرَّجُ أَنْ أَسْتَعْمِلَ الرَّجُلَ وَأَنَا أَجِدُ أَقْوَى مِنْهُ"(3).
• وجه الدلالة: وجوب اختيار الأفضل للإمامة.
ونوقش: بأنه حجة لأصحاب القول الآخر، ألا ترى أنه دعا إلى الأصلح للإمامة؟
قال ابن حجر: "والذي يظهر من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد أنه كان لا يُراعي الأفضل في الدين فقط، بل يضم إليه مزيد المعرفة بالسياسة، مع اجتناب ما يخالف الشرع فيها، فلأجل هذا استخلف معاوية، والمغيرة بن شعبة، وعمرو ابن العاص، مع وجود من هو أفضل من كل منهم في أمر الدين والعلم، كأبي الدرداء في الشام، وابن مسعود في الكوفة"(4).
النتيجة:
عدم صحة الإجماع، لوجود الخلاف.
[22/ 22] أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على خليفته
• المراد بالمسألة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على خليفته من بعده، لا على أبي بكر رضي الله عنه، ولا على غيره.
• من نقل الإجماع: الجصاص (370 هـ) قال: "وأجمعوا على عقد البيعة
(1) يُنظر: فيض القدير (3/ 140).
(2)
أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 275)، وابن شبة في أخبار المدينة (1/ 367) رقم (1135)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (44/ 267).
(3)
أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 305).
(4)
فتح الباري شرح صحيح البخاري (13/ 198).
لأبي بكر بآرائهم، ولم يدَّعِ أحد منهم نصًّا على أبي بكر ولا غيره، ولو كان هناك نص لما خفي عليهم، وهو معظم أمر دينهم، ودنياهم" (1) القاضي عياض (544 هـ) قال:"النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على خلافة أبى بكر، ولا على علي، ولا على العباس، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، وأن عقد ولاية أبى بكر رضي الله عنه بالاختيار والإجماع لا بالنص"(2). أبو العباس القرطبي (656 هـ) قال: "لم ينص النبي صلى الله عليه وسلم على خليفة، لا على أبي بكر، ولا على غيره، وهذا هو مذهب جماعة من أهل السنة، والصحابة، ومن بعدهم. . . وكل من ذكر له خلاف في هذه المسألة لا يُعتد بخلافه. . . والمسألة إجماعية قطعية"(3) نقله ابن حجر العسقلاني (852 هـ)(4) النووي (676 هـ) قال: "النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على خليفة، وهو إجماع أهل السنة وغيرهم"(5)، نقله الحافظ العراقي (806 هـ)(6) والمباركفوري (1353 هـ)(7).
• من وافق على الإجماع: الحنفية (8)، والمالكية (9)، والشافعية (10)، والحنابلة (11).
(1) الفصول في الأصول، أحمد بن علي الرازي الجصاص، تحقيق: عجيل جاسم النشمي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، الطبعة الثانية 1414 هـ (4/ 54).
(2)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 221).
(3)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 13).
(4)
فتح الباري لابن حجر العسقلاني (7/ 32).
(5)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (12/ 205).
(6)
طرح التثريب في شرح التقريب (8/ 75).
(7)
تحفة الأحوذي للمباركفوري (6/ 379).
(8)
روضة القضاة وطريق النجاة (1/ 69)، وحاشية الطحطاوي على الدر المختار (1/ 238)، ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/ 3885)، وحاشية ابن عابدين (1/ 549).
(9)
التمهيد لابن عبد البر (22/ 128)، وأحكام القرآن لابن العربي (4/ 414)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/ 270).
(10)
فتح الباري لابن حجر العسقلاني (13/ 208)، وفيض القدير للمناوي (2/ 56).
(11)
انظر: الإنصاف للمرداوي (10/ 234)، والإقناع للحجاوي (4/ 292)، وكشاف للبهوتي (6/ 159).
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بما ثبت من آثار عن الصحابة رضي الله عنهم:
1 -
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في وصف مبايعة المسلمين لأبي بكر الصديق رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة: ". . . إِنَّا وَاللَّه مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلًا مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لَا نَرْضَى، وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ، فَيَكُونُ فَسَادٌ"(1).
2 -
وقال رضي الله عنه في خطبته حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَلِكَ الْغَدَ مِنْ يَوْم تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ثَانِيَ اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ أَوْلَى المُسْلِمِينَ بِأُمُورِكُمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ"، قال أنس بن مالك رضي الله عنه:"وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ"(2).
• وجه الدلالة: قال أبو العباس القرطبي: "اختلفوا في ذلك يوم السَّقيفة، وقال كل واحد منهم ما عنده في ذلك من النظر، ولم ينقل منهم أحدٌ نصًّا على رجل بعينه، ولو كان عندهم نصٌّ لاستحال السكوت عليه في مثل ذلك الوقت العظيم، والخطب المهم الجسيم، والحاجة الفادحة، مع عدم التقية والتواطُؤ من ذلك الجمع على الكتمان"(3).
ونوقش: بعدم مبايعة علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام رضي الله عنهما لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وأجيب بما يلي:
1 -
روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ". . . فلما قعد أبو بكر على المنبر، نظر في وجوه القوم، فلم ير عليًّا، فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به، فقال أبو بكر: ابن عم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وختنه، أردت أن تشق عصا
(1) أخرجه البخاري، كتاب المحاربين، باب: رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت (8/ 168) رقم (6830).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الأحكام، باب: الاستخلاف (9/ 81) رقم (7219).
(3)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 13، 14).
المسلمين! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فبايعه، ثم لم ير الزبير بن العوام، فسأل عنه حتى جاؤوا به، فقال: ابن عمة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين! فقال مثل قوله: لا تثريب يا خليفة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فبايعاه" (1).
• وجه الدلالة: قال ابن كثير: "وفيه فائدة جليلة: وهي مبايعة علي بن أبي طالب، إما في أول يوم، أو في اليوم الثاني من الوفاة، وهذا حق، فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه، وخرج معه إلى ذي القصة لما خرج الصديق شاهرًا سيفه يريد قتال أهل الردة"(2).
2 -
ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ". . . فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ صَلَاةَ الظُّهْرِ رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَشَهَّدَ، وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِي وَتَخَلُّفَهُ عَنِ الْبَيْعَةِ، وَعُذْرَهُ بالذي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ. ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَتَشَهَّدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ، فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ وَأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الذي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِى بَكْرٍ وَلَا إِنْكَارًا للذي فَضَّلَهُ اللَّه بِهِ، وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى لنَا في الأَمْرِ نَصِيبًا فَاسْتُبِدَّ عَلَيْنَا بِهِ، فَوَجَدْنَا في أَنْفُسِنَا.
فَسُرَّ بذَلِكَ المُسْلِمُونَ وَقَالُوا أَصبْتَ. فَكَانَ المُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الأَمْرَ المَعْرُوفَ" (3).
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب معرفة الصحابة (3/ 80) رقم (4457)، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، وسكت عنه الذهبي في التلخيص، والبيهقي في الكبرى، جماع أبواب الرعاة، باب: الأئمة من قريش (8/ 143) رقم (16315)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (30/ 277) عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال ابن كثير في البداية والنهاية (5/ 249): "وهذا إسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة، عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري".
وأخرجه عبد اللَّه بن الإمام أحمد في السنة، تحقيق: محمد سعيد القحطاني، دار ابن القيم، الدمام، الطبعة الأولى 1406 هـ (2/ 554) رقم (1292) عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة.
(2)
البداية والنهاية (5/ 270)
(3)
أخرجه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا فهو صدقة (1759).
• وجه الدلالة: ولو كان عندهم نصٌّ لاستحال السكوت عليه في مثل ذلك الوقت العظيم، والخطب المهم الجسيم، والحاجة الفادحة، مع عدم التقية -والتواطُؤ من ذلك الجمع على الكتمان (1).
3 -
ثبت في الصحيح أن عائشة رضي الله عنها "سُئلت: من كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مُسْتَخْلِفًا لو اسْتَخْلَفَهُ؟ قالت: أبو بَكْرٍ، فَقِيلَ لها: ثُمَّ من بَعْدَ أبي بَكْرٍ؟ قالت: عُمَرُ، ثُمَّ قِيلَ لها: من بَعْدَ عُمَرَ؟ قالت: أبو عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ. ثُمَّ انْتَهَتْ إلى هذا"(2).
• وجه الدلالة: قال النووي: "فيه دلالة لأهل السنة أن خلافة أبي بكر ليست بنص من النبي صلى الله عليه وسلم على خلافته صريحًا، بل أجمعت الصحابة على عقد الخلافة له وتقديمه لفضيلته، ولو كان هناك نص عليه أو على غيره لم تقع المنازعة من الأنصار وغيرهم أولًا، ولذكر حافظ النص ما معه، ولرجعوا إليه، لكن تنازعوا أولًا، ولم يكن هناك نص، ثم اتفقوا على أبي بكر واستقر الأمر"(3).
• من خالف الإجماع: وبصدد النص على أبي بكر رضي الله عنه فهما قسمان:
الأول: من قال بالنص الخفي والإشارة على أبي بكر رضي الله عنه، وبه قال الحسن البصري (4)، وجماعة من أهل الحديث (5)، وهو رواية عن الإمام أحمد (6).
(1) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 13، 14).
(2)
أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه (4/ 1856) رقم (2385).
(3)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (15/ 154).
(4)
هو الحسن بن يسار البصري، إمام أهل البصرة، ولد بالمدينة سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر رضي الله عنه، روى عن عمران بن حصين، والمغيرة بن شعبة، وابن عباس، وابن عمر، وخلق كثير من الصحابة وكبار التابعين، كان من سادات التابعين، وأفتى في زمن الصحابة، بالغ الفصاحة، وبليغ المواعظ كثير العلم بالقرآن ومعانيه، توفي سنة عشر ومائة. يُنظر: الوافي بالوفيات (12/ 190)، وطبقات المفسرين للداودي (ص 13).
(5)
شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة 1391 هـ (ص 471).
(6)
المعتمد في أصول الدين لأبي يعلى (ص 226)
واستدلوا بأدلة، منها:
1 -
حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لما مَرِضَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَأُذِّنَ، فَقَالَ:"مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ:"إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى، فَوَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم منْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنْ الْوَجَعِ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ مَكَانَكَ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ (1).
• وجه الدلالة: قال ابن حجر: "وإن كان في التنصيص على إمامة أبي بكر فى مرضه إشارة إلى أنه أحق بالخلافة، فهو بطريق الاستنباط لا النص"(2).
2 -
حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصبٌ رَأْسَهُ بخِرْقَةٍ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمِّ قَالَ:"إِنَّهُ لَيْسَ مِن النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافةَ، وَلَوْ كنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ النَّاسِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الْإسْلَامِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا المَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ"(3).
• وجه الدلالة: قال ابن كثير: "وهذا قاله في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، علمًا منه أن أبا بكر رضي الله عنه سيلي الأمر بعده، ويحتاج إلى الدخول في المسجد كثيرًا للأمور المهمة فيما يصلح للمسلمين، فأمر بسد الأبواب الشارعة إلى
(1) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب: حد المريض أن يشهد الجماعة (1/ 123) رقم (664)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب: استخلاف الإمام إذا عرض له عذر (1/ 313) رقم (418).
(2)
فتح الباري لابن حجر العسقلاني (11/ 60).
(3)
أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب: الخوخة والممر في المسجد (1/ 100) رقم (467).
المسجد إلا بابه رضي الله عنه" (1).
الثاني: من قال بالنص الجلي على خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهو قول جماعة من أهل الحديث (2)، وبه قال ابن حزم (3)، وابن حجر الهيتمي (4).
واستدلوا -فوق الأدلة المتقدمة- بأدلة أخرى، منها:
1 -
حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ، فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّه، أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ -كَأَنَّهَا تُرِيدُ المَوْتَ- قَالَ:"إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ"(5).
2 -
حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي توفي فيه: "لَقَدْ هَمَمْتُ -أَوْ أَرَدْتُ- أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ، فَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى المُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبِى اللَّه وَيَدْفَعُ المُؤْمِنُونَ، أَوْ يَدْفَعُ اللَّه وَيَأْبَى المُؤْمِنُونَ"(6).
وفي رواية: قالت رضي الله عنها: قَالَ لي رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في مَرَضِهِ: "ادْعِي لي أَبَا بَكْرٍ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كتَابًا، فإني أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولَ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى. وَيَأْبَى اللَّه وَالمُؤْمِنونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ"(7).
(1) تفسير ابن كثير (1/ 502).
(2)
قال ابن حبان في صحيحه (15/ 275) عقب تخريجه لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم قريبًا: "قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي الْمَسْجِدِ غيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ" فيه دليل على أن الخليفة بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر؛ إذ المصطفى صلى الله عليه وسلم حسم عن الناس كل أطماعهم في أن يكونوا خلفاء بعده غير أبي بكر رضي الله عنه".
(3)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 88).
(4)
مرقاة المفاتيح (11/ 165).
(5)
أخرجه البخاري، كتاب الأحكام، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذًا خليلًا (5/ 5) رقم (3659)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه (4/ 1856) رقم (2386).
(6)
أخرجه البخاري، كتاب الأحكام، باب: الاستخلاف (9/ 80) رقم (7217).
(7)
أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه (4/ 1857) رقم (2387).
قال ابن حزم: "وهذا نص جلي على استخلاف أبي بكر"(1).
وقال ابن تيمية: "التحقيق أن النبي صلى الله عليه وسلم دلَّ المسلمين على استخلاف أبي بكر، وأرشدهم إليه بأمور متعددة من أقواله وأفعاله، وأخبر بخلافته إخبار راض بذلك حامد له، وعزم على أن يكتب بذلك عهدًا، ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه، فترك الكتاب اكتفاء بذلك. . . فلو كان التعيين مما يشتبه على الأمة لبينه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيانًا قاطعًا للعذر، ولكن لما دلَّهم دلالات متعددة على أن أبا بكر هو المتعين، وفهموا ذلك، حصل المقصود"(2).
وبصدد النص على غير أبي بكر رضي الله عنه: قال ابن الراوندي (3): نص على العباس رضي الله عنه (4). وقالت الشيعة والرافضة: نص على علي رضي الله عنه (5).
ونوقش ذلك: بأن هذه دعاوى باطلة، وجسارة على الافتراء، ووقاحة في مكابرة الحس؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على اختيار أبي بكر رضي الله عنه، وعلى تنفيذ عهده إلى عمر رضي الله عنه، وعلى تنفيذ عهد عمر بالشورى، ولم
(1) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 88).
(2)
منهاج السنة النبوية (1/ 358 وما بعدها).
(3)
هو أحمد بن يحيى بن إسحاق أبو الحسين ابن الراوندي، الزنديق، كان أولًا من متكلمي المعتزلة، ثم تزندق واشتهر بالإلحاد، وقيل: إنه كان لا يستقر على مذهب، ولا يثبت على شيء، توفي سنة خمسين ومائتين وله أربعون سنة، بعد أن صنف مائة وأربعة عشر ديوانًا، وقد حكى جماعة عنه أنه تاب قبل موته مما كان منه، وأظهر الندم، واعترف بأنه إنما صار إلى ما صار حمية وأنفة من جفاء أصحابه، وتنحيتهم إياه عن مجالسهم، واللَّه أعلم بمآله. يُنظر: البداية والنهاية (10/ 346)، ولسان الميزان (1/ 323).
(4)
مقالات الإسلاميين، أبو الحسن الأشعري، تحقيق: هيلمون ريتر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة (ص 21)، والمنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (15/ 154)، ومنهاج السنة النبوية (1/ 500).
(5)
روى ابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 8) أن نصر اللَّه بن الحسن بن علوان سمع بعض الرافضة يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي بالخلافة يوم غدير خم، وأن الصحابة لم ينفذوا ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: العجب أن أبا بكر الصديق لما نص على عمر بن الخطاب لم يختلف فيه اثنان، والنبي صلى الله عليه وسلم لما نص على علي لم يقبل نصه! ! أفكان أمر أبي بكر أنفذ من أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فأفحمه.