الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث مسائل الإجماع في إحياء الموات
[179/ 179] يجوز للإمام إقطاع موات الأرض لمن يملكه بالإحياء
• المراد بالمسألة: الموات لغة: ضد الحياة. والمُوات -بضم الميم-: الموت. وبالفتح: ما لا روح فيه.
والأرض الموات: هي الأرض التي لا مالك لها، ولا ينتفع بها أحد. وسميت مواتًا؛ لأنها خلت من العمارة، والسكان، من باب تسمية الشيء بالمصدر (1).
الموات اصطلاحًا: تعددت تعريفات الفقهاء للموات، واختلفت عباراتهم:
فذهب الحنفية في تعريفها إلى أنها: ما ليست مملوكة لأحد، ولا هي من مرافق البلد، وكانت خارجة عنها؛ سواء أقربت منه أم بعدت. وهذا قول محمد بن الحسن الشيباني، وعليه الفتوى (2).
أما أبو يوسف فيرى أن الأرض الموات هي: التي لا ينتفع بها؛ لانقطاع الماء عنها، أو لغلبته عليها، أو لكونها منقطعة عن العمران، وما أشبه ذلك (3).
وعرفها المالكية بأنها: الأرض التي لا مالك لها، ولا ينتفع بها (4).
وقالوا أيضًا: هي الأرض التي لا عمارة فيها، ولا يملكها أحد (5).
وعند الشافعية: هي كل ما لم يكن عامرًا، ولا حريمًا لعامر، قرب من العامر أو بعد (6).
(1) لسان العرب (2/ 91)، ومختار الصحاح (ص 266)(موت).
(2)
البحر الرائق (8/ 238)، وحاشية ابن عابدين (6/ 431).
(3)
الخراج لأبي يوسف (ص 65)، وحاشية ابن عابدين (6/ 431).
(4)
الذخيرة (6/ 147)، وبلغة السالك (4/ 3).
(5)
القوانين الفقهية، محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي، تحقيق: محمد أمين الصاوي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1998 م (ص 222).
(6)
الحاوي الكبير (7/ 480)، والأحكام السلطانية للماوردي (ص 200)، ومغني المحتاج (2/ 361).
وعند الحنابلة: هي كل أرض بائرة، لم يعلم أنها ملكت، أو ملكها من لا عصمة لها (1).
وقالوا أيضًا: هي الأرض المنفكة عن الاختصاصات، وملك معصوم (2). أو: هي الأرض الخراب الدارسة التي لم يجر عليها ملك لأحد، ولم يوجد فيه أثر عمارة (3).
وبالنظر إلى هذه التعريفات نجد أنها تدور حول معنى واحد، وهو: أن الأرض الموات هي التي لا مالك لها، ولا ينتفع بها.
الإحياء لغة: جعل الشيء حيًّا. وإحياء الأرض: مباشرتها بتأثير شيء فيها؛ من إحاطة، أو زرع، أو عمارة، ونحو ذلك، تشبيهًا بإحياء الميت (4).
الإحياء اصطلاحًا: لا يخرج عن المعنى اللغوي، ولكن الفقهاء ذكروا تعريفات متفاوتة؛ مراعاة لاختلاف الشروط التي يراها كل منهم:
فعرف الحنفية إحياء الموات بأنه: التسبب للحياة النامية ببناء أو غرس أو كرب (حراثة) أو سقي (5).
وعند المالكية: لقب لتعمير بائر الأرض بما يقتضي عدم انصراف المعمر عن انتفاعه بها (6). وعند الشافعية: عمارة أرض لا مالك لها (7).
وعند الحنابلة: تعمير الأرض بالعمارة العرفية لما يريده المالك (8).
ويظهر من هذه التعريفات أن إحياء الموات: هو بث الحياة في الأرض الميتة
(1) المحرر في الفقه (1/ 367).
(2)
الروض المربع (2/ 424)، وشرح منتهى الإرادات (2/ 362).
(3)
المغني في فقه الإمام أحمد (5/ 328)، وشرح منتهى الإرادات (2/ 362).
(4)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 471)، ولسان العرب (14/ 213)(حيا).
(5)
الدر المختار (6/ 431).
(6)
مواهب الجليل (6/ 2).
(7)
الحاوي الكبير (7/ 480)، والأحكام السلطانية للماوردي (ص 200)، ومغني المحتاج (2/ 361).
(8)
كشاف القناع (4/ 185).
التي لم يسبق تعميرها؛ للانتفاع بها، وإصلاحها بالبناء، أو الغرس، أو الحرث، أو السقي، والاستفادة منها بكل الوسائل التي تعود بالنفع على الإنسان، ضمن شروط معينة، وأعمال مخصوصة عرفًا، تتناسب مع طبيعة الأرض، والغرض المقصود منها.
وقد اتفق العلماء على جواز أن يقطع الإمام موات الأرض لمن يملكه بالإحياء.
وبيان ذلك: أن الأرض إذا كانت مما لا ينتفع بها بوجه من الوجوه، وكانت خارجة عن العمران، بعيدة عنه، وأقطعها الإمام شخصًا ليقوم بتحويلها من خراب إلى عمار، أو استثمارها باستصلاح ذاتها، فإنه يملكها بإحيائه لها.
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتفقوا أن من أقطعه الإمام أرضًا لم يعمرها في الإسلام قط لا مسلم ولا ذمي ولا حربي، ولا كانت مما صالح عليها أهل الذمة، ولا كان فيها منتفع لمن يجاورها، ولا كانت في خلال المعمور، ولا بقرب معمور، بحيث إن وقف واقف في أدنى المعمور وصاح بأعلى صوته لم يسمعه من في أدنى ذلك العامر، فعمره الذي أقطعها، أو أحياها بحرث، أو حفر، أو غرس، أو جلب ماء لسقيها، أو بناء بناه، أنها لى ملك موروث عنه، يبيعها إن شاء، ويفعل فيها ما أحب"(1).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)، والظاهرية (6).
(1) مراتب الإجماع (ص 95).
(2)
انظر: المبسوط للسرخسي (23/ 181)، وتبيين الحقائق (6/ 35)، وحاشية ابن عابدين (6/ 432).
(3)
الذخيرة للقرافي (6/ 147)، وبلغة السالك (4/ 6)، ومنح الجليل (8/ 74).
(4)
انظر: الأم للشافعي (4/ 41)، والأحكام السلطانية للماوردي (هـ 201)، ومغني المحتاج (2/ 361).
(5)
انظر: المغني في فقه الإمام أحمد (5/ 347)، والمحرر في الفقه (1/ 367)، وكشاف القناع (4/ 185).
(6)
المحلى لابن حزم (8/ 233).