الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَشَهَّدَ عبد الرحمن، ثُمَّ قال: أَمَّا بَعْدُ، يا عَلِيُّ، إني قد نَظَرْتُ في أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فلا تَجْعَلَنَّ على نَفْسِكَ سَبِيلًا، فقال: أُبَايِعُكَ على سُنَّةِ اللَّه وَرَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْن من بَعْدِهِ، فَبَايَعَهُ عبد الرحمن، وَبَايَعَهُ الناس؛ المُهَاجِرُونَ، وَالْأَنْصَارُ، وَأُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ، وَالمُسْلِمُونَ" (1).
• رابعًا: البيعة لعلي رضي الله عنه:
اختلفت الروايات في وقت بيعة الناس لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقيل: إنه بويع بعد أربعة أيام من قتل عثمان رضى اللَّه عنه، وقيل: بعد خمسة، وقيل بعد ثلاثة، وقيل: بويع يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة، وقيل: بويع عقيب قتل عثمان، وأصح الروايات: أنه امتنع عن البيعة إلى أن دُفن عثمان، ثم بويع على منبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ظاهرًا (2).
قال ابن حجر العسقلاني: "وكانت بيعة علي بالخلافة عقب قتل عثمان في أوائل ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، فبايعه المهاجرون، والأنصار، وكل من حضر، وكتب بيعته إلى الآفاق، فأذعنوا كلهم، إلا معاوية في أهل الشام، فكان بينهم بعد ما كان"(3).
النتيجة:
صحة الإجماع على خلافة الخلفاء الراشدين.
[32/ 32] للإمام الحق في الاستخلاف أو عدم الاستخلاف
• المراد بالمسألة: الاستخلاف لغة: الخاء واللام والفاء أصول ثلاثة: أحدها: التغير، ومنه: قولهم: خلف فوه، إذا تغير وأخلف. والثاني: ضد قدام، ومنه: جلست خلف فلان أي بعده. والثالث: أن يجيء شيء بعد شيء يقوم مقامه، كقول اللَّه -تعالى-:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} (4). والخلافة سميت كذلك؛ لأن الثاني يجيء بعد الأول قائمًا مقامه، ويُقال: خلفت فلانًا
(1) تقدم تخريجه.
(2)
أخرجه الحاكم، كتاب معرفة الصحابة، ذكر إسلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه (3/ 123) رقم (4594).
(3)
فتح الباري (7/ 72).
(4)
سورة الأعراف، الآية:(169).
أخلفه تخليفًا واستخلفته أنا: جعلته خليفتي، واستخلفه: جعله خليفة. والخليفة: الذي يُستخلف ممن قبله (1).
الاستخلاف اصطلاحًا: أن يعقد الإمام في حياته لآخر الخلافة بعده (2). وقد أجمع العلماء على أن الخليفة إذا حضرته مقدمات الموت وقبل ذلك يجوز له الاستخلاف، ويجوز له تركه، فإن تركه فقد اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا، وإلا فقد اقتدى بأبي بكر رضي الله عنه (3).
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتفقوا أن للإمام أن يستخلف قَبْل أم لا"(4)، نقله ابن القطان (628 هـ) (5) أبو المعالي الجويني (478 هـ) قال:"اعتقد كافة علماء الدين تولية العهد مسلكًا في إثبات الإمامة، في حق المعهود إليه المولى، ولم ينف أحد أصلها"(6) القاضي عياض (544 هـ) قال: "الاستخلاف غير لازم؛ إذ لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، وانعقاد الخلافة بالتقديم والعقد من المتولي، كفعل أبي بكر لعمر، أو بعقد أهل الحل والعقد والاختيار، كفعل الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مما أجمع عليه المسلمون"(7). ابن قدامة (620 هـ) قال: "من اتفق المسلمون على إمامته وبيعته ثبتت إمامته ووجبت معونته؛ لِما ذكرنا من الحديث والإجماع، وفي معناه من ثبتت إمامته بعهد النبي صلى الله عليه وسلم أو بعهد إمام قبله إليه، فإن أبا بكر ثبتت إمامته بإجماع الصحابة على بيعته، وعمر ثبتت إمامته بعهد أبي بكر إليه، وأجمع الصحابة على قبوله"(8) النووي (676 هـ) قال: "أجمعوا على أن الخليفة إذا حضرته مقدمات الموت
(1) لسان العرب (9/ 82)(خلف)، ومعجم مقاييس اللغة (2/ 210)(خلف).
(2)
روضة الطالبين (10/ 44)، وفتح الباري لابن حجر العسقلاني (13/ 206).
(3)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (12/ 205).
(4)
مراتب الإجماع (ص 126).
(5)
الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 61).
(6)
غياث الأمم (ص 100).
(7)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 221).
(8)
المغني في فقه الإمام أحمد (10/ 49).
وقبل ذلك يجوز له الاستخلاف، ويجوز له تركه" (1)، نقله العظيم آبادي (بعد 1310 هـ) (2)، والمباركفوري (1353 هـ) (3) الحافظ العراقي (806 هـ) قال: "انعقد الإجماع على أن الخليفة يجوز له الاستخلاف وتركه، وعلى انعقاد الخلافة" (4) الخطيب الشربيني (977 هـ) قال:"تنعقد -الإمامة- باستخلاف الإمام شخص عينه في حياته؛ ليكون خليفته بعده. . . وانعقد الإجماع على جوازه"(5) الرملي (1004 هـ) قال: "باستخلاف الإمام واحد بعده. . . وانعقد الإجماع على الاعتداد بذلك"(6).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (7)، والمالكية (8)، والشافعية (9)، والحنابلة (10)، والظاهرية (11).
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من السنة، والآثار:
• أولًا: السنة: حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه
(1) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (12/ 205).
(2)
عون المعبود (8/ 112).
(3)
تحفة الأحوذي (6/ 397).
(4)
طرح التثريب في شرح التقريب، مرجع سبق (8/ 65).
(5)
مغني المحتاج (4/ 131).
(6)
نهاية المحتاج (7/ 411).
(7)
الفصول في الأصول (4/ 54).
(8)
أحكام القرآن لابن العربي (3/ 409)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/ 264، 268)، والذخيرة للقرافي (10/ 25)، وبلغة السالك لأقرب المسالك (4/ 220)، وأضواء البيان (1/ 21).
(9)
الأحكام السلطانية للماوردي (ص 6)، وأسنى المطالب في شرح روض الطالب (4/ 109)، وحاشيتا القليوبى وعميرة، شهاب الدين أحمد القليوبي، وشهاب الدين أحمد البرلسي الملقب بعميرة، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الثالثة 1375 هـ (4/ 173).
(10)
الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 23)، والإنصاف للمرداوي (10/ 234)، والإقناع للحجاوي (4/ 292)، وكشاف القناع للبهوتي (6/ 159).
(11)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 129).
الذي توفي فيه: "لَقَدْ هَمَمْتُ -أَوْ أَرَدْتُ- أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ، فَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى المُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّه وَبَدْفَعُ المُؤْمِنُونَ، أَوْ يَدْفَعُ اللَّه وَيَأْبَى المُؤْمِنُونَ"(1) وفي رواية: قالت رضي الله عنها: قَالَ لي رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في مَرَضِهِ: "ادْعِي لي أَبَا بَكْرٍ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا، فإني أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَبَقُولَ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى. وَيَأْبَى اللَّه وَالمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ"(2).
• وجه الدلالة: قال ابن تيمية: "النبي صلى الله عليه وسلم دلَّ المسلمين على استخلاف أبي بكر، وأرشدهم إليه بأمور متعددة من أقواله وأفعاله، وأخبر بخلافته إخبار راض بذلك حامد له، وعزم على أن يكتب بذلك عهدًا، ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه، فترك الكتاب اكتفاء بذلك"(3).
• ثانيًا: الآثار:
1 -
جمع أبو بكر الصديق رضي الله عنه الناس في مرضه الذي قُبض فيه وقال لهم: "أمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمَّرتم عليكم في حياة مني كان أجدر ألا تختلفوا بعدي". فقاموا في ذلك، وحلُّوا عنه، فلم تستقم لهم، فقالوا: ارأ لنا يا خليفة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال: "فلعلكم تختلفون؟ " قالوا: لا، قال:"فعليكم عهد اللَّه على الرضا؟ " قالوا: نعم. قال: "فأمهلوني أنظر للَّه ودينه ولعباده"، فأرسل أبو بكر إلى عثمان بن عفان رضي الله عنهما فقال:"أشر علي برجل، واللَّه إنك عندي لها لأهل وموضع". فقال: عمر. فقال: "اكتب". فكتب حتى انتهى إلى الاسم، فغُشي عليه، ثم أفاق فقال:"اكتب عمر"(4).
2 -
عن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما قال: قِيلَ لِعُمَرَ: أَلَا تَسْتَخْلِفُ؟ قَالَ: "إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدْ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي: أَبُو بَكْرٍ، وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ
(1) تقدم تخريجه.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
منهاج السنة النبوية (1/ 358 وما بعدها).
(4)
تقدم تخريجه.