الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الخراج" (1).
النتيجة:
صحة الإجماع؛ لشذوذ الخلاف.
[160/ 160] يجوز لمن بيده أرض خراجية أن يزارع فيها
• المراد بالمسألة: المزارعة لغة: مفاعلة من الزرع، وهو الحرث والإنبات. يُقال: زَرَعَ الحراث الأرض زَرْعًا: حرثها للزراعة، وزَرَعَ اللَّه الحرث: أنبته وأنماه، والزَّرْعُ: ما استنبت بالبذر.
ومنه يُقال: حصدت الزَّرْعَ، أي: النبات، وقال بعضهم: ولا يُسمى زَرْعًا إلا وهو غضّ طريّ، والجمع: زُرُوعٌ (2).
المزارعة شرعًا: عقد على الزرع ببعض الخارج (3).
وقيل: تسليم الأرض لرجل ليزرعها ببعض ما يخرج منها، والبذر من المالك. والمخابرة كالمزارعة، لكن البذر من العامل (4).
وقيل: دفع أرض وحب لمن يزرعه ويقوم عليه، بجزء مشاع معلوم منه (5).
وخلاصة القول: أن المزارعة عقد بين من بيده رقبة الأرض، وآخر يعمل في زراعتها، على أن يكون المحصول مشتركًا بينهما، بالحصص التي يتفقان عليها. وقد أجمع المسلمون على جواز دفع الأرض الخراجية لمن يزرعها ببعض ما يخرج منها.
• من نقل الإجماع: موفق الدين ابن قدامة (620 هـ) قال: "يجوز لمن في يده أرض خراجية أن يزارع فيها؛ لأنه بمنزلة المستأجر لها، وللموقوف عليه أن يزارع في الوقف ويساقي على شجره؛ لأنه إما مالك لرقبة ذلك أو بمنزلة المالك، ولا نعلم في هذا خلافًا عند من أجاز المساقاة والمزارعة، واللَّه
(1) راجع ما نقله ابن رجب الحنبلي عن حرب الكرماني بسنده. يُنظر: الاستخراج لأحكام الخراج (ص 83).
(2)
لسان العرب (8/ 141)، والمصباح المنير (1/ 252)(زرع).
(3)
الهداية شرح البداية (4/ 53)، وتبيين الحقائق (5/ 278).
(4)
الإقناع للشربيني (2/ 355).
(5)
المبدع لابن مفلح (5/ 55)، والروض المربع (2/ 289).
أعلم" (1). نقله شمس الدين ابن قدامة (682 هـ)(2).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (3)، والمالكية (4)، والشافعية (5)، والحنابلة (6)، والظاهرية (7).
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بحديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: "أن رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ ما يَخْرُجُ منها من ثَمَرٍ أو زَرْعٍ"(8).
قال ابن بطال: "العمل جرى بالمزارعة والمساقاة فى أوقاف النبي صلى الله عليه وسلم وأرض خراج المسلمين، ولم يرو عن أبي بكر ولا عمر ولا غيرهما أنهم غيروا حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى هذا، فهى سنة ثابتة معمول بها"(9).
• المخالفون للإجماع: يرى أبو حنيفة رحمه الله أن المزارعة باطلة وفاسدة وغير جائزة، وبالتالي لا يرى جوازها في أرض الخراج (10).
وكذلك لم يجز الشافعي المزارعة، إلا أن تكون تبعًا للمساقاة للحاجة، فلو كان بين النخل بياض صحت المزارعة عليه مع المساقاة على النخل، بشرط اتحاد العامل، وعسر إفراد النخل بالسقي، والبياض بالعمارة، وهي: الزراعة لانتفاع النخل بسقي الأرض وتقليبها. واشترط ألا يفصل العاقدان بين العقدين،
(1) المغني في فقه الإمام أحمد (5/ 238).
(2)
الشرح الكبير لابن قدامة (5/ 77).
(3)
البحر الرائق (8/ 184).
(4)
المدونة الكبرى (12/ 2)، والتاج والإكليل (5/ 445)، ومنح الجليل (8/ 42).
(5)
الحاوي الكبير (7/ 366)، وإعانة الطالبين (3/ 125).
(6)
انظر: الكافي في فقه ابن حنبل (2/ 267)، والمبدع لابن مفلح (5/ 45)، وكشاف القناع (3/ 541).
(7)
المحلى لابن حزم (8/ 213).
(8)
أخرجه البخاري، كتاب المزارعة، باب: المزارعة بالشطر ونحوه (3/ 104) رقم (2328)، ومسلم، كتاب المساقاة، باب: المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع (3/ 1186) رقم (1551).
(9)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (6/ 473).
(10)
تبيين الحقائق (5/ 278)، والبحر الرائق (8/ 181)، وحاشية ابن عابدين (6/ 275).
وإنما يؤتى بهما على الاتصال، وألا يقدم المزارعة على المساقاة؛ لأنها تابعة، والتابع لا يُقدم على متبوعه (1).
ومع هذا قال كثير من فقهاء الشافعية بمشروعية المزارعة استقلالًا، بدليل معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها (2).
• واستدل المخالفون بما يلي:
1 -
حديث جَابِرِ بن عبد اللَّه رضي الله عنهما: "أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُخَابَرَةِ (3)، وَالمُحَاقَلَةِ (4). . . "(5).
2 -
أن أجر المزارع -وهو مما تخرجه الأرض- إما معدوم؛ لعدم وجوده عند العقد، أو مجهول؛ لجهالة مقدار ما تخرجه الأرض، وقد لا تخرج شيئًا،
(1) المهذب (1/ 394)، ومغني المحتاج (2/ 323 وما بعدها).
(2)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (10/ 210)، والإقناع للشربيني (2/ 355).
(3)
قال النووي في المنهاج (15/ 193): "المخابرة والمزارعة متقاربتان، وهما: المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها من الزرع، كالثلث والربع وغير ذلك من الأجزاء المعلومة، لكن فى المزارعة يكون البذر من مالك الأرض، وفى المخابرة يكون البذر من العامل، هكذا قاله جمهور أصحابنا، وهو ظاهر نص الشافعى، وقال بعض أصحابنا وجماعة من أهل اللغة وغيرهم هما بمعنى قالوا: والمخابرة مشتقة من الخبر، وهو الأكار، أى: الفلاح، هذا قول الجمهور، وقيل: مشتقة من الخبار، وهي الأرض اللينة، وقيل: من الخُبرة، وهى النصيب".
(4)
قال ابن الأثير في النهاية (1/ 416): "المحاقلة مختلف فيها، قيل: هي اكتراء الأرض بالحنطة، هكذا جاء مفسرًا في الحديث، وهو الذى يسميه الزارعون المحارثة، وقيل: هي المزارعة على نصيب معلوم كالثلث والربع ونحوهما، وقيل: هي بيع الطعام في سنبله بالبر، وقيل: بيع الزرع قبل إدراكه، وإنما نهى عنها لأنها من المكيل، ولا يجوز فيه إذا كان من جنس واحد إلا مثلًا بمثل ويدًا بيد، وهذا مجهول لا يُدرى أيهما أكثر، وفيه النسيئة. والمحاقلة مفاعلة من الحقل، وهو الزرع إذا تشعب قبل أن يغلظ سوقه، وقيل: هو من الحقل، وهي الأرض التي تزرع".
(5)
أخرجه البخاري، كتاب المساقاة، باب: الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل (3/ 115) رقم (2381)، ومسلم، كتاب البيوع، باب: النهي عن المحاقلة والمزابنة وعن المخابرة (3/ 1174) رقم (1536).