الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وجه الدلالة: وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة، وتحريم الخروج عن طاعته.
النتيجة:
صحة الإجماع؛ لعدم المخالف.
[47/ 47] تحريم الخروج على الإمام الفاسق
• المراد بالمسألة: اتفقت الأمة على حرمة الخروج عن طاعة ولي الأمر، والصبر على جوره وفسقه؛ توقيًا للفتن وإراقة الدماء، إلا إن دعا إلى كفر، فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها.
• من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) قال: "وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين"(1) نقله زكريا الأنصاري (926 هـ)(2)، وعبد الحميد الشرواني (1301 هـ) (3) ملا علي القاري (1014 هـ) قال:"وخروج جماعة من السلف على الجورة كان قبل استقرار الإجماع على حرمة الخروج على الجائر"(4).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (5)، والمالكية (6)، والشافعية (7)، والحنابلة (8)، والظاهرية (9).
(1) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (12/ 229).
(2)
أسنى المطالب في شرح روض الطالب (4/ 111).
(3)
حواشي الشرواني (9/ 66).
(4)
مرقاة المفاتيح (3/ 181).
(5)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 140)، والبحر الرائق (5/ 241)، وحاشية ابن عابدين (1/ 549)، (4/ 261).
(6)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/ 268)، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 299)، والفواكه الدواني (1/ 325).
(7)
الأحكام السلطانية للماوردي (ص 24)، وروضة الطالبين (10/ 47)، ومغني المحتاج (4/ 132).
(8)
انظر: المغني لابن قدامة (10/ 46)، والشرح الكبير (10/ 48)، والإنصاف للمرداوي (10/ 235).
(9)
المحلى لابن حزم (9/ 360).
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة:
• أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (1).
• وجه الدلالة: قال ابن كثير: "هذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء، ولهذا قال -تعالى-: {أَطِيعُوا اللَّهَ} أي: اتبعوا كتابه، {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} أي: خذوا بسنته، {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} أي: فيما أمروكم به من طاعة اللَّه لا في معصية اللَّه"(2).
الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)} (3).
• وجه الدلالة: قال ابن جرير الطبري: "فإنما ينقض بيعته؛ لأنه بفعله ذلك يخرج ممن وعده اللَّه الجنة بوفائه بالبيعة، فلم يضر بنكثه غير نفسه، ولم ينكث إلا عليها"(4).
• ثانيًا: السنة:
1 -
حديث أم سلمة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "سَتَكُونُ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ من رضي وَتَابَعَ"، قالوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قال: "لَا، ما صَلَّوْا"(5).
• وجه الدلالة: فيه عدم جواز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق، ما لم يغيروا شيئًا من قواعد الإسلام (6).
2 -
حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ
(1) سورة النساء، الآية:(59).
(2)
تفسير ابن كثير (1/ 519).
(3)
سورة الفتح، الآية:(10).
(4)
تفسير الطبري (26/ 76).
(5)
أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب: وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع (3/ 1480) رقم (1854).
(6)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (12/ 243).
بَعْدِي أَثَرَةً (1) وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا"، قالوا: فما تَأْمُرُنَا يا رَسُولَ اللَّه؟ قال: "أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللَّه حَقَّكُمْ" (2).
3 -
حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ:"نَعَمْ"، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: "يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَاي، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَان إِنْسٍ"، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ"(3).
• وجه الدلالة: يستدل من هذه الأحاديث على وجوب طاعة أولي الأمر ما أطاعوا اللَّه ولم يأمروا بمعصية.
4 -
حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: دَعَانَا رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا، وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا، ويُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ:"إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّه فِيهِ بُرْهَانٌ"(4).
• وجه الدلالة: قال ابن حجر العسقلاني: "ومقتضاه: أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل"(5).
• من خالف الإجماع: اختلف العلماء في مسألة الخروج على الإمام الفاسق، فقال البعض بعزله مطلقًا، وقال آخرون بالتفصيل:
(1) أثرة: أي يستأثر عليكم بالفيء. يُنظر: لسان العرب (4/ 8)(أثر).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الفتن، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: سترون بعدي أمورًا تنكرونها (9/ 47) رقم (7052)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب: وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء (3/ 1472) رقم (1843).
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
فتح الباري (13/ 8).
أولًا: القائلون بالعزل مطلقًا: الحنفية إن أمنوا وقوع الفتن (1)، والشافعي في القديم (2)، وإليه ذهب بعض أصحابه (3)، وهو قول بعض الحنابلة (4)، والظاهرية إن استمر على فسقه بعد نصحه (5)، والزيدية (6)، والمعتزلة (7)، والخوارج (8).
وذهب الجصاص إلى أنه مذهب أبي حنيفة، وقال:"لا فرق عند أبى حنيفة بين القاضي وبين الخليفة في أن شرط كل واحد منهما العدالة، وأن الفاسق لا يكون خليفة، ولا يكون حاكمًا، كما لا تقبل شهادته ولا خبره. . . وكيف يكون خليفة وروايته غير مقبولة وأحكامه غير نافذة؟ ! . . . "(9). ونُقل عن الإمام مالك القول به (10). ونُقل عن الإمام أحمد أنه قال: "من دعا منهم إلى بدعة فلا تجيبوه ولا كرامة، وإن قدرتم على خلعه فافعلوا"(11). وقال ابن حزم: "إن سلَّ السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إذا لم يمكن دفع المنكر إلا بذلك"(12).
(1) حاشية ابن عابدين (1/ 549)، والمسامرة في شرح المسايرة، الكمال ابن أبي شريف، مطبعة السعادة، مصر، الطبعة الثانية 1347 هـ (ص 323).
(2)
نسبه الزبيدي إلى الشافعي في القديم. يُنظر: إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين، محمد بن محمد الحسيني الزبيدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت (2/ 233).
(3)
مغني المحتاج (4/ 130)، ومآثر الإنافة في معالم الخلافة (1/ 36).
(4)
الإنصاف للمرداوي (10/ 234).
(5)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 171).
(6)
البحر الزخار (16/ 103).
(7)
المغني في أبواب التوحيد والعدل (20/ 170)، وأصول الدين لأبي اليسر البزدوي (ص 190).
(8)
الفرق بين الفرق (ص 73)، وأصول الدين لأبي اليسر البزدوي (ص 190).
(9)
أحكام القرآن للجصاص (1/ 86 وما بعدها).
(10)
أحكام القرآن لابن العربي (4/ 1721).
(11)
الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 305).
(12)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 171).
• واستدلوا بأدلة من الكتاب، والسنة:
• أولًا: الكتاب:
1 -
قول اللَّه -تعالى-: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (1).
• وجه الدلالة: أراد أن الظالم لا يكون إمامًا (2).
قال الجصاص: "فثبت بدلالة هذه الآية بطلان إمامة الفاسق، وأنه لا يكون خليفة، وأن من نصب نفسه في هذا المنصب وهو فاسق لم يلزم الناس اتباعه ولا طاعته"(3).
ونوقش: بانتفاء النص على الخروج على الأئمة، وإن كان ثمة نهي لتولية الفاسق ابتداءً.
2 -
قول اللَّه -تعالى-: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (4).
• وجه الدلالة: الأمر بقتال الفئة الباغية، والتي معها الإمام الجائر؛ إذ يجب على المسلمين نصرتها وقتاله وإن لم يكن كفر كفرًا بواحًا.
3 -
قول اللَّه -تعالى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (5).
• وجه الدلالة: أن السكوت على الإمام الفاسق، وعدم الخروج عليه، هو عين التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه، وإنكاره بالخروج ونحوه من التعاون على البر والتقوى.
4 -
قول اللَّه -تعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
(1) سورة البقرة، الآية:(124).
(2)
أحكام القرآن للجصاص (1/ 85).
(3)
أحكام القرآن للجصاص (1/ 86).
(4)
سورة الحجرات، الآية:(9).
(5)
سورة المائدة، الآية:(2).
وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (1).
5 -
قول اللَّه -تعالى-: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} (2).
• وجه الدلالة: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ألا ترى أن فسق وجور الحاكم منكر عظيم؟
• ثانيًا: السنة:
1 -
حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّه في أُمَّةٍ قَبْلِي إلا كان له من أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ، يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ من بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بيده فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلك من الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ"(3).
2 -
أخرج مسلم في صحيحه عن طَارِقِ بن شهَابٍ أنه قال: أَوَّلُ من بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يوم الْعِيدِ قبل الصَّلَاةِ مَرْوَانُ، فَقَامَ إليه رَجُلٌ فقال: الصَّلَاةُ قبل الْخُطْبَةِ، فقال: قد تُرِكَما هنالك، فقال أبو سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه: أَمَّا هذا فَقَدْ قَضى ما عليه، سمعت رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:"من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَان"(4).
• وجه الدلالة: في الحديثين أمر إيجاب لتغيير المنكر باليد لمن قدر على ذلك عند أئمة الجور (5).
(1) سورة آل عمران، الآية:(110).
(2)
سورة آل عمران، الآية:(104).
(3)
أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان (1/ 69) رقم (50).
(4)
أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان (1/ 69) رقم (49).
(5)
يُنظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (2/ 22)، وجامع العلوم والحكم (ص 322).