الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونوقش: بأن ذلك يرده قوله صلى الله عليه وسلم: "فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا"، ولأن نصب خليفتين يؤدي إلى الشقاق وحدوث الفتن (1).
النتيجة:
عدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف.
[38/ 38] لا تقصر الخلافة على بني هاشم
• المراد بالمسألة: الاتفاق على أن الخلافة في جميع أفخاذ قريش، ولا تُقْصر على بني هاشم.
• من نقل الإجماع: القرطبي (671 هـ) قال في شروط الإمام: "ولا أن يكون من بني هاشم فقط دون غيرهم من قريش، فإن الإجماع فد انعقد على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان، وليسوا من بني هاشم"(2) الدمشقي (بعد 785 هـ) قال: "اتفق الأئمة على أن الإمامة فرض. . . وعلى أن الأئمة من قريش، وأنها جائزة في جميع أفخاذ قريش"(3) ابن حجر الهيتمي (973 هـ) قال في شروط الإمام: ". . . قرشيًّا؛ لخبر: "الأئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ" (4) إسناده جيد، لا هاشميًّا اتفاقًا"(5) الحموي (1056 هـ) قال: "قال الروافض: يجب الاقتصار على بني هاشم، وعينوا عليًّا وأولاده، وهذا القول باطل بإجماع الصحابة على خلافة أبي بكر وعمر وعثمان"(6).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (7)، والمالكية (8)،
(1) المرجع السابق.
(2)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/ 271).
(3)
رحمة الأمة في اختلاف الأئمة (ص 283).
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
تحفة المحتاج في شرح المنهاج، لابن حجر الهيتمي، مطبعة مصطفى محمد، المكتبة التجارية الكبرى، مصر (9/ 75).
(6)
غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر (4/ 148).
(7)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 319).
(8)
الذخيرة (10/ 24)، والتاج والإكليل لمختصر خليل (8/ 366)، والفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/ 325)، وإكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 214)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/ 271)، وبلغة السالك لأقرب المسالك (4/ 220).
والشافعية (1)، والحنابلة (2)، والظاهرية (3).
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالأحاديث الدالة على القرشية في الإمامة، والتي وردت عامة تشمل بني هاشم وغيرهم، ومنها:
1 -
حديث معاوية رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ هَذَا الأَمْرَ في قُرَيْشٍ، لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ، مَا أَقَامُوا الدِّينَ"(4).
2 -
حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لَا يَزَالُ الأَمْرُ في قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَان"(5).
3 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ في هَذَا الشَّأْن، مُسْلِمُهُمْ تبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ"(6).
4 -
حديث أبي بكر رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "قُرَيْشٌ وُلاةُ هَذَا الأَمْرِ، فَبَرُّ النَّاسِ تبَعٌ لِبَرِّهِمْ، وَفَاجِرُهُمْ تبَعٌ لِفَاجِرِهِمْ"(7).
5 -
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ"(8).
ونوقش ذلك: بما قاله الجويني: "ذكر بعض الأئمة أن هذا الحديث في حكم المستفيض المقطوع بثبوته من حيث إن الأمة تلقته بالقبول، وهذا مسلك
(1) الأحكام السلطانية للماوردي (ص 5)، وغياث الأمم (ص 62)، وروضة الطالبين (10/ 42)، ومغني المحتاج (4/ 130)، وأسنى المطالب (4/ 109).
(2)
الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 20)، والإنصاف للمرداوي (10/ 234)، والإقناع للحجاوي. (4/ 292)، ودليل الطالب لنيل المطالب (1/ 322)، وكشاف القناع عن متن الإقناع (6/ 159)، وشرح منتهى الإرادات المسمى دقائق أولي النهى لشرح المنتهى (1/ 270).
(3)
المحلى لابن حزم (1/ 44) و (9/ 359)، والفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 74) و (4/ 128).
(4)
تقدم تخريجه (ص 134).
(5)
تقدم تخريجه (ص 134).
(6)
تقدم تخريجه (ص 134).
(7)
تقدم تخريجه (ص 134).
(8)
تقدم تخريجه.
لا أوثره، فإن نقلة هذا الحديث معدودون لا يبلغون مبلغ عدد التواتر، والذي يوضح الحق في ذلك: أنَّا لا نجد في أنفسنا ثلج الصدور واليقين المثبوت بصدد هذا من فلق في رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، كما لا نجد ذلك في سائر أخبار الآحاد، فإذًا لا يقتضي هذا الحديث العلم باشتراط النسب في الإمامة" (1).
وأجيب عنه: بما قال ابن حزم: "هذه رواية جاءت مجيء التواتر، ورواها أنس بن مالك، وعبد اللَّه ابن عمر بن الخطاب، ومعاوية، وروى جابر بن عبد اللَّه، وجابر بن سمرة، وعبادة بن الصامت معناها"(2). قال ابن حجر: "وقد جمعت طرقه عن نحو أربعين صحابيًّا لَمَّا بلغني أن بعض فضلاء العصر ذكر أنه لم يرو إلا عن أبي بكر الصديق"(3).
• وجه الدلالة: قال النووي: "هذه الأحاديث وأشباهها دليل ظاهر أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة فكذلك بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع أو عرَّض بخلاف من غيرهم فهو محجوج بإجماع الصحابة والتابعين فمن بعدهم بالأحاديث الصحيحة"(4).
ونوقش: بأن هذه الأحاديث إنما هي على سبيل الإخبار، لا الأمر (5).
وأجيب عن ذلك: بما قاله ابن المنير (6): "وجه الدلالة من الحديث -يقصد
(1) غياث الأمم (ص 62).
(2)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 74).
(3)
فتح الباري لابن حجر (7/ 32).
(4)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (12/ 200).
(5)
تاريخ المذاهب الإسلامية، لمحمد أبي زهرة (1/ 90).
(6)
هو: علي بن محمد بن منصور بن أبي القاسم بن مختار، زين الدين ابن المنير الجذامي الجروي الإسكندارني، وهو أخو القاضي ناصر الدين أحمد بن المنير مصنف المتوارى على أبواب البخاري، يروي عن يوسف المحملي، وعلي بن أبي الفضل المرسي، له شرح على البخاري في عدة أسفار، يذكر فيه الترجمة ويورد عليها أسئلة مشكلة، ثم يجيب عنها، ثم يتكلم على فقه الحديث ومذاهب العلماء، ثم يرجح المذهب ويفرع، توفي سنة خمس وتسعين وستمائة. يُنظر: الوافي بالوفيات (22/ 90)، والديباج المذهب (1/ 214).
حديث: "لَا يَزَالُ الأمْرُ في قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ"- ليس من جهة تخصيص قريش بالذكر، فإنه يكون مفهوم اللقب لا حجة فيه عند المحققين، وإنما الحجة وقوع المبتدأ معرفًا بلام الجنسية؛ لأن المبتدأ بالحقيقة هاهنا هو الأمر الواقع صفة لهذا، وهذا لا يوصف إلا بالجنس، فمقتضاه حصر جنس الأمر في قريش، فيصير كأنه قال: لا أمر إلا في قريش، وهو كقوله:"الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ"(1)، والحديث وإن كان بلفظ الخبر فهو بمعنى الأمر، كأنه قال: ائتمروا بقريش خاصة، وقوله:"مَا بَقِىَ مِنْهُمُ اثْنَانِ" ليس المراد به حقيقة العدد، وإنما المراد به انتفاء أن يكون الأمر في غير قريش، وهذا الحكم مستمر إلى يوم القيامة ما بقي من الناس اثنان" (2).
• من خالف الإجماع: وهم فئتان (3):
• أولًا: الراوندية (4)؛ إذ حصروا الإمامة في العباس بن عبد المطلب وولده حتى انتهوا بها إلى أبي جعفر المنصور، واستدلوا بأن العباس كان عصب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ووارثه، فإذا كان ذلك كذلك فقد ورث مكانه.
ونوقش: بأن هذا ليس بشيء، لأن ميراث العباس رضي الله عنه لو وجب له لكان
(1) أخرجه البخاري، كتاب الشفعة، باب: الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة (2257).
(2)
إرشاد الساري شرح صحيح البخاري، للقسطلاني (10/ 209).
(3)
وترَّهات أخرى، وكما قال ابن حزم:"فما وجدنا لهم شبهة يُستحق أن يُشتغل بها، إلا دعاوى كاذبة لا وجه لها". ينظر: أصول الدين لأبي منصور البغدادي (ص 276)، والفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 75 وما بعدها).
(4)
أنصار أبي هريرة الراوندي من فرقة الكيسانية، ويقال لهم، الهريرية، زعموا أن الإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم العباس رضى اللَّه عنه، ثم بنوه؛ لأن العم أولى من ابن العم، ونبعت فرقة منهم في أيام أبي جعفر المنصور بمدينة الهاشمية، وجعلوا يطوفون بقصره، ويقولون: إن أبا جعفر خالقهم ورازقهم، وأن روح آدم صار في عثمان ابن نهيك، وأن جبريل هو الهيثم بن معاوية، فأخذ المنصور جماعة منهم وحبسهم فنقم الباقون واستعرضوا الناس يمرجونهم بالسيف، فخرج إليهم المنصور فاصطلمهم. يُنظر: مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري (1/ 96)، والبدء والتاريخ، المطهر بن طاهر المقدسي، (5/ 132).
ذلك في المال خاصة، وأما المرتبة فما جاء قط في الديانات أنها تورث، فبطل هذا التمويه جملة، ولو جاز أن تورث المراتب لكان من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مكانًا ما، إذا مات وجب أن يرث تلك الولاية عاصبه ووارثه، وهذا ما لا يقولونه، فكيف وقد صح بإجماع جميع أهل القبلة حاشا الروافض أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"لَا نُورَثُ، ما تَرَكنَا صَدَقَةٌ"(1)؟
وأيضًا لم يكن العباس محيطًا بميراث النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان يكون له ثلاثة أثمانه فقط.
وأما ميراث المكانة: فقد كان العباس رضي الله عنه حيًّا قائمًا إذ مات النبي صلى الله عليه وسلم، فما ادعى العباس لنفسه قط في ذلك حقًّا، لا حينئذ، ولا بعد ذلك، وجاءت الشورى فما ذُكِر فيها، ولا أنكر هو ولا غيره تَرْكَ ذِكْرِه فيها؛ فصح أنه رأي محدث فاسد لا وجه له للاشتغال به، والخلفاء من ولده والأفاضل منهم من غير الخلفاء لا يرون لأنفسهم بهذه الدعوة؛ ترفعًا عن سقوطها ووهيها (2).
• ثانيًا: الشيعة: وهؤلاء قصروها في علي رضي الله عنه وولده من بعده، وإن اختلفوا بعد ذلك، فزعمت الزيدية منهم أنها لا تكون إلا في ولد علي رضي الله عنه، في حين ادعت الرافضة الإمامية أنها في واحد مخصوص من أولاد علي رضي الله عنه، وهو: محمد بن الحسن العسكري الإمام الثاني عشر المنتظر (3).
قال ابن حزم: "وعمدة هذه الطوائف كلها في الاحتجاج بأحاديث موضوعة مكذوبة، لا يعجز عن توليد مثلها من لا دين له ولا حياء، ولا معنى لاحتجاجنا عليهم برواياتنا فهم لا يصدقونا، ولا معنى لاحتجاجهم علينا بروياتهم فنحن
(1) أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب: فرض الخمس (4/ 79) رقم (3092)، ومسلم، كتاب، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا صدقة (3/ 1380) رقم (1759) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 75 وما بعدها).
(3)
يُنظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 74 وما بعدها)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/ 271)، وحاشية الطحطاوي على الدر المختار (1/ 239)، وحاشية ابن عابدين (1/ 548).