الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وجه الدلالة: إذا لم يستطع التغيير باليد وإزالته بالفعل؛ لكون فاعله أقوى منه، فليغيره بالقول، وتلاوة ما أنزل اللَّه من الوعيد عليه، وذكر الوعظ والتخويف والنصيحة، فإن لم يستطع فلا يرضى به، وينكر في باطنه على متعاطيه، فيكون تغييرًا معنويًّا؛ إذ ليس في وسعه إلا هذا القدر من التغيير (1).
3 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ"(2).
• وجه الدلالة: قال النووي: "هذا من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكلم التي أعطيها صلى الله عليه وسلم، ويدخل فيها ما لا يُحصى من الأحكام، كالصلاة بأنواعها فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل غسل الممكن، وإذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارته أو لغسل النجاسة فعل الممكن، وإذا وجبت إزالة منكرات أو فطرة جماعة من تلزمه نفقتهم أو نحو ذلك، وأمكنه البعض فعل الممكن"(3).
• من خالف الإجماع: ذهب بعض العلماء (4)، وهو قول للحنفية (5)، إلى القول بأن تغيير المنكر باليد إنما هو على الأمراء، وباللسان على العلماء، وبالقلب على الضعفاء، يعني: عوام الناس.
واحتجوا بأن التغيير باليد يعتمد القدرة، وأنه لا قدرة لغير الأمراء والحكام، وحملوا تغيير المنكر في الأحاديث على ذلك.
ونوقش ذلك: بعموم الأدلة الخاصة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
النتيجة:
عدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف.
[131/ 131] وجوب إنكار المنكر بالقلب
• المراد بالمسألة: أجمع العلماء على أن من تعذر عليه إنكار المنكر بيده أو
(1) يُنظر: عون المعبود (11/ 330) بتصرف يسير.
(2)
تقدم تخريجه (ص 462).
(3)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (9/ 102).
(4)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (4/ 49).
(5)
الهداية شرح البداية (4/ 23)، والبحر الرائق (8/ 215)، وتبيين الحقائق (5/ 238).
لسانه، فإنه يجب عليه الإنكار بقلبه.
• من نقل الإجماع: أبو الحسن الأشعري (324 هـ) قال: "أجمعوا على وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، عليهم بأيديهم، وبألسنتهم، إن استطاعوا ذلك، وإلا فبقلوبهم"(1). نقله ابن القطان (628 هـ)(2) ابن حزم (456 هـ) قال: "اتفقوا في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقلوب"(3). ابن عبد البر (463 هـ) قال: "أجمع المسلمون أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه، وأنه إذا لم يلحقه في تغييره إلا اللوم الذي لا يتعدى إلى الأذى فإن ذلك لا يجب أن يمنعه من تغييره بيده، فإن لم يقدر فبلسانه، فإن لم يقدر فبقلبه، ليس عليه أكثر من ذلك، وإذا أنكره بقلبه فقد أدى ما عليه، إذا لم يستطع سوى ذلك"(4) نقله القرطبي (671 هـ)(5)، وابن القطان (628 هـ) (6) ابن عطية الأندلسي (542 هـ) قال:"والإجماع على أن النهي عن المنكر واجب لمن أطاقه، ونهى بمعروف، وأمن الضرر عليه وعلى المسلمين، فإن تعذر على أحد النهي لشيء من هذه الوجوه ففرض عليه الإنكار بقلبه، وأن لا يخالط ذا المنكر"(7) نقله القرطبي (671 هـ)(8)، والثعالبي (876 هـ)(9).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (10)، والمالكية (11)، والشافعية (12)،
(1) رسالة إلى أهل الثغر لأبي الحسن الأشعري (ص 295).
(2)
الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 62).
(3)
مراتب الإجماع (ص 176).
(4)
التمهيد لابن عبد البر (23/ 281).
(5)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (4/ 48).
(6)
الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 306).
(7)
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/ 224).
(8)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (6/ 253).
(9)
الجواهر الحسان في تفسير القرآن (1/ 479).
(10)
البحر الرائق (8/ 142)، والفتاوى الهندية (5/ 352).
(11)
الاستذكار لابن عبد البر (5/ 17)، ومواهب الجليل (5/ 8)، وشرح الزرقاني (3/ 12).
(12)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (2/ 39)، وفتح الباري لابن حجر العسقلاني (13/ 53).
والحنابلة (1)، والظاهرية (2).
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة:
• أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} (3).
• وجه الدلالة: قال ابن كثير: "أي: إنكم إذا جلستم معهم وأقررتموهم على ذلك، فقد ساويتموهم فيما هم فيه، وقوله: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} (4)، أي: إذا تجنبوهم فلم يجلسوا معهم في ذلك، فقد برؤا من عدتهم، وتخلصوا من إثمهم"(5).
• ثانيًا: السنة:
1 -
حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نَبِىٍّ بَعَثَهُ اللَّه فيِ أُمَّةٍ قَبْلِي إلا كان له من أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ، يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُون بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ من بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بيده فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلك من الْإِيمَان حَبَّةُ خَرْدَلٍ"(6).
2 -
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ"(7).
• وجه الدلالة: إذا لم يستطع التغيير باليد وإزالته بالفعل؛ لكون فاعله أقوى
(1) الفروع لابن مفلح (3/ 67)، وكشاف القناع للبهوتي (3/ 35).
(2)
المحلى لابن حزم (9/ 361).
(3)
سورة النساء، الآية:(140).
(4)
سورة الأنعام، الآية:(69).
(5)
تفسير ابن كثير (2/ 145).
(6)
تقدم تخريجه.
(7)
تقدم تخريجه.