الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع أهمية الحسبة
يهدف الإسلام إلى خلق مجتمع آمن مستقر، تسوده المحبة، ويجتمع أفراده في التعاون على البر والتقوى؛ حتى يتمكن الجميع من القيام بواجب الخلافة في الأرض، وتحقيق الغاية الأساسية من خلق الإنسان، وهي: عبادة اللَّه تعالى، كما قال -تعالى-:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1).
ولأن الناس محتاجون دائمًا إلى نظام يسيرون على هديه، وسلطة تحرص على تحقيق هذا النظام في حياة الناس، لزم أن يكون هناك من يذكر الناس بذلك ويتابع التزامهم به، ومن هنا جاءت أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالحسبة في الإسلام لها أهمية عظيمة، ومنزلة كريمة؛ لما لها من أهمية كبيرة في حياة الفرد والمجتمع، ولذلك أوجبها اللَّه على كل فرد من الأمة كل بحسبه. فالحسبة بمثابة صمام الأمان داخل المجتمع المسلم، وهي بمفهومها. الشمولي العام لا غنى لأمة من الأمم عنها، أو مجتمع يريد أن يقيم منهج اللَّه في الأرض، من خلال الأمر بالفضيلة، ومحاربة الرذيلة، فلم تكن خيرية أمة الإسلام إلا على أساس العمل على إقامة هذا النظام الربَّاني الحكيم، بحيث تدور هذه الخيرية وجودًا وعدمًا مع تطبيقه والقيام به بين أفرادها. قال اللَّه -جل وعلا-:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (2). ونظام الحسبة نظام إسلامي أصيل، وهو الوجه العملي التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو الشريان الذي تسري من خلاله الأخوة الإسلامية والمودة والتراحم والترابط الذي يجب إن يتم بين الأمة أفرادًا وجماعات.
(1) سورة الذاريات، الآية:(56).
(2)
سورة آل عمران، الآية:(110).
فكيف يمكن أن نتصور مجتمعًا من المجتمعات الإنسانية ضاع فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وانتشر فيه فعل المنكرات؟ !
فإنه مجتمع لا يمكن أن تنتظم الحياة فيه، ويأمن فيه الإنسان على ضروراته الخمس التي عليها مدار حياته وسعادته، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسل.
وإذا ساد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين قوم صلحت أحوالهم، وتحقق لهم الفلاح في الدنيا والآخرة (1).
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، والمهم الذي ابتعث اللَّه له النبيين أجمعين، لو طُوي بساطه، وأُهمل علمه وعمله؛ لفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، وخربت البلاد وهلك العباد، قال اللَّه -تعالى-:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)} (2).
فنعوذ باللَّه أن يندرس من هذا القطب عمله وعلمه، وأن ينمحي بالكلية حقيقته ورسمه، وأن تستولي على القلوب مداهنة الخلق، وتنمحي عنها مراقبة الخالق، وأن يسترسل الناس في اتباع الهوى والشهوات استرسال البهائم، وأن يعز على بساط الأرض مؤمن صادق، لا تأخذه في اللَّه لومة لائم، فلا معاذ إلا به، ولا ملجأ إلا إليه (3).
وهذا هو الواقع الذي يُشاهد في الأماكن التي لا يُؤمر فيها بالمعروف، ولا يُنهى فيها عن المنكر، فبهما تتم المحافظة على عقائد المسلمين من الانحراف، وعباداتهم من الابتداع، ودنياهم من الفساد، وبهما تتم المحافظة على الآداب العامة، والمعاملات التجارية، والأمن والسلامة في المجتمعات.
(1) يُنظر: الحسبة في الماضي والحاضر بين ثبات الأهداف وتطور الأساليب، علي بن حسن بن علي القرني، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1415 هـ (ص 19، 20).
(2)
سورة الروم، الآية:(41).
(3)
يُنظر: إحياء علوم الدين (2/ 306) بتصرف يسير.