الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحسيني (1)، والآمدي (2)، وابن أمير الحاج (3). واستدلوا على حجية الإجماع بأدلة من الكتاب والسنة والقياس:
أولًا: أدلة حجية الإجماع من القرآن:
الدليل الأول: استدلوا بقول اللَّه -تعالى-: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (4).
• وجه الدلالة: أن اللَّه -تعالى- قد جمع بين مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد، فلو كان اتباع غير سبيل المؤمنين مباحًا لما جمع بينه وبين المحظور، فثبت أن متابعة غير سبيل المؤمنين عبارة عن متابعة قول أو فتوى يخالف قولهم أو فتواهم، وإذا كانت تلك محظورة وجب أن تكون متابعة قولهم وفتواهم واجبة (5).
(1) هو محمد أمين بن محمود، المعروف بأمير بادشاه، الحسيني نسبًا، الحنفي مذهبًا، الخراساني مولدًا، البخاري منشأ، المكي موطنًا، له تصانيف منها: تيسير التحرير في شرح التحرير، وشرح تائية ابن الفارض، وغير ذلك. توفي سنة اثنين وسبعين وتسعمائة. يُنظر: مقدمة تيسير التحرير، والأعلام للزركلي (6/ 41).
(2)
هو علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي سيف الدين الآمدي، شيخ المتكلمين في زمانه، ولد بآمد بعد الخمسين وخمسمائة بيسير، كان حنبليًّا ثم تحول شافعيًّا، وصحب أبا القاسم بن فضلان، له: الإحكام في أصول الأحكام، وأبكار الأفكار، ودقائق الحقائق، وغير ذلك، توفي سنة إحدى وثلاثين وستمائة. يُنظر: طبقات الشافعية الكبرى (8/ 306)، وطبقات الشافعية (2/ 79).
(3)
هو شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن أمير الحاج الحلبي الحنفي أبو عبد اللَّه، فقيه أصولي، كان تلميذًا لكمال الدين ابن الهمام، وشرح كتاب التحرير فسماه: التقرير والتحبير، توفي سنة تسع وسبعين وثمانمائة. يُنظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، مصطفى بن عبد اللَّه القسطنطيني (1/ 358)، والأعلام للزركلي (7/ 29).
(4)
سورة النساء، الآية (115).
(5)
يُنظر: الإحكام للآمدي (1/ 286)، والمستصفى في علم الأصول، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، دار الفكر (1/ 175)، وإرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، محمد بن علي الشوكاني، وبهامشه شرح ابن قاسم العبادي، على شرح الورقات لجلال الدين المحلى، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، الطبعة الأولى (ص 74).
كما أنه إذا أجمع المؤمنون على أمر في قضية فمن شاقهم فقد خالفهم واتبع غير سبيلهم، وبذلك كان عرضة للوعيد المذكور في الآية (1).
وقد نوقش هذا الاستدلال: بأن المراد من السبيل في قول اللَّه -تعالى-: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} ليس هو الإجماع، بل يحتمل أن يكون المراد سبيلهم وطريقهم في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو في مناصرته، أو في الاقتداء به، وإذا وجد الاحتمال في الدليل سقط به الاستدلال (2).
وأجيب عن هذه المناقشة: بأنه لو كان المراد من ما ذكره المعترضون، للزم أن تكون مخالفة سبيلهم هي عين المشاقة للرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك يستلزم التكرار في الآية الكريمة، مع أن العطف يقتضي المغايرة. وإذا كان كلام العقلاء يصان عن التكرار بدون فائدة، فمن باب أولى كلام اللَّه تعالى (3).
فإن قيل: إن الوعيد في الآية إنما في مخالفة سبيل المؤمنين مع مشاقة الرسول.
قلنا: هما متلازمان، وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون فإنه يكون منصوصًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فالمخالف لهم مخالف للرسول، كما أن المخالف للرسول مخالف للَّه، ولكن هذا يقتضي أن كل ما أجمع عليه قد بيَّنه الرسول، وهذا هو الصواب (4).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لا يوجد قط مسألة مجمع عليها
(1) البرهان في أصول الفقه لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد اللَّه بن يوسف الجويني، دار الكتب العلمية، بيروت (1/ 435).
(2)
ينظر: الإحكام للآمدي (1/ 286)، وإرشاد الفحول (ص 74)، وفواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت (2/ 214).
(3)
ينظر: شرح القاضي عضد الملة لمختصر المنتهى الأصولي للإمام ابن الحاجب المالكي، المطبعة الكبرى الأميرية، طبعة 1317 هـ (2/ 20)، والإحكام للآمدي (1/ 287)، وإرشاد الفحول (ص 74).
(4)
يُنظر: معارج الوصول ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مكتبة ابن تيمية، الطبعة الثانية (19/ 193).
إلا وفيها بيان من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس ويعلم الإجماع فيستدل به، كما أنه يستدل بالنص من لم يعرف دلالة النص، وهو دليل ثان مع النص كالأمثال المضروبة في القرآن، وكذلك الإجماع دليل آخر كما يُقال: قد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، وكل من هذه الأصول يدل على الحق مع تلازمها، فإن ما دل عليه الإجماع فقد دل عليه الكتاب والسنة، وما دل عليه القرآن فعن الرسول أُخِذ، فالكتاب والسنة كلاهما مأخوذ عنه، ولا يوجد مسألة يتفق الإجماع عليها إلا وفيها نص" (1).
الدليل الثاني: كما استدلوا على حجية الإجماع بقول اللَّه -تعالى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (2).
• وجه الدلالة: أن الوسط: العدل الخيار، فيكون اللَّه -تعالى- قد أخبر عن خيرية هذه الأمة، وهذا يقتضي أن يكونوا عدولًا، ويوجب عصمتهم عن الخطأ، ولا يقدمون على شيء من المحظورات، وهذا يوجب أن يكون قولهم حجة (3).
فإذا كان الرب قد جعلهم شهداء لم يشهدوا بباطل، فإذا شهدوا أن اللَّه أمر بشيء فقد أمر به، وإذا شهدوا أن اللَّه نهى عن شيء فقد نهى عنه (4).
وقد نوقش الاستدلال بهذه الآية؛ بأن العدالة هي عبارة عن فعل الواجبات واجتناب المنهيات، وهذا من فعل العبد، وأن اللَّه -تعالى- قد أخبر بأنه قد جعلهم وسطًا فتكون العدالة التي فسرت بها الآية غير الوسطية التي جعلها اللَّه -تعالى- للأمة المحمدية.
وأجيب عن ذلك: بأن العدالة من فعل اللَّه -تعالى- الذي عدَّل الأمة
(1) المرجع نفسه.
(2)
سورة البقرة، الآية:(143).
(3)
البرهان للجويني (3387)، والإبهاج للسبكي (3/ 399)، وإرشاد الفحول (ص 76، 77).
(4)
مجموع فتاوى ابن تيمية (19/ 177).