الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترجيح: يظهر -واللَّه أعلم- أن القول الأول هو الراجح، وذلك لقوة أدلته، وضعف دليل القول الثاني.
الشرط الرابع: هو عدالة المجمعين:
وبهذا الشرط يستبعد الفاسق من المجمعين، سواء كان فسقة بالكذب، أو شرب الخمر، أو الزنا، أو تعاطي الربا، أو غير ذلك من المعاصي القادحة في العدالة (1).
وقد ذكر أبو حامد الغزالي أن شرط العدالة إنما هو لجواز الاعتماد على أقوال المجتهد، أما هو في نفسه فله أن يجتهد، إن كان عالمًا ويؤخذ باجتهاده، أما العدالة عنده فهي شرط لقبول الفتوى، لا لصحة الاجتهاد (2).
الشرط الخامس: أن يكون المجمعون أحياء وموجودين:
المعتبر في الإجماع أهل عصره من المجتهدين الأحياء الموجودين، فيبطل الالتفات إلى الماضين كما بطل -على القطع- الالتفات إلى اللاحقين، ولولا ذلك لما تُصوِّر إجماعٌ بعد موت واحد من المسلمين في زمان الصحابة والتابعين، وقد اعترفوا بصحة إجماع الصحابة بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وبعد موت من مات بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك إلا لأن الماضي لا يُعتبر والمستقبل لا يُنتظر.
أما اعتبار جميع مجتهدي الأمة في جميع العصور فغير ممكن؛ لأن ذلك يؤدي إلى عدم الانتفاع بالإجماع إلى يوم القيامة (3).
ويدخل تحت هذا الشرط مسألة: انقراض العصر. وقد اختلف العلماء في انقراض العصر هل هو شرط في انعقاد الإجماع أولا؛ فذهب بعضهم إلى اعتباره شرطًا. ومنهم من فصَّل وقال: إن كان قد اتفقوا بأقوالهم أو أفعالهم أو بهما لا يكون انقراض العصر شرطًا، وإن كان الإجماع بذهاب واحد من أهل الحل والعقد إلى حكم وسكت الباقون عن الإنكار مع اشتهاره فيما بينهم فهو شرط (4).
(1) المستصفى (1/ 350).
(2)
الإبهام (3/ 257)، والمستصفى (1/ 350).
(3)
المستصفى (1/ 149، 150)، وشرح الكوكب المنير (2/ 231)، وروضة الناظر (1/ 374).
(4)
البرهان في أصول الفقه (1/ 444).
وذهب جمهور العلماء إلى أن انقراض العصر ليس شرطًا في صحة الإجماع (1) وأن المعتبر في إجماع مجتهدي عصر من العصور اتفاقهم ولو في لحظة واحدة.
وهذا هو المختار، فلا يُشترط أن ينقرض عصر المجمعين، أو يمضي زمن طويل على اتفاقهم، بل متى اتفقوا واستقر قولهم، وعلم ذلك منهم، انعقد الإجماع؛ لأن اشتراط انقراض عصر المجمعين يؤدي إلى تعذر وقوع الإجماع؛ لتلاحق المجتهدين.
ولعل من اشترط انقراض العصر أراد بذلك زيادة التثبت في نسبة قول المجمعين إليهم، والاطلاع على أحوالهم للعلم باستقرارهم على أقوالهم.
ويُجاب عن ذلك: بأنه إذا حصل التأكد من وقوع الاتفاق والعلمُ بموافقة جميع المجتهدين، ولو في لحظة واحدة، فلا يُلتفت بعد حصول الإجماع إلى مخالفة من خالف، سواء كان من أهل الإجماع أو من غيرهم.
أما إذا نُقِل الاتفاق دون التأكد من استقرار جميع المجتهدين على أقوالهم، فالإجماع المنقول لا يكون صحيحًا، سواء انقرض العصر أو لم ينقرض.
(1) المستصفى (1/ 150)، والبحر المحيط في أصول الفقه، لبدر الدين الزركشي (3/ 553)، والإحكام للآمدي (1/ 316)، وروضة الناظر (1/ 374، 375).