الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقسمها كما فعل رسول اللَّه بخيبر فذلك له، وإن رأى أن يجعلها فيئًا فلا يخمسها ولا يقسمها ولكن تكون موقوفة على المسلمين عامة ما بقوا كما صنع عمر بالسواد فعل ذلك" (1).
• المخالفون للإجماع: ذهب قول شاذ إلى أنه لم يرد دليل على عدم أخذ الخراج من الأرض التي هي ملك في أيدي المسلمين (2).
وأجيب عن ذلك: بأن العدم لا يحتاج إلى أصل؛ لأنه لو أخذ منهم الخراج لنُقل، ولَمَّا لم ينقل دل على عدمه، ولأنه بمنزلة الفيء، فلا يثبت في أراضيهم كما لا يثبت في رقابهم (3).
النتيجة:
صحة الإجماع؛ لشذوذ المخالف.
[159/ 159] يجوز أخذ خراج الأرض زيادة على جزية الرؤوس
• المراد بالمسألة: الجِزْيَةُ لغة: هي المال الذي يَعْقِدُ الكِتابيُّ عليه الذِّمَّة، وهي فِعْلَة من الجزاء كأنَّها جَزَتْ عن قَتْلِه (4). أو هي اسم لما يؤخذ من الذمي، مشتقة من الجزاء، كأنها جزاء إسكاننا إياه في دارنا، وعصمتنا دمه وماله وعياله، وقيل: هي مشتقة من جزي يجزى إذا قضى (5).
الجِزْيَةُ اصطلاحًا: هي موضوعة على رؤوس أهل الذمة، واسمها مشتق من الجزاء، إما جزاء على كفرهم لأخذها منهم صغارًا، وإما جزاء على أماننا لهم لأخذها منهم رفقًا (6). وقيل: الجزية والجزاء واحد، وهي ما أُخذ على وجه الصغار، وسُمِّيت جزية؛ لأنها جزاء الإقامة على الكفر ممن كان من أهل القتال، فمتى أسلم سقط عنه بالإسلام المجازاة على الكفر (7).
(1) الأموال لآبي عبيد (ص 69).
(2)
يُنظر: البحر الرائق (5/ 112).
(3)
المرجع السابق.
(4)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 271)، وتاج العروس (37/ 353)(جزى).
(5)
تهذيب الأسماء واللغات، محي الدين بن شرف النووي، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1996 م (3/ 48).
(6)
الأحكام السلطانية (ص 161).
(7)
أحكام القرآن للجصاص (4/ ص 295).
وقد أجمع المسلمون على أنه يجوز للإمام أن يجمع على أهل الذمة خراج الأرض زيادة على جزية الرؤوس.
فإذا فُتحت أرضهم عنوة، فقد صارت من دار الإسلام، فيجوز للإمام أن يقرهم فيها على أن يؤدوا خراجها زيادة على جزية رؤوسهم.
أما إذا صالحهم على أن تكون أرضهم للمسلمين، فقد صارت بهذا الصلح من دار الإسلام، وصاروا بإقرارهم فيها أهل ذمة، لا يقرون إلا بجزية، ولا يجزئ الخراج المأخوذ من أرضهم عن جزية رؤوسهم؛ لأنه أجرة، حتى يجمع عليهم بين خراج الأرض وجزية الرؤوس (1).
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "واتفقوا أن أهل الذمة إذا رضوا حين صلحهم الأول بالتزام خراج في الأرضين، أو بعشر، أو بتعشير من تجر منهم في مصره وفي الآفاق، أو بأن يؤخذ منهم شيء معروف زائد على الجزية محدود يحل ملكه، وكان كل ذلك زائدًا على الجزية، أن كل ذلك -إذا رضوه أولًا- لازم لهم ولأعقابهم في الأبد"(2) المرغناني (593 هـ) قال: "إذا فتح الإمام بلدة عنوة -أي: قهرًا- فهو بالخيار: إن شاء قسمه بين المسلمين، كما فعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بخيبر، وإن شاء أقر أهله عليها، ووضع عليهم الجزية، وعلى أراضيهم الخراج، كذلك فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق، بموافقة الصحابة رضي الله عنهم، ولم يجد من خالفه"(3). نقله فخر الدين الزيلعي (743 هـ)(4)، وابن نجيم (970 هـ)(5).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (6)، المالكية (7)، الشافعية (8)،
(1) الحاوي الكبير (14/ 370).
(2)
مراتب الإجماع (ص 123).
(3)
الهداية شرح البداية (2/ 141).
(4)
تبيين الحقائق (3/ 248).
(5)
البحر الرائق (5/ 89).
(6)
بداية المبتدي (1/ 115)، وبدائع الصنائع (7/ 107)، والفتاوى الهندية (2/ 201).
(7)
الشرح الكبير للدردير (2/ 203)، وحاشية الدسوقي (4/ 469)، ومنح الجليل (3/ 221).
(8)
الحاوي الكبير (14/ 370)، وتحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام (ص 102).
الحنابلة (1)، الظاهرية (2).
• مستند الإجماع: ويُستدل على ذلك بأن الخراج أجرة عن أرض المسلمين نظير إقرارهم فيها، والجزية عوض عن حقن الدم والإقرار على الكفر (3).
ولذلك تفرض عليهم الجزية، سواء أقرهم الإمام على الأرض أو خمسها وقسمها على الفاتحين، فإن أقرهم عليها زاد الخراج على الجزية، إلا أن يصالحهم الإمام على أن يؤدوا جزية الرؤوس، وتبقى الأرض في ملكهم، فلهم ما صالحونا عليه.
ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لَعَلَّكُمْ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا، فَتَظْهَرُونَ عليهم، فَيَتَّقُونَكُمْ بِأَمْوَالِهِمْ دُونَ أَنْفُسِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، فَيُصَالِحُونَكُمْ على صُلْحٍ، فلا تُصِيبُوا منهم شيئًا فَوْقَ ذلك، فإنه لَا يَصْلُحُ لَكُمْ"(4).
• وجه الدلالة: قال أبو عبيد: "في هذا الحديث أن السنة في أرض الصلح أن لا يُزاد على وظيفتها التي صولحوا"(5).
• من خالف الإجماع: ذهب عدد قليل من العلماء إلى القول بأن الخراج لا يكون على الأرض التي صالح عليها أهلها. ونقلوا عن الإمام أحمد أنه قال: "أرض أهل الذمة التي في الصلح ليس عليها خراج، إنما يُنظر إلى ما أخرجت، يؤخذ منهم العشر مرتين"(6).
قال الخلال: "والذي عليه العمل في قول أبي عبد اللَّه: أنه ما كان في أيديهم من صلح أو خراج فهم على ما صولحوا عليه، أو جعل على أرضهم
(1) الاستخراج لأحكام الخراج (ص 47)، أحكام أهل الذمة (ص 253)، والإنصاف للمرداوي (4/ 192).
(2)
مراتب الإجماع (ص 123).
(3)
الحاوي الكبير (14/ 300).
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
الأموال لأبي عبيد (ص 190).
(6)
اقتضاء الصراط المستقيم (ص 241)، وأحكام أهل الذمة (1/ 322).